إيران بين عمامتين، فأيهما سترتدي؟

إيران بين عمامتين، فأيهما سترتدي؟

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ١٦ مايو ٢٠١٧

بيضاء أم سوداء؟ المحسوم أن الرئيس الإيراني القادم سيكون صاحب عمامة، أما اللون فيقرره الإيرانيون يوم انتخاباتهم الرئاسية في التاسع عشر من أيار/ مايو الجاري. ليست المفاضلة هنا بين لون ولون، إنما بين مشروع وآخر، مشروع الرئيس الحالي حسن روحاني بما يتضمنه من عناوين جامعة وخلافية، وبين ما يعد به المرشح إبراهيم رئيسي القادم من القضاء إلى السياسة حاملاً شعار التغيير.

تغيير من أجل الشعب يقول رئيسي، والشعب بين مرشح وآخر حائر لتداخل الأولويات ولكون إيران في هذه اللحظة التاريخية تواجه أسئلة كبرى في الداخل كما في الخارج. ربما يكون الخيار أسهل بكثير على المنتمين للتيارات السياسية الإيرانية، فهؤلاء محسوم إتجاه أصواتهم بغضّ النظر عن كل تفصيل يمكن أن يظهر في مناظرة هنا أو مقابلة هناك، أما رجل الشارع العادي، الرمادي أو "الخاكستري" كما يسمى في إيران، البعيد من اليمين واليسار، النائي بنفسه عن الأصوليين وطالبي الإصلاح، هذا الذي سيقرر أي إتجاه ستسلكه إيران سيكون عليه موازنة ما أمكن من عناوين في ذهنه. سيفكر في الاقتصاد وفي جيبه وفي تنوع أصناف طاولة طعامه، سيقارب الموضوع من زاوية أيهما أفضل له، إقتصاد البازار أم إقتصاد رجال الأعمال؟ وعود الإستثمار والأموال الخارجية ونمو الإقتصاد النفطي، أم درب جلجلة الإكتفاء الذاتي، وتضحيات التخفف من النفط والإستثمار في قطاعات الربح البطيء؟

سيكون عليه الإختيار بين دعم أكبر من الدولة لجيب المواطن، كما يعد مرشح التيار الأصولي، وبين تقليص الدعم والاتجاه نحو تأمين فرص عمل أكبر كما يطرح روحاني. وقضية فرص العمل تزيد في أمر المقترع حيرة أكثر، إذ يتنافس المتنافسون في عدد الوظائف التي يقولون إنهم سيضمنون تأمينها للمواطنين، وما من طرف حتى اللحظة يتنازل عن وعد المليون وظيفة في عام واحد.

يعلم حسن روحاني أن أيامه في شارع باستور، حيث مقر الرئاسة الإيرانية، محكومة بمدى إقناعه للطبقات الفقيرة في كون حكومته ستلتفت إليهم وهي المتهمة من قبل خصوم الرئيس بكونها لم تقدم لهؤلاء خلال هذه السنوات سوى وعود محشوة بالجفاء تجاههم.
صحيح أن حكومة الأمل والتدبير، كما أطلق عليها عندما أصبح روحاني رئيساً في العام 2013، سعت لفتح أبواب الإستثمارات وحققت فتحاً بإعادة ثقة المستمثرين بالسوق الإيرانية، لكنها بالرغم من الإتفاق النووي الذي اعتبرته درّة تاجها، فشلت، على حد اتهام المعترضين، في إيصال الحلاوة إلى طرف لسان محدودي الدخل على امتداد الخارطة الإيرانية.

الإتفاق النووي الذي كان حتى لحظة ما محل إجماع الإيرانيين وإن شذّت عن القاعدة جماعة، أضحى اليوم محل سؤال لدى شرائح وازنة من الشعب ممن لا تشكك في أهميته، لكنها تتساءل عن السبل التي يمكن لإيران من خلالها استغلاله وتطويعه لصالحها، أو على الأقل الاستفادة بشكل حقيقي من حقوق البلاد كما نص عليه الإتفاق يوم جرى الإعلان عنه. آخرون أكثر تطرفاً في معاداة الإتفاق يتهمون الولايات المتحدة الأميركية بنصب فخ لإيران، ويعتقدون أن التجديد لروحاني سيكون رسالة ضعف من طهران إلى الأطراف التي تعول على قبول الإيرانيين بالأمر الواقع من دون أي مقاومة. ربما هي نظرة تشاؤمية إلى حدّ كبير لكنها تختزن ألماً يصل إلى حد تشبيه اتفاق 2015 النووي باتفاق دارسي عام 1901 والذي أعطى احتكار النفط الإيراني للبريطانيين واتفاق عام 1933 الذي شرّع للبريطانيين عملية الاحتكار بشكل ألطف عبر الشركة الإنكليزية الإيرانية للنفط.

لا يذهب رئيسي كل هذه المسافة في انتقاد الإتفاق النووي، صحيح أنه عبّر عن ملاحظاته بشكل واضح خلال المناظرات الرئاسية، وصحيح أنه انتقد أسلوب تنفيذ الإتفاق، لكنه لم يقل إنه سيعمد إلى تمزيق الإتفاق أو إلغائه. يرى رئيسي أن اتفاقاً قوياً يحتاج لحكومة ثورية تحفظ حقوق إيران فيه بينما تحافظ عليه؛ وحقوق إيران من وجهة نظره تتلخص بالخطوط الحمراء التي سنّها مرشد الثورة السيد علي خامنئي. لكنّ الموقف من النووي ليس تحدياً يقلب المشهد بالنسبة لرئيسي، لا سيما وأنه في هذا الملف تحديداً يحاول أن يمسك العصا من الوسط ليوازن بين متطرفين في الدفاع ومتطرفين في النقد، والأهم أن الشارع اليوم يريد أجوبة على أسئلة مختلفة، لا سيما ممن يطرح نفسه كبديل عن الحكومة الحالية.

بقدر الغموض الذي يلفّ مشروع حسن روحاني الاقتصادي المستقبلي، يبدو مشروع رئيسي عبارة عن عناوين عامة مع تبنٍ كامل لنظرية الإقتصاد المقاوم التي أطلقها المرشد لكن من دون شرح إجراءات تطبيقها عملياً. هذا الأمر يعطي الأفضلية لروحاني عملياً، كونه بالنسبة لناخب غير مسيّس، مرشحاً في منصب رئيس، أي أنه في الأساس يترشح بينما يعمل على استكمال تنفيذ خطته القائمة على وعود كثيرة لم يتحقق منها سوى اليسير. أصحاب هذه النظرية يقولون أيضاً إن الرئيس يستحق أربع سنوات أخرى لتكتمل تجربته وكي لا تكون قد عُطلت مسيرته في نصفها. وجهة النظر هذه يناقضها من يتخوف من حالة اللاإنسجام بين روحاني وأركان النظام ومؤسساته، لا سيما الحرس الثوري، هؤلاء يدافعون عن خيارهم النأي عن روحاني في عملية الإقتراع بالقول إن إيران في مثل هذه الظروف تحتاج لتوازن وتواصل وتناغم بين مستويات النظام كافة، وفي حال غياب هذه العوامل فالعهد الرئاسي محكوم بالفشل.

لم ينجح روحاني في بث الطمأنينة في قلوب أصحاب هذه النظرية بما يكفي، خصوصاً وأنه تبنى خلال الأيام القليلة الماضية نهجاً سياسياً سحبه من وسطيته الإعتدالية إلى اتجاه نقدي مغرق في الإصلاح، دفعه لتوجيه الإنتقاد تلو الآخر للمؤسسة الحاكمة. يقول المتوجسون إن روحاني يأمل في استمالة الأصوات الخضراء التي قررت التصويت والتأثير في الأقليات المذهبية والقومية التي خاطبها من على المنبر وطرح قضايا تخصّها خلال المناظرات، من دون الأخذ بعين الاعتبار مستوى الحساسيات التي يمكن أن تشعلها هكذا تصريحات. يلمّح البعض في هذا الإطار إلى أن تصريحاته الأخيرة يمكن أن تساعده اليوم في بعض الأصوات لكنها ستتحول إلى أوزار على ظهره في حال فوزه بالرئاسة وهو ما لا يرغب بتجربته أي رئيس في إيران.

بضعة أيام فقط ويجيب الإيرانيون على الأسئلة أعلاه، رئيسي أم روحاني؟ عمامة بيضاء أم عمامة سوداء؟ وبعد الإجابة يوم آخر جديد، لكنه قطعاً لن يكون كما الأيام التي سبقته.

المصدر: الميادين نت