«جنيف 4» من زاوية أخرى: قطعة «بازل» في مشهديّة جديدة

«جنيف 4» من زاوية أخرى: قطعة «بازل» في مشهديّة جديدة

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٢١ فبراير ٢٠١٧

رغم أنّ معظم المؤشرات تشي بأنّ جلسات «جنيف 4» لن تحمل جديداً «نوعيّاً» في حد ذاتها، لكنها تبدو صالحة لتشكّل إلى جانب جملة من التطورات التي شهدها الملف السوري خلال الشهرين الأخيرين ملامح العام السّابع من الحرب، وسط سباق بين مشاريع بمسميات مختلفة، أوضحها «الفدرلة» و«المناطق الآمنة»
يبدو «جنيف 4» أشبه بـ«قطعة بازل» في مشهديّة غير واضحة المعالم لكنّها تعِد بتغيّرات كثيرة. وإذا كان الحديث المتزايد عن «المناطق الآمنة» هو في أحد أوجهه شكل من أشكال «الضجيج السياسي» المعهود على أبواب كل مرحلة جديدة، لكنّه في الوقت ذاته جزء لا يستهان به من أصداء ما يدور وراء الأبواب المغلقة.

ويجدر التذكير بأنّ تحولات هائلة شابت المشهد السوري منذ «جنيف3» الذي عُقد قبل قرابة العام، وأن بعض هذه التحولات كان بمثابة «رد فعل» على المحادثات المذكورة. أوضح ردود الفعل تلك كان قد جاء من مناطق «الإدارة الذاتيّة» التي شهدت إعلان «النظام الفيدرالي» بعد أيام على انعقاد «جنيف 3» (عُقد جنيف 3 في 14 آذار 2016، وأعلنت «الفيدرالية» في 17 آذار). ولا ينبغي أن تغيب عن الذهن العلاقة بين ذلك الإعلان، وبين إقدام الجيش التركي على غزو أراضٍ سورية تحت اسم «درع الفرات» بعد أشهر. وعلى أعتاب «جنيف 4» يبدو المشهد قابلاً للتكرار مع تغيرات في الحيثيات فحسب: «فيتو» تركي صارم على دعوة مكوّنات «الإدارة الذاتيّة» إلى المحادثات وقبول دولي بهذا الفيتو، يليه استعداد «الذاتيّة» لعقد «المؤتمر العام لمجلس سوريا الديمقراطيّة» (الموعد المبدئي للمؤتمر هو 25 شباط). ومن المرجّح وفقاً لمعلومات «الأخبار» أن يشهد «المؤتمر» الإعلان عن «بدء تطبيق النظام الفيدرالي» مع ما قد يُشكله ذلك من ذريعة تدعم موقف أنقرة في ما يتعلّق بـ«المناطق الآمنة»، لا سيّما مع الدفع الذي حظيت به تلك «المناطق» عبر ما طفا على السطح من موقف واشنطن في شأنها. ورغم أنّ التصريحات التي أدلى بها أخيراً وزير الخارجيّة السعودي عادل الجبير أمس هي أقرب إلى «الضجيج السياسي» المذكور، غير أن توقيت هذه التصريحات (بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السعودية وبعد الحديث عن عودة الحرارة إلى خط «واشنطن – الرياض» كما إلى خط «واشنطن – أنقرة») قد يُكسبها خصوصيّة من نوعٍ ما. وكان الجبير قد أكد في تصريحات صحفية أن «السعودية ودولا خليجيّة أخرى أبدت استعدادها للمشاركة بقوات خاصة بجانب الولايات المتحدة الأميركية» (للقضاء على تنظيم «داعش»). ويمكن إدراج هذا التفصيل أيضاً في سياق السباق غير المعلن الذي استعر أخيراً بين السعوديّة وبين الإمارات على حجز «حصص من كعكة الشمال» عبر التأثير في مسارات «الوحدات الكرديّة» وحلفائها العشائريين من مكوّنات «قسد» («الأخبار»، العدد 3107). وتأتي هذه المؤشرات وسط تزايد الاستقطاب في الشأن الكردي لا سيما مع الحديث المتزايد عن انخراط مُحتمل لقوّات «البيشمركة» في الملف السوري.

ترى دمشق في «مسار أستانة»
ما يجعله أجدر بالاهتمام

وعلى صعيد يبدو متصلاً في جوهره بـ«المسألة الكردية» واستقطاباتها جاء قبل يومين إعلان «المقاومة السورية» تعليق نشاطها الميداني، ورغم أنّ هذا النشاط لم يحظَ بفرصة كافية لترك بصمات واضحة غير أنّ إعلان انطلاقه «رسميّاً» كان قد جاء في عز احتدام سباق السيطرة على الباب (الأخبار، العدد 3045). ولم يتطرّق بيان «التعليق» إلى معركة الباب، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى جملة أسباب من بينها «تسويف الجهات الفاعلة على الأرض». وثمّة قطعة «بازل» أخرى وفدت إلى المشهد أمس، عبر التسريبات الصحفية التي تحدثت عن «توقف مساعدات CIA للجيش الحر». ورغم أن توقف هذه المساعدات يعود إلى الشهر الماضي غير أن توقيت تسريب هذه الأنباء على أبواب «جنيف 4» لا يبدو اعتباطيّاً. ويعزّز ذلك أن إيقاف المساعدات جاء في حينها بمثابة «إشارة» تلقّفتها المجموعات المسلّحة في خضم شن «جبهة النصرة» هجمات واسعة النطاق في أرياف إدلب، فلم تخض تلك المجموعات قتالاً حتى «الرمق الأخير» خلافاً لما أُشيع (راجع الأخبار، العدد 3096). ويبدو لافتاً أيضاً ما أكدته معلومات حصلت عليها «الأخبار» عن «اجتماعات بين قادة من تنظيم «داعش» ووسيط «جهادي» من خارج التنظيم لبحث انسحاب وشيك ينفذه الأخير من مدينة الباب»، ويضع حدّاً للاستعصاء الفاضح الذي مُنيت به «درع الفرات» حتى الآن. وإذا صحّت تلك المعلومات، وتوجت المحادثات بإعلان السيطرة الكاملة على الباب فستتجاوز هذه الخطوة كونها مجرّد ورقة تُلعب على «طاولة جنيف» وتصلح واحداً من مفاتيح فهم المرحلة القادمة. بدورها، تواصل دمشق العمل في خطين متوازيين: أولهما ميدانيّ وتظهر بعض ملامحه في تعزيز القبضة على محيط دمشق وريفها، وأحدث فصوله «تسوية سرغايا». كما تتبدّى بعض ملامح المسار الميداني عبر قضم مزيد من المناطق وتحريرها من تنظيم «داعش» سواء في ريف حلب الشرقي أو في ريف حمص الشرقي ومحيط تدمر. أما الخط الثاني، فسياسي قوامه مجاراة كل التحركات التفاوضيّة لا سيّما في جنيف. في الوقت نفسه يبدو أن دمشق ترى في «مسار أستانة» ما يجعله أجدر بالاهتمام، لا سيّما أنّه يضمن التعاطي مع أطراف فاعلة على الأرض فحسب. لكنّ مصدراً دبلوماسيّاً سوريّاً يؤكد لـ«الأخبار» أنّ «الاختلاف ليس في طبيعة التعاطي السوري، فنحن نتعاطى بجديّة كافية مع كل المسارات». المصدر يعزو الاختلاف بين المسارين إلى «أسباب كثيرة أخرى، من بينها أنّ المعارضة (السياسيّة) لم تتفق حتى الآن على تمثيل موحّد لها». وتأسيساً على ذلك لا يُبدي المصدر تفاؤلاً في أن يشهد «جنيف4» اختراقاً من نوعٍ ما، لكنه يحرص في الوقت نفسه على تأكيد «التعاطي الإيجابي معه». وعلى النقيض، يرى عضو «منصة القاهرة» جهاد مقدسي أنّ حدوث اختراق ما هو أمر مرهون في الدرجة الأولى بتعاطي دمشق. يقول مقدسي لـ«الأخبار» إنّ «السلطة تبقى الطرف الأقدر على فتح النوافذ ومد اليد لتغيير المشهد، لأنها الطرف المطالَب بالانفتاح والمضي بالحل السياسي جدياً». في الوقت ذاته يبدو الدبولماسي السوري السابق حريصاً على الابتعاد عن التفاؤل أو التشاؤم، ويكتفي بالقول إنه «من الصعب توقع مجريات جنيف لأن المعلومات المتوافرة شحيحة عن الجلسة ومجريات الاجتماعات، إضافة إلى غياب منصة موسكو حتى الساعة».