الشمال السوري.. وليس الجنوب التركي

الشمال السوري.. وليس الجنوب التركي

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٨ ديسمبر ٢٠١٦

منذ خمس سنوات أطلق الأتراك مشروعهم التوسعي الإمبراطوري لاستعمار سورية عبر إسقاط الرئيس الأسد وتسليم الحكم لـ"جماعة الإخوان المسلمين"؛ كما حصل في مصر، لكن في الميدان السوري كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتطلع لاحتلال العاصمة السورية الثانية حلب؛ خزان الصناعة السورية، والتي تنافس الصناعة التركية، ولوضع اليد عبر "داعش" و"النصرة" على النفط السوري، لسلب سورية الصناعة والنفط وحقول الزراعة في دير الزور وإدلب وغيرها.

تصرّف الأتراك على أساس أن شمال سورية صار بالمصطلح السياسي والميداني "جنوب تركيا"، ومهّدوا لذلك بطرح إقامة المناطق الآمنة، وأبقوا اليد العاملة لديهم عبر مخيمات اللاجئين التي بُنيت قبل التهجير.

الشمال السوري محطّ أنظار القوى التي رعت الجماعات التكفيرية في سورية، ولكل هدفه؛ فالأتراك يريدون التمدد، والأكراد يريدون إقامة الحكم الذاتي، مقدمة لإقامة كردستان الكبرى، والأميركيون عبر السعودية وقطر يريدون إبقاء منطقة آمنة في الرقة والموصل، لسد الطريق الممتد من إيران إلى لبنان، ولإبقاء الاستنزاف الدائم والقتل والتخريب في دولتي العراق وسورية، ومن ورائهما إيران والمقاومة في لبنان، بسبب تموضعهما في محور المقاومة، ولأن الشعبين العراقي والسوري يمثلان الخزان البشري الاحتياطي لقوى المقاومة، ويهددان أعداء المقاومة على الجبهتين "الإسرائيلية" في الجنوب (الجولان)، وعلى حلف العدو "الإسرائيلي" في تركيا والخليج.

الشمال السوري عبر بوابة حلب يفجّر المشروع الأميركي - التركي - الخليجي لتدمير سورية وإسقاط النظام.. وسيكون أول حجر يسقط في الدومينو التكفيري، لتتبعه إدلب؛ مخزن تجمُّع المسلحين من كل سورية، والتي ستنفجر من داخلها، حيث لن يتعايش المسلحون السوريون مع المسلحين الأجانب، ولن تتفق أكثر من خمسين جماعة مسلحة مع بعضها البعض في إدارة إدلب، وسيكون في إدلب "المهاجرون والأنصار التكفيريون"، الذين لن تكفيهم موارد إدلب وغنائمها، خصوصاً بعد أن يبدأ حصار الجيش السوري وحلفائه لمنطقة إدلب بعد تحرير حلب.

الشمال السوري يقلب المعادلة ويتكامل مع تحرير الموصل وانتصارات اليمن، لرسم ثلاثية مقاومة المشروع الأميركي - الوهابي الذي بدأ بالسقوط بعد حوالى ست سنوات من القتل والتدمير ونهب الثروات، وأول الغيث تراجُع السعودية عن مواقفها، وموافقتها مرغمة على تخفيض إنتاج النفط، أي تنازلها عن السلاح الذي أشهرته بوجه روسيا وإيران، فأصابها في نحرها الاقتصادي والمعنوي.

بعد تحرير حلب ستكون الأزمة السورية قد عادت إلى مربّعها الأول عام 2012؛ عند سقوط جزء من حلب، لكن مع تغيير جوهري على المستوى الميداني وعلى المستوى السياسي، فميدانياً: لم تعد سورية مستفرَدة ووحيدة بين الذئاب من كل العالم، فمعها المقاومة اللبنانية وإيران وروسيا والعراق، مقابل تشرذُم وتشتُّت المعسكر المضاد وضعفه، وظهور التعب واليأس على مواقفه التي ما أن يطلقها حتى يتراجع عنها تحت الضغط الميداني أو الروسي؛ كما يحصل مع "الإمبراطور" أردوغان.

الشمال السوري الوطني سيتكامل مع الجنوب السوري الوطني، فكما ستقفل البوابة التركية (حليف "إسرائيل" وعضو الناتو) بعد تحرير حلب، ستُقفل البوابة "الإسرائيلية" في الجنوب بعد تحرير درعا.

البوابات السورية ستبدأ بالإقفال لمنع التكفيريين من التسلل إلى الداخل السوري، وستبدأ عملية الإعمار بعد استيعاب التائبين من المسلحين وفرزهم عن التكفيريين الأجانب.

ستتكرر تجربة "الأفغان العرب" في أفغانستان، وسيكون في سورية "العرب الأفغان" الذين ستضيق بهم مناطق الأمان في سورية، وسيبدأ مَن أرسلهم بتصفيتهم حتى لا يعودوا إلى حيث كانوا، كي لا تبدأ العمليات الإرهابية في أوروبا والخليج.

تحرير حلب يمثّل التحول المفصلي في الحرب على سورية، بعد التحول المفصلي الأول في القصير، الذي أقفل البوابة اللبنانية أمام التكفيريين، وحلب ستقفل البوابة التركية أمامهم، بانتظار إقفال بوابة درعا والجولان السوري..

لكن يبقى الخطر في بوابة شبعا اللبنانية، على تخوم العدو الصهيوني، والتي يمكن أن يتواطأ البعض في لبنان لفتحها أمام المسلحين.