المسكوت عنه: سياسات التهجير التركية شمال سورية

المسكوت عنه: سياسات التهجير التركية شمال سورية

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٥ أبريل ٢٠١٧

عاجل .. خطير .. تهجير قسري .. تفريغ ممنهج .. تغيير للديموغرافية.


 نداءات أطلقها، ويطلقها، ناشطون وأحزاب في الشمال السوري وخاصة في المنطقة التي تصر تركيا على أن تحولها إلى منطقة عازلة، وتقوم منذ دخلت قواتها إليها بعمليات تهجير وتغيير ديموغرافي فيها، وهي عمليات قلما يتم تسليط الضوء عليها، رغم أنها أخطر عمليات التهجير التي تتم في البلاد، إذ أنها تمهد لمزيد من السيطرة التركية، واقتطاع مزيد من الأرض السورية.


تطهير ممنهج

منذ دخولها الأراضي السورية (بتوقيت ذي دلالة عثمانية: في 24 من شهر آب ، عام 2016، وهو يصادف الذكرى 500 للغزو العثماني لسورية)، بدأت القوات التركية عمليات ممنهجة تستهدف السوريين العرب والأكراد لصالح التركمان، وهذه العمليات مازالت متواصلة عبر التنظيمات التي تأتمر بأمر تركيا، وخاصة تلك التي تحمل أسماء عثمانية (لواء السلطان مراد، لواء السلطان سليم، لواء سليمان شاه، لواء السلطان محمد الفاتح .. الخ(

 مؤخراً شهدت تلك العمليات تسارعاً في الوتيرة، خاصة مع تنفيذ اتفاق حي الوعر، وقد أكد عدد من الناشطين أن "كتائب تابعة لدرع الفرات قامت بتهجير الكرد، ضمن خطة تشمل تفريغ سبعين قرية كردية شمال الباب من أهلها تحت تهمة باطلة وهي انتمائهم لحزب العمال الكردستاني".

 ومع الإعلان التركي انتهاء عمليات "درع الفرات" بدأ ما يسمى "الجيش التركماني الموحد" ينفذ تلك السياسة. (شكلته الاستخبارات التركية من مجموعة من التنظيمات التركمانية، وبدأ الحديث عن تشكيله منذ أواسط عام 2015)

 مركز توثيق الانتهاكات في منطقة الشهباء (المنطقة الممتدة من عفرين غرباً وصولاً إلى جرابلس شرقاً، وحتى الباب ومنبج جنوباً)، قال إن ما يسمى "الجيش التركماني الموحد" قام بتهجير عائلات كردية من بيوتهم بتهمة الانتماء لمسلحي حزب العمال الكردستاني.

 وجاء في بيان عن المركز أن ذلك يأتي "استمراراً لسياسة التهجير القسري التي تقوم بها ميليشيات درع الفرات".


 بينما تحدثت وكالة هاوار عن "تفريغ ممنهج، وتغيير لديموغرافية" في منطقة الشهباء، ونقلت الوكالة عن "مصادر مطلعة" أن "ما يسمى بمرتزقة “الجيش التركماني الموحد” التابع للاستخبارات التركية (الميت) مباشرة، قام بإخراج عدد من العوائل الكردية في قرية نعمان وإسكان 200 عائلة تركمانية من حمص مكانهم، وأشار (المصدر) إلى أن مرتزقة جيش الإسلام جعلت من مدرسة القرية سجناً".


 مصادر من داخل منطقة الشهباء، بدأت تصدر بيانات عاجلة على مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد أن "قرى كردية في منطقة شمال الباب، وعددها أكثر من سبعين قرية، تتعرض لحملات تطهير عرقية ممنهجة من قبل فصائل مسلحة أغلبها تركمانية و أخرى قدمت من حمص". وذكر عدد من الأهالي أنهم يتعرضون "للإهانات والإستفزازات، ونهب بيوتهم ومصادرة أملاكهم وقطع الأشجار وتفكيك الآليات وسرقتها أمام أعينهم" ويؤكدون أن "تلك الفصائل ومقاتليها هم الوحيدون المسلحون في تلك القرى السبعين، وهذا ما يخيف الأهالي إن عارضوا تلك التصرفات. وكل من يعترض أو يتشبث بأرضه يتعرض للضرب أو الموت بحجة انتمائه إلى "قسد" (قوات سوريا الديمقراطية) أو الاتحاد الديمقراطي".

....

محو هوية المنطقة

 الناشط السياسي طه الحامد، وهو عضو في المؤتمر القومي الكردستاني، يستحضر النموذج القبرصي في السياسة التركية، وخاصة ما يتعلق بسياسات التهجير، ويقول لآسيا إن الحكومة التركية "تحاول إنشاء كيان تركماني خاص بها على غرار قبرص، من خلال تهجير الكرد في الريف الشمالي ومناطق الشهباء، وتوطين من هزموا في معارك حلب ودمسق وحمص و الزبداني وغيرها مكان الكرد المهجرين"، ويقول الحامد إن تركيا تمارس أبشع أنواع التطهير العرقي شملت سبعين قرية أغلبها ذات غالبية كردية، وذلك عبر عشرات الفصائل التي تدار من قبل تركيا والتي تعمل في تلك المنطقة، ويؤكد أن تلك الحملات لم تشمل الكرد فقط، بل "شملت بعض العرب المشكوك بولائهم لتركيا في قرى كثيرة موثقة أسماؤها لدى دائرة التوثيق في لجان خاصة بمنطقة الشهباء والريف الشمالي" ويشير الحامد إلى أن من يقوم بالتهجير ليس كلهم من التركمان بل هناك من العرب الوافدين من حمص وحماة وحلب، الذين يتبعون لجماعة المعارضة وخاصة الإخوان المسلمين" ويرى أن "المشروع التهجيري يحمل أجندة عرقية تستهدف الكرد، وأجندة طائفية إسلاموية تستهدف كل من يؤمن بالعلمانية والديمقراطية من مختلف المكونات".


 لماذا؟ وماذا تريد تركيا بالضبط؟ يجيب الحامد أن الهدف هو "سلب ومحو هوية المنطقة تلك وجعلها ذات هوية تركية، وبهذا تحقق الحكومة التركية عدة أهداف: احتلال المنطقة وضمها لتركيا، إيقاف المشروع العلماني الديمقراطي الذي يحمله الكرد وحلفاؤهم في قوات سوريا الديمقراطية، إفشال الطموح الكردي بالتحرر القومي، حماية الإرهابيين وتخفيف الضغط على "داعش" وعصابات الجيش الحر والإبقاء على ملاذ آمن لهم وخطوط الدعم والإسناد عبر البوابات الحدودية، وبالتالي استمرار الحرب في سورية، و تفكيكها، بحيث تكون تلك المناطق حصة تركيا من الجسد السوري".


الكيان "التركي" العازل

 بعد فترة على التدخل التركي المعلن والواضح في الأزمة السورية، بدأت حكومة العدالة والتنمية، تطالب بمنطقة عازلة (أو: منطقة آمنة، حسب التعبير التركي)، والذريعة: حماية المدنيين.

 تلك المنطقة أرادتها تركيا على طول حدودها مع سورية، وكان الواضح أنها تستهدف منع قيام إقليم كردي، وعندما لم يتحقق ذلك، دخلت الدبابات التركية الأراضي السورية، لفرض تلك المنطقة، من إعزاز في الشمال الغربي، إلى جرابلس وبعمق يزيد عن 60 كليومتراً.

 الهدف: تحقيق نوع من الفصل بين الأراضي التي سيطرت عليها وحدات كردية، خاصة قوات "قسد"، ولهذا كانت تركيا تحذر دوماً من التمدد غرب الفرات.

 وبعد التدخل العسكري المباشر، خاصة بعد السيطرة على الباب، بدأت عمليات التهجير، والتغيير الديمغرافي، ضمن سياسة تركية تهدف إلى السيطرة على المنطقة ومنع أي أمل بقيام تكتل كردي.

 كان ما تريده تركيا ومازال هو خلق كيان "تركي" في الأرضي السورية.


حدو: سياسات مستمرة منذ سلب اللواء

 رئيس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية السورية، والسياسي الكردي ريزان حدو، يقول لآسيا إن التغيير الديمغرافي بدأ منذ دخول الجيش التركي إلى سورية، ويشدد على أن العقل التركي لم يتغير عبر الأجيال، ويؤكد أن ما نشهده اليوم ليس طارئاً على ذلك العقل، ويستشهد أيضاً بالنموذج القبرصي، وكذلك بسياسات التهجير، وطمس الهوية التي اتبعتها تركيا في لواء اسكندرون (تحتله تركيا رسمياً منذ 1939، وقد عملت خلال تلك السنوات على طمس الهوية السورية فيه، واتباع سياسات التتريك العرقي)

 يقول حدو إن المقاومة الوطنية كانت تحذر من المخططات التركية منذ دخول قواتها البلاد، إلا أنه "كان ثمة اعتقاد بأنه يجب إفساح المجال للتكويعة التركية".


 في توصيف ما يجري حالياً، يسترجع حيدو تفاصيل سيناريو اللواء السليب، وأيضاً النموذج القبرصي، يقول:

 "ما يحدث الآن هو النموذج القبرصي وهو آخر الأوراق التركية في سورية، فهي تدرك أنها إن خرجت دون مكسب سينعكس ذلك عليها مباشرة، وهي تعمل على:

1 ـ أن تبقى ضمن الأراضي السورية

2 ـ إفشال الحل السياسي، فليس من مصلحة تركيا الحل السياسي ولا القضاء على "داعش" لهذا تجهز الجيش الإسلامي التركماني.

 التهجير بدأ منذ زمن، وتحت شعار محاربة داعش، وكان يتم تهجير العرب والأكراد لصالح التركمان، وفي مناطق الباب مثلاً كل المناطق التي يقطنها تركمان بقيت على حالها عكس مناطق العرب والأكراد".


دولة وظيفية

ما الذي تريده تركيا، أهو احتلال لتلك المناطق، أم هي سيطرة عبر "وسيط"؟

يجيب حدو "إن تركيا دولة "وظيفية" بالنسبة للناتو، ويشبه دورها بدور "إسرائيل" وما فعلته في جنوب لبنان، عبر احتلال مباشر أولاً، ثم تهيئة طرف محلي للقيام بالدور، والآن فإن التنظيمات المشاركة في عمليات درع الفرات كانت تلعب هذا الدور، وأن تلك القوات شاركت في معارك حماة، بعد أن أعطى (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان أوامره بالانسحاب من مفاوضات أستانا الأخيرة، هو يريد أن  يرسل رسائل، بعدما أصيب بصدمة بعد منبج التي لم يستطع السيطرة عليها كما في الباب، خاصة أن الولايات المتحدة لم تتدخل، ورداً على موضوع منبج أرسل قوات درع الفرات إلى حماة، كما دعم معارك جوبر بهدف إفشال تقدم "قسد" إلى الرقة، وأيضاً التقدم في ريف حلب، خاصة أن أردوغان استبعد أمريكياً من معركة تحرير الرقة"


وحول الآليات التركية في احتلال شمال سورية مجدداً يستذكر حيدو سيناريو لواء اسكندرون، يقول:

"المخطط التركي فيه شيء من تكرار لقضية لواء اسكندرون: تدخل تركيا إلى تلك المناطق ثم تبدأ ببناء المدن، وتقديم الخدمات وتحول تلك المناطق إلى ما يشبه الحلم، خاصة بالقياس إلى حالة الوضع المتردي م دمار وخراب في المناطق السورية الأخرى، وهكذا تستقطب الناس الذين يبدؤون بالهجرة، لكنها لا تستقبلهم قبل أن تقوم بعملية فرز: لا تقبل سوى الذين يدورون في فلكها، إما بالولاء السياسي أو العرقي، ثم تبدأ المرحلة الأخطر وهي بدء التعامل بالليرة التركية، ثم تخرج بعض الأصوات المطالبة بضم تلك المناطق إلى الدولة التركية والذريعة جاهزة: الفوضى في سورية، عندئذ تظهر الحكومة التركية بالمظهر الحضاري وتقترح الاستفتاء على تقرير المصير".

.....

ما العمل؟

بكلمة، يقول حدو: دعم خيار المقاومة الوطنية السورية التي تسعى للتحرير، واقتداء نموذج المقاومة على طريقة حزب الله.