اسرائيل وحزب الله.. والحرب المؤجلة

اسرائيل وحزب الله.. والحرب المؤجلة

أخبار عربية ودولية

السبت، ١١ فبراير ٢٠١٧

استهداف اسرائيل لحزب الله ضمن الاراضي السورية، لم يتوقف منذ ان اعلن الحزب عن تدخله العسكري بشكل واضح كطرف رئيسي في الحرب الى جانب النظام السوري، سواء بغارات على شاحنات تنقل اسلحة الى جبهات في الداخل السوري او إلى لبنان، أو منظومة صواريخ متطورة داخل الاراضي السورية، تعتبرها اسرائيل خطراً على امنها وعلى كيانها مستقبلاً. ولكن مع سكوت حزب الله عن الرد ما عدا مرة او مرتين على ابعد تقدير منها يوم استشهاد جهاد مغنية، جعل الامور تبدو معقدة كثيراً، لدرجة ان هناك من اعتبر بأن حزب الله والنظام السوري، هما اليوم في وضع لا يسمح لهما بالدخول لا في حرب مع اسرائيل، ولا حتى بالرد ضمن الاطر المسموح بها.

اسرائيل تجس نبض حزب الله
لدى اسرائيل هاجس ثابت اسمه حزب الله، احياناً يرتفع منسوب هذا الهاجس، واحياناً أخرى يتلاشى لفترة محددة من الزمن، ولكن المؤكد هو ان اسرائيل وحزب الله، تحولا من قوتين عسكريتين بارزتين كل في دولته ومحيطه، الى عقدة مستدامة في المنطقة يُصعب حلها في ظل التطورات والصراعات القائمة خصوصاً لجهة ما يجري اليوم في سوريا، مع العلم ان اسرائيل حاولت اكثر من مرة استفزاز الحزب من خلال توجيه ضربات تعتبرها استباقية، ضد اهداف له سواء كانت ثابتة او متحركة، ربما لجره الى حرب خاطفة تعتقد اسرائيل انه يُمكنها من خلالها الحد من قدرة الحزب المنشغل حتى اخمص قدميه في الحرب السورية، ولاعتقادها ان حزب الله أوهن من ان يذهب الى حرب واسعة معها في ظل تركيزه على جبهة أخرى تستنزفه بقادته وعناصره، ولاعتقادها ايضاً، انه في مثل هذه الحشرة، يُمكن ان تُقلّب عليه الرأي العام الشيعي أولاً واللبناني ثانياً، خصوصاً بعد الخسائر الكبيرة التي تلقاها والتي يُحكى بأنها ناهزت الألفي عنصر.

وضمن سياق الاستفزاز المتكرر، ذكرت تقارير امنية اسرائيلية مطلع الاسبوع المنصرم، أن حزب الله لا يزال يشكل أكبر تهديد على إسرائيل، تليه إيران ثم حركة حماس. وقد تزامن هذا التقرير مع سقوط طائرة إسرائيلية من دون طيار فوق الاراضي اللبنانية، في منطقة الجنوب اللبناني، حيث استولى عليها حزب الله ونقلها الى مكان مجهول، لمعرفة المزيد من التفاصيل حول مهمتها ونوعيتها والصور  التي التقطتها. وقد سألت مصادر سياسية وعسكرية، عما اذا كان مثل هذا الحادث وغيره من التطورات مؤشراً الى احتمال قيام اسرائيل بشن هجوم على الحزب خلال هذا العام؟

هل يردع تطور حزب الله اسرائيل؟
من المؤكد ان تل ابيب لم تزل حتى اليوم تعاني من النكسات التي خلفتها لها حرب تموز في العام 2006، ولذلك هي تُصر على اكتشاف مكامن الأخطاء التي ارتكبتها في السياسة والعسكر من اجل تجنبها في حال حصول اي معركة مع حزب الله. لكن ثمة اعتقاداً حالياً ان الاجواء السياسية الملبدة في المنطقة اضافة الى ازمة وصول الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى سدة الحكم وما استتبع هذا الوصول من ازمات لا زالت تتفاعل بشكل كبير ليس آخرها اعلانه نيته بترحيل الاجانب من بلاده، جميعها عوامل تجعل من تجدد هذا النزاع بين اسرائيل وحزب الله، أمراً مستبعداً، خصوصاً وان تل ابيب لا يمكن ان تدخل في حرب دون دعم أميركا التي يبدو ان موقفها من خطوة كهذه، هو ضبابي الى حد كبير.

ومن ناحية أخرى يرى خبراء عسكريون ان قدرة حزب الله العسكرية التي اكتسبها في الحرب السورية، وترسانة السلاح التي يمتلكها، ابتداء من مجموعة كبيرة من الصواريخ وأسلحة مضادة للطائرات وتكنولوجيا متقدمة شملت استعمال طائرات من دون طيار، هي أسباب جوهرية تحول دون احتمال قيام اسرائيل بحرب على حزب الله في لبنان. وايضاً من جملة الاسباب ايضاً التي تجعل تل ابيب تتردد في شن هجومها هو القدرة الصاروخية للحزب لضرب العمق الاسرائيلي وتدمير مدنه واقتصاده وإيقاع عدد كبير من الاصابات. ويُضاف الى ذلك، ان قوات النخبة في لواء الرضوان، الذين يُنظر إليهم كأشد المحاربين داخل الاراضي السورية والذين لعبوا دوراً أساسياً في معركة حلب، اكتسبوا خبرة واسعة في العمليات الهجومية هناك، ما يشكل عقبة جديدة أمام الاسرائيليين تجعلهم يفكرون أكثر قبل الاقدام على أيّ عمل متهور ممكن أن يؤجج أكثر من الحرب المشتعلة في المنطقة.

والعامل الاكثر قوة بالنسبة الى حزب الله، هو قوّة الردع السرية الّتي يتمتع بها لكن من دون ان يكشف عنها حتى الساعة، وتُعتبر هذه القوة من أهم العوامل التي تجعل اسرائيل مترددة في ضرب الجنوب اللبناني، لا سيما وان الحزب اثبت قدرته في الرد علي أي اعتداء، يضاف اليها اليوم غياب الظروف الإقليمية الملائمة لأي عمل عسكري كبير محتمل.

تقارير اسرائيلية تحدد قدرة حزب الله
في جديد التسريبات الخاصة بالتقارير التقييمية التي تُعدها القيادة العسكرية الإسرائيلية بشكل دوري لتحديد مدى جهوزية الجيش الإسرائيلي في أي حرب مقبلة، انطلاقًا من نتائج معارك سابقة مختلفة، لعل أبرزها حربيّ 2006 و2014 على كل من لبنان وغزة على التوالي، أن إسرائيل تعاني من ثغرات أمنية كبيرة ما يستوجب العمل على معالجتها من جهة، والعمل على تغيير أسلوب قتال الجيش الإسرائيلي في أي معركة مُستقبلية من جهة أخرى.
وفي هذا السياق، بينت التقارير العسكرية والاستخباريّة المسربة، أن إسرائيل تواجه مخاطر كبرى في أي مواجهة في المستقبل، ان مع حزب الله أو مع الفلسطينيين في غزة، ما لم يكن مع الإثنين معاً، وربما مع مجموعات قتالية مُستحدثة في الجولان السوري المحتل. وأظهرت هذه التقارير أن أبرز هذه المخاطر تتمثّل بمشكلة الأنفاق التي تمتد أسفل خطوط التماس بين الجيش الإسرائيلي والقُوى التي تُقاتله، الى عمق عدد كبير من المُستوطنات، وعدم صحة نظرية أن الصواريخ ستصدأ في مخابئها، حيث برهنت التجارب السابقة جُهوزية عالية لضرب اسرائيل من لبنان وغزة لفترة زمنية طويلة من دون نُضوب المخزون، وتطور القدرات الدفاعية للمقاتلين الفلسطينيين، وخصوصاً لمقاتلي حزب الله الذين باتوا يمتلكون كمية كبيرة من صواريخ ياخونت القادرة على ضرب البوارج والزوارق الحربية الإسرائيلية في البحر، والذين طوروا دفاعات أرض – جو بعيداً عن الاعلام.
أما ابرز العقد التي يُمكن أن تواجهها اسرائيل في حال دخولها في حرب مع حزب الله، هي التحضيرات الجدية التي يُنجزها حزب الله بهدف نقل جزء من المعركة إلى خلف الخطوط الحدودية القائمة، عبر شن هجوم كبير ومفاجئ في إتجاه الجليل عند بداية أي معركة، ولو للتوغّل لبضع مئات من الأمتار، بالإضافة لأي احتمال فتح جبهة الجولان هذه المرة، كون هناك معلومات شبه مؤكدة، ان الحزب ومنذ اغتيال جهاد مغنية وقيادي آخر وضابط عسكري رفيع من الحرس الثوري الايراني، قد قام بتجهيز هذه الجبهة وأعدها بشكل شبه كامل، استعداداً لاي معركة مقبلة.

لماذا نمنح نصر الله الشعور بالنصر؟
معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي برئاسة عاموس يادلين، قدم منذ ايام تقريراً للرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، يندرج ضمن التقييم السنوي لإسرائيل لعام 2017، في شأن التهديدات التي تواجهها، مع توصيات لتنفيذ السياسة العامة لصانعي القرار، وقد حدد التقرير ثلاثة تحديات رئيسية هي: القدرات النووية للبلدان التي تسعى لتدمير اسرائيل، تشكيل واقع الدولة الواحدة وتآكل مكانة اسرائيل في العالم. وسيُعرض التقرير في غضون أسبوعين على وزير الدفاع، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي وغيرهما من كبار المسؤولين. ولأن حزب الله يمتلك صواريخ يمكن أن تصل إلى أي مدى وموجهة بدقة، ويستطيع تنفيذ هجمات انتحارية عبر طائرات بدون طيار، إضافة إلى استحواذه على أفضل أنظمة الدفاع الجوي روسية الصنع والوحدات البرية التي يتم تدريبها للتغلب على البلدات والمدن الإسرائيلية، يوصى المعهد بتحسين جمع المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية في محاولة لمواصلة خفض نقل الأسلحة المتطورة إلى الحزب من اجل التقليل من فرص حدوث تصعيد. وقد اعلن يادلين عن قلق حقيقي نتيجة بقاء إيران وحزب الله في سوريا بعد مرحلة تخفيض الوجود الروسي، ما سيشكل مصدر قلق دائم للدولة العبرية التي يجب برأيه ان تستمر في استخدام العمليات الاستباقية، مثل الهجمات التي لا يُعلن عنها رسمياً على مستودعات الأسلحة السورية وعلى قوافل شاحنات الأسلحة المتطورة عبر الحدود اللبنانية، التي من المفترض أن يتم تسليمها إلى حزب الله. ويختم تقريره بالقول: إن الأمين العام لحزب الله  السيد حسن نصر الله يتحدث كل أسبوع تقريباً عن اليوم الذي سيقهر فيه إسرائيل، إذاً، فلماذا الانتظار؟ ولماذا نعطيه الشعور بأنه قوي بما فيه الكفاية ليهزمنا؟

الجيش الإسرائيلي على مسارين
ضمن إطار الهواجس الإسرائيلية المعطوفة على التجهيزات الدائمة وعدم الاكتفاء بالموجود، يأتي ما كشف عنه موقع يديعوت أحرونوت الإلكتروني عن تدريبات لجيش العدو على مسارين هجومي ودفاعي. يحاول المسار الهجومي التعامل مع الأنفاق المفترضة لدى حزب الله، فيما يهدف المسار الدفاعي الى مواجهة توغل قوات من الحزب الى الجليل. وكشف الموقع عن عنصرين أساسيين يميزان استعداد جيش العدو الإسرائيلي لحرب لبنان الثالثة: اعداد قوات خاصة لمناورة برية لمواجهة سرايا حزب الله التي ستعمل على اقتحام الأراضي الإسرائيلية، الى جانب تحقيق اختراق على مستوى الوعي وتطوير استعدادات ألوية الجيش لتحييد أنفاق حزب الله القتالية، بصورة ناجعة وممأسسة، كجزء من نظرية قتال وأساليب عمل. ومن الواضح أن من أهداف هذه التدريبات أيضاً، تغيير مفهوم قادة الكتائب والألوية وآلاف المقاتلين، بشكل جذري للمعركة المقبلة. وضمن هذه الرؤية يسود التقدير في الجيش الإسرائيلي بأن سرايا الرضوان في حزب الله، ستخترق الأراضي الإسرائيلية في المراحل الأولى من الحرب المقبلة بصورة مفاجئة ومنسقة، وستحاول بسرعة تحديد صورة النصر في المعركة. ووفي هذا السياق، عرض موقع يديعوت بعض السيناريوات المفترضة التي تعكس تغييراً جذرياً في النظرية القتالية لجيش العدو إزاء حزب الله.

حرب التحليلات
يبدو ان التحليلات السياسية والعسكرية، هي التي تتسيّد الساحة الاسرائيلية لدرجة تبدو فيها اسرائيل عاجزة عن تطبيق شيء اسمه المنطق. وعلى هذه القاعدة، يُلفت محللون اسرائيليون الى ان حكومتهم تنطلق في مناورات جيشها لمواجهة السيناريوهات المحتملة، من قناعتها بأن الحرب المقبلة مع حزب الله ستكون مختلفة عن الحروب الماضية، وبخاصة حرب العام 2006، وينقل موقع واللاه العبري، عن ضباط اسرائيليين كبار قولهم إن حزب الله لم يعد مجرد منظمة ارهابية. بل ان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق، قائد المنطقة الشمالية الحالي افيف كوخافي أزال أخرج من قاموسه وصف حزب الله بأنه منظمة ارهابية، وبات يصفه بأنه منظمة شبيهة بالجيوش، وهو قال ان منظمة تملك مثل هذه القدرات القتالية والعسكرية وبخاصة الصاروخية التي يملكها حزب الله، وهي قدرات تشكل تهديداً حقيقياً لاسرائيل، لا يمكن وصفها بمنظمة، بل هو جيش بكل ما للكلمة من معنى.

ترسانة حزب الله
أما في ما يتعلق بترسانة حزب الله الصاروخية فتشير التقارير الى أنّها كانت في العام 2006 تتراوح بين 12000 و14000صاروخ فيما يمكن تقدير عددها حالياً ما بين 120000 و130000. وعن مدى الصواريخ ترصد التقارير أنه في العام 2006 كانت هذه الصواريخ قادرة على تخطي مسافة 100 كيلومتر وصولاً إلى حيفا، أما اليوم فبإمكانها الوصول لمسافة 400 كلم أي إلى إيلات. وتشير أيضاً الى أنه في العام 2006 كان الحزب يمتلك عدداً محدوداً من الطائرات دون طيار، أما اليوم فيصل عددها للمئات، كما أنه كان يمتلك صواريخ C-802 صينية أرض – بحر والتي استهدف بها سلاحها البحري عام 2006، أما اليوم فيمتلك سلاحاً اكثر تطوراً ودقة وأبعد مدى وهي صواريخ ياخونت بحر – بحر الروسية التي يبلغ مداها 200 كلم.
وبالنسبة للصواريخ المضادة للدبابات فقد فتُثبت المعلومات أنها ارتفعت من المئات 2006 إلى الآلاف حالياً، وهي من طراز ساغر، وصواريخ فاغوت وميلان وكورنيت. وأخيراً وبالنسبة لمنظومة الدفاع الجوي أشار تقرير اسرائيلي استخباراتي، الى أنها كانت عام 2006 قديمة الطراز، أما اليوم فيمتلك حزب الله ترسانة صواريخ روسية من طراز <SA-22>.