التقارب الخليجي الإسرائيلي.. ماذا بعد؟

التقارب الخليجي الإسرائيلي.. ماذا بعد؟

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٢ مارس ٢٠١٧

يوما بعد يوم تزداد التساؤلات عن المواقف المتقاربة حينا والمتطابقة أحيانا أخرى، بين الكيان الإسرائيلي وبعض الدول الخليجية وبالأخص المملكة السعودية، فمن التناغم بين بعض المسؤولين الإسرائيليين والخليجيين على مواقع التواصل الاجتماعي مرورا باللقاءات والمصافحة بين بعض المسؤولين في مؤتمرات مختلفة وتحت مسميات وذرائع متنوعة، وصولا لتطابق هذه المواقف بشكل كامل بالنسبة لبعض الأمور ومنها التوافق التام الإسرائيلي والسعودي حول "الخطر" الإيراني.
 
تدرج في المواقف لا يمكن أبدا اعتباره مجرد صدفة، إنما هو أمر يثير الكثير من التساؤلات عن كيفية الوصول لهذه الدرجة من التلاقي والتقارب في المواقف والمصالح بين دولة من أكبر الدول العربية والإسلامية وبين العدو الأول والأخير للأمتين العربية والإسلامية، وكيف يمكن فهم هذا التلاقي وهذا التطابق الكبير في المواقف والسياسات السعودية والإسرائيلية؟ وماذا يعني التوافق الخليجي والسعودي مع العدو ضد دولة إسلامية جارة تجمعنا بها الكثير من المشتركات من الدين والتاريخ والجغرافيا؟
 
صدفة أم مصالح متبادلة؟!

وهل هذا التقارب هو وليد الساعة أم أنه نتيجة تراكمات من الاتصالات والتنسيق وتشابك المصالح؟ وهل يمكن لهذا التدرج أن يستمر للوصول إلى ما هو أسوأ؟ وما الذي قد يعتبر أسوأ في هذا المجال؟ هل يمكن في يوم من الأيام توقع حصول "تطبيع تام" للعلاقات الخليجية الإسرائيلية أو السعودية الإسرائيلية دون أي رادع أخلاقي أو قومي أو ديني؟ هل يمكن أن نرى وزراء حاليين في المملكة أو الخليج يلتقون بشكل مطلق وبحرية تامة قيادات إسرائيلية كما كان يحصل مع الأمير السعودي تركي الفيصل ورئيس الاستخبارات السعودي الأسبق أنور عشقي؟
 
وهنا لا بدَّ من الإشارة السلبية التي تم استخلاصها من عدم خروج وزير الخارجية السعودي عادل الجبير من القاعة في مؤتمر ميونخ للأمن عندما ألقى وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان كلمته، هذا بغض النظر عن التناغم والتطابق الذي ظهر جليا في كلام الرجلين، في السياق لا بد من التنويه بما فعله وزير الدفاع اللبناني يعقوب الصراف حيث انصرف من القاعة فقط لجلوس ليبرمان على الكرسي المحاذي له، فلماذا لم يفعل ذلك الوزير الجبير؟ هل هذا الأمر من قبيل الإهمال أو التقصير أو عدم الانتباه؟ أم أنه بقاء مقصود ويتضمن إشارات سياسية معينة؟

العلاقة مع العدو.. وكسر حاجز الخوف

الواقع أن العديد من الدول الخليجية تقيم علاقات متنوعة مع كيان العدو تحت أشكال التعاون الاقتصادي أو التجاري أو الثقافي وغيرها من العناوين، إلا أن دخول المملكة السعودية في هذا الملف الخطر يحمل الكثير من المعاني والدلالات السلبية على مجمل العالمين العربي والإسلامي لما لهذه الدولة من ثقل عربي وإسلامي في آن، ويكفي أن في هذه الأرض يوجد الكعبة المشرفة وقبر الرسول(ص) وإليها يحج المسلمون عربا وغير عرب سنويا ناهيك عن المعتمرين طوال السنة، فهل يستوي أن تكون الدولة التي تستقبل الحجاج وتستضيف المعتمرين في يوم ما على علاقة بالعدو الأول والأساسي للمسلمين والعرب؟
 
الواقع أن رغم كل التسريبات التي كانت سابقا تصدر في الإعلام عن تواصل ولقاءات سعودية وإسرائيلية إلا أنه لم يخرج أي شيء إلى العلن حتى بدأت تتكشف لقاءات تركي الفيصل وأنور عشق مع قيادات صهيونية ومع ذلك لم يحصل أي لقاء رسمي بين الطرفين، إلا أن متابعة كل هذا الملف تدفعنا إلى الإشارة إلى المثل القائل إنه "لا دخان من دون نار"، ففي السابق كانت بعض الأصوات السعودية تكذب حصول اللقاءات حتى خرجت المشاهد والتصريحات إلى العلن، فهل ما يجري اليوم هو تمهيد لما سيحصل لاحقا؟ وهل الهدف من كل ذلك هو كسر حاجز الخوف لدى قيادات أو رجال أعمال وفعاليات سعودية وخليجية ترفض حتى الساعة الظهور علنا في اجتماعات أو لقاءات مع الإسرائيليين؟ كما حصل في البحرين قبل فترة حيث تم استقبال مجموعة من الصهاينة في منزل أحد رجال الأعمال وبحضور مسؤوليين رسميين وقد سُمح لـ"الضيوف" بالرقص في أكثر من مكان وإنشاد أغاني تدعو لهدم المقدسات في فلسطين المحتلة.
 
ماذا يعني أن تجمعهم واشنطن وتفرقهم طهران؟

 ورغم أن البعض يتحدث أن وصول الإدارة الأمريكية الجديدة دفع باتجاه التقارب السعودي الإسرائيلي والخليجي الإسرائيلي، والبعض يعتقد أن الخوف من حدة دونالد ترامب قد يدفع إلى الاستجابة للمطالب الأمريكية بنسج أفضل العلاقات مع تل أبيب، بينما قد يكون الهدف الحقيقي من ذلك هو التخلص من العقبة الإيرانية في هذا المجال خاص أن هذه الدولة تبدو مناصرة لقضايا الشعوب وبالأخص الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، لذلك قد يبدو مبررا التوافق على مواجهة ما يسمى "الخطر الإيراني".
 
في حين يبرر البعض أن التقارب سببه حماية "إسرائيل" وأمريكا لدول الخليج من الخطر الإيراني، فالبعض يعتقد أن "إسرائيل" والولايات المتحدة قد تحميه من هذا الخطر، علما أن الوقائع أظهرت وتظهر أن "اسرائيل" تحتاج إلى من يحميها ليس فقط من إيران وإنما من حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، فهل هكذا كيان قادر على حماية كيانات خليجية مقابل الجارة الإسلامية؟ وأيهما أولى للدول الخليجية التقارب مع إسرائيل أو التقارب مع إيران؟

والحقيقة أن السؤال البديهي القديم الجديد هو: كيف يمكن أن نتوقع من دولة (كالسعودية وباقي دول الخليج) على علاقة إستراتجية بالولايات المتحدة ستكون على عداوة مطلقة مع "إسرائيل"؟ وهذه الدول الخليجية منذ عقود طويلة هي دول حليفة لواشنطن فماذا عن علاقاتها مع الحليف القوي لواشنطن أي "إسرائيل"؟ سؤال يحتاج إلى كثير من التمعن خاصة عندما نستشعر التناغم الخليجي السعودي الإسرائيلي وعندما نشاهد الزيارات واللقاءات المختلفة بين الطرفين.