الدور التركي في الحرب السورية … تحوّلات لا تشبه البداية

الدور التركي في الحرب السورية … تحوّلات لا تشبه البداية

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٢٦ ديسمبر ٢٠١٦

تقترب نهاية 2016 ومعها تشارف الحرب السورية على سنتها السادسة مخلّفة وراءها نحو نصف المليون قتيل من المتحاربين والمدنيين وأكثر منهم من الجرحى، وملايين المهجرين داخل سورية وخارجها وأضراراً مادية تفوق الـ 250 مليار دولار.

اقتربت سورية من ان تكون السبب بحرب عالمية ثالثة بين الولايات المتحدة وروسيا من خلال أدواتهما وأداء حلفائهما على أرض المعركة. وبرزتْ فيها التنظيمات الارهابية مثل تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) والقاعدة (فتح الشام – النصرة)، واندمجتْ فصائل وأُخرجت أخرى من الساحة السورية على الرغم من إنفاق مئات الملايين من الدولارات بتدريبات وسلاح وعتاد، لتتغير التحالفات ويبقى الصراع سيّد الموقف. وانتشرت العمليات الى خارج حدود سورية لتضرب الاردن ولبنان وتركيا والدول الاقليمية والدولية. وتَوزّعت الأدوار، واللاعبون تغيّروا ليُحدِثوا تغييراً راديكالياً في مجرى الأحداث والحرب، فينتقل وضع سورية من تقسيم حتمي الى وضعٍ آخر مغاير سببه معادلات جديدة.

الدور التركي
كان ولا يزال لتركيا الدور الأكبر. وكان لتدخّلها الأثر المهمّ في تغيير مجريات الأمور في شكل جذري سياسياً وعسكرياً على أرض المعركة، لتنتج معادلات جديدة وتحالفات متعددة حتى مع أشدّ خصوم الأمس.

تَدخُّل تركيا في الحرب السورية حصل منذ ايامها الاولى – اي قبل خمسة أعوام ونصف العام – وكان هدف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ليس فقط رؤية الرئيس السوري بشار الاسد خارج سدة الحكم، بل ايضاً ايجاد «حزام امني على طول الحدود الشمالية». حتى انه ذهب الى وضْع عيْنه على مدينة حلب بإرساله في يوليو 2012 حلفاء له من المعارضة السورية من الأرياف الحلبية لتدخل المدينة التي بقيت خارج «الربيع السوري» لانها كانت تمثّل الثقل السني الاقتصادي – الصناعي الذي كان يتمتع بسلطة قوية يشارك فيها من خلال كون حلب «بيضة القبان» الاقتصادية في سورية مع أختها دمشق. وفتحت تركيا حدودها لإدخال كل مَن يريد الالتحاق بالمعارضين، سواء المعتدل منهم أو المتطرّفين بعلم وموافقة الدول الغربية (فرنسا، اميركا، بريطانيا…) ليشكل المقاتلون «الجهاديون» تحديداً خطراً حقيقياً لاحقاً على دولهم وبالأخص على تركيا التي سمحتْ بمرورهم.

وطلب «داعش» من كل الذين يريدون الالتحاق به ان يبقى قسم منهم في تركيا لينشئوا نواةً مستقبلية من الممكن الاستفادة منها.

وتنبأ العالم بسقوط الأسد بعد 3 أشهر، 6 أشهر، سنة، الى ان بدأ الوضع ضبابياً وسط مقاومة الجيش السوري – على الرغم من انشقاقات كبيرة حصلت داخل صفوفه على كل المستويات والرتب والعتاد الذي رافق المنشقين – الى ان حوصر داخل بقع أمنية في المدن الرئيسية ليطلب نجدة الحلفاء.

وصرّح وقتها مدير الاستخبارات الفرنسية، وتبعه زميله في الاستخبارات البريطانية أن «خريطة الشرق الأوسط لن تعود ابداً كما كانت»، ليتضح اليوم أن كل التوقّعات أخطأت أهدافها، بل كانت تمنيات أكثر مما هي قراءة في الواقع. وهذا ما حصل تماماً مع الرئيس أردوغان.

وكذلك أنشأتْ تركيا تحالفات قوية على الساحة السورية مع «أحرار الشام «(15 – 20 ألف مقاتل) ونور الدين زنكي (3000 مقاتل) والسلطان مراد (2000 مقاتل) وغيرهم ممّن سمّتهم لاحقاً «درع الفرات». وكانت لها علاقات طيبة مع كل التنظيمات الجهادية والمعتدلة في سورية بحكم كونها المعبر الرئيسي للجميع.

وساهمتْ تركيا بشكل فعال في سقوط مدينة كسب واحتلال المعارضين للتلال المحيطة بمحافظة اللاذقية. كذلك كان لها دور أساسي في سيطرة هؤلاء على مدينة إدلب.

ودعمتْ أنقرة سيطرة المعارضة على أجزاء كبيرة من حلب وكان لها دور فاعل، الى أن دخلت إيران على خطّ المعركة مع حلفائها.

* دخول إيران قلب الميزان لمصلحة الأسد وتدخّلت روسيا لتعيد التوازن من جديد الى أرض المعركة.

فدخول إيران قلب الميزان قليلاً لمصلحة الرئيس الأسد، إلا أن الدعم الإقليمي المستمرّ والتركي خصوصاً مدعوماً من الولايات المتحدة، حقق مكاسب مهمة في محيط دمشق والقلمون ومناطق أخرى مع اتجاه النظام للتراجع داخل المدن الرئيسية لحمايتها. وهنا تدخّلت روسيا لتخرب على الجميع مشاريعهم وأمنياتهم، ولتعيد التوازن من جديد الى أرض المعركة

وهنا تدخّلت روسيا لتخرب على الجميع مشاريعهم وأمنياتهم، ولتعيد التوازن من جديد الى أرض المعركة بهدف فرض حل مبدئي يقضي بالجلوس على طاولة المفاوضات والاعتراف بدور الأسد بعدما كان مهمَّشاً، يطلب الجميع منه التنحي من دون شروط.

وأسقطت تركيا السوخوي 24 ومعها تغيّرت كل اللعبة السورية. ومع الطائرة سقطت ورقة تقسيم سورية وسقط التوازن، فكانت نقطة تحول كلي في تاريخ الحرب السورية، اذ أدخلتْ روسيا قوتها العسكرية ورمت بثقلها السياسي لتفرض انتصاراً للأسد بعدما كان التوازن مقبولاً.

وأتتْ الحادث المفصلية الثانية: محاولة الانقلاب الفاشلة ضد أردوغان وما تَكشّف من عملية دعمٍ استخباراتية قدّمتها موسكو بمواجهة هذه العملية للرئيس التركي الذي اتّهم ضمناً أميركا بالوقوف خلف الانقلاب، فأدارتْ تركيا محرّكاتها نحو روسيا.

وتَسبب التوافق التركي – الروسي – الإيراني بعزل أميركا خارج أي اتفاق الى حين وصول الإدارة الأميركية الجديدة. وقد سمح هذا التوافق بسقوط حلب كلها بيد النظام السوري وحلفائه ومنْع تقسيم الشمال السوري.

وباركتْ روسيا دخول تركيا الى أرض المعركة، فاحتلّت منبج ودابق ووصلت الى أبواب مدينة الباب، وعندها أوقفتها روسيا من جديد لعدم حصول توافق تام على كل الخطوات المستقبلية بين الأطراف الثلاثة الأساسيين في سورية. وضُربت قوات تركية على أبواب مدينة الباب لعدم تنسيقها مع روسيا في ما يتعلق بدخول المدينة. فكان اللقاء الإستراتيجي بين وزراء خارجية ودفاع روسيا وإيران وتركيا في موسكو لرسْم خريطة طريق 2017 الإستراتيجية في سورية وتوزيع المهمات والتنسيق في ما بينهم.

تتقدّم اليوم قواتٌ تركية الى «الباب». وما يحصل اليوم هو اختبار لقوة «داعش» داخل المدينة، ومن المتوقع ان تدخل وتسيطر قوات «درع الفرات» (المؤلفة من قوات سورية وتركية) على «الباب» وتتقدّم باتجاه الرقة.

وبعد عرض «داعش» لوحشية حرق الجنود الأتراك المحتجزين لديها، لم يعد لأردوغان أي عودة الى الوراء لدعم «داعش» بل ان القضاء على هذا التنظيم أصبح احدى الأولويات التركية.

إلا أن التوافق الروسي – التركي – الإيراني، إذا استمرّ على نفس الوتيرة، فإن داعش بات تفصيلاً ثانوياً بالمقارنة مع خطر جهاديين يعملون اليوم مع المعارضة المسلّحة.

فقد تخلّت تركيا عن حلب، على رغم دعمها لـ «فتح الشام»، لينتهي ملف حلب العزيز على روسيا. إلا أن المسألة أعمق من ذلك أيضاً. فعلى الرغم من الدعم التركي لـ «فتح الشام» فإن هذه لم تقدّم الطاعة للرئيس أردوغان، بل ذهبتْ أبعد من ذلك حتى ولو أن الدعم العسكري والأمني والطبي يأتي عبر الحدود السورية.

نعم، أعلنتْ تركيا أن «النصرة أو فتح الشام» موجودة على لائحة الإرهاب. إلا أنها لم تفعّل يوماً هذا القرار، بل ساهمتْ بتغيير اسم «جبهة النصرة» الى «فتح الشام» وباركتْ انضمامها الى «جيش الفتح» الذي يضمّ مجموعات مختلفة.

إلا أن «النصرة» وقفت بوجه تركيا عندما رفضتْ المنطقة الآمنة «لأنه لا يصب في مصلحة الجهاد»، وانسحبت من المواقع الشمالية. وكانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير عندما أعلنت تحريم الاستعانة بالجيش التركي ودعم عملية «درع الفرات».

هذا يعني أن الفصائل المدعومة من تركيا لن تقبل ابداً بالاندماج مع «الفتح» لأن هذا التنظيم سيكون مستهدفاً في الأشهر المقبلة في سورية. وهذا أيضاً يتبلور من الموافقة التركية مع روسيا على إعلان الحرب المقبلة على «النصرة» وعلى «داعش» بالتوافق مع إيران.

إذاً، تركيا أحد أهمّ اللاعبين على الساحة السورية، دخلتْ المعركة بنفسها لتتغيّر قواعد اللعبة والتحالفات.

ومن المتوقّع ان تنشأ – بدل الاندماج – خلافات حادة بين الفصائل الموجودة في مدينة إدلب لإفساح المجال أمام تسويات سياسية لتجنيب إدلب ان تكون مسرح عمليات عسكرية دموية على غرار مدينة حلب.

وتركيا، التي دخلت المستنقع السوري وخسرت في أسبوع أكثر بكثير مما خسرته روسيا في عام ونصف العام من وجودها في سورية، تبقى من أهمّ اللاعبين الذين يعلمون حسب المعطيات المتوافرة لديها اليوم أن التحالف مع المشروع الأميركي في ظل الرئيس أوباما في السلطة (أو ما تبقى له) خطوة فاشلة لا أفق لها، بينما التحالف مع روسيا يسمح لأنقرة بالبقاء كلاعب أساسي في سورية يجب التفاوض مع مسؤوليه يوم تضع الحرب أوزارها.