سرت الليبية تتحرّر من «داعش».. ماذا بعدها؟

سرت الليبية تتحرّر من «داعش».. ماذا بعدها؟

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٦ ديسمبر ٢٠١٦

يوشك تنظيمُ «داعش» أن يخسر المعقل الاكثر أهمية له خارج سوريا والعراق، بعدما أعلنت قوات حكومة «الوفاق» الليبية أمس أن مدينة سرت التي سيطر عليها التنظيم في حزيران 2015، أصبحت «تحت سيطرتها الكاملة».
وبغض النظر عن تضارب الانباء بشأن انتهاء العملية، أو ما إذا كان مسلحو «داعش» لا يزالون يتحصنون داخل عدد من الأبنية في آخر أحيائها غير «المطهرة» بعد، حي الجيزة، الذي خرجت منه ثلاث انتحاريات أمس فقط مع خمسة انتحاريين آخرين، فإن الإنجاز الذي تطلب أشهراً طويلة، فتح تساؤلات عديدة على الصعيد الداخلي الليبي، والخارجي المتصل بالمعركتين في الرقة والموصل والمدة التي ستُستغرق لحسمهما، علماً أنه لا أجوبة وافية بعد عن حجم المسلحين الذين تمكنوا من مغادرة المدينة الساحلية الليبية أو وجهتهم، أو عدد قتلى التنظيم، فيما يبقى الرهان الليبي على عدم استثمار «ميليشيا مسلحة» لـ«إنجاز» قد يزيد من حجم الفوضى في الساحة الداخلية.
وبرز هذا الخوف منذ أمس عندما أعلنت قوات «البنيان المرصوص» بلسان مسؤول عسكري لوكالة «اسوشيتيد برس» أنها ستؤجل إعلان «التحرير» حتى «يعرف من سيدير سرت، ويحميها، وكيف ستكون الآلية لذلك».
والواقع أن وهجَ معركة سرت لتحريرها من قبضة «داعش»، التي أطلقتها حكومة «الوفاق» الليبية في 12 أيار الماضي بعد وقت قصير من عودتها إلى طرابلس، خَفت كثيراً، بعدما فشلت قوات «البنيان المرصوص» التي تقوم أساساً على مسلحين من مدينة مصراتة المجاورة، في تحرير معقل التنظيم المطل على «المتوسط» خلال فترة وجيزة كما كان مقرراً. وإذ تعتبر مصراتة عاملاً أساسياً لـ «المصالحة» الليبية، فهو يهدد ضعف حكومة «الوفاق» الذي تجلى خلال الأشهر الماضية، ليصل قمته الأسبوع الماضي بعد اندلاع اشتباكات دموية في طرابلس بين ميليشيات تابعة لها وميليشيات مناوئة، باستمرار استثمار التنظيم المتطرف للفوضى، ولو على شكل تفعيل خلايا نائمة، علماً أنه موجود في بنغازي، كما أن بإمكان جزء من عناصره العودة للانضمام إلى جماعة «انصار الشريعة» المرتبطة بـ «القاعدة». وتقدر الأجهزة الاستخبارية إمكانية توجهه إلى سبها في الجنوب، لكن رفض القبائل له سيجبره على التشتت.
وأعلنت القوات الليبية الموالية لحكومة الوفاق الوطني، أمس، «فرض السيطرة الكاملة» على مدينة سرت على الساحل الليبي. وسببت المعارك لاستعادة المدينة التي اتخذ منها «الجهاديون» معقلاً وحاولوا التمدد خارجها، مقتل 700 شخص وإصابة ثلاثة آلاف آخرين بجروح في صفوف القوات الحكومية، ومقتل عدد غير معروف من مقاتلي التنظيم المتطرف.
وقال المتحدث باسم هذه القوات رضا عيسى «قواتنا تفرض سيطرتها بالكامل على سرت»، و «شهدنا عملية انهيار تام للدواعش». وأكد أنه «سيعلن التحرير بعد القضاء على آخر الفلول ومن المتوقع أن يكون خلال الساعات المقبلة».
ومنذ نهاية تشرين الاول الماضي، كانت القوات الحكومية تحاصر عناصر تنظيم الدولة الاسلامية في رقعة صغيرة في المدينة.
وبدأت الولايات المتحدة حملة قصف في آب بطلب من حكومة «الوفاق» لمساعدة قواتها في استعادة السيطرة على المدينة، وشنّت غارات محددة الاهداف تم خلالها استهداف قيادات في التنظيم الإرهابي. كما شاركت بريطانيا وايطاليا وفرنسا بتقديم الدعم الاستشاري العسكري لقوات «البنيان المرصوص»، الذي تم نقل جرحاه إلى روما. وقدرت واشنطن، التي سحبت سفينتها الحربية «يو اس اس واسب» من المنطقة الشهر الماضي بعدما نفذت أكثر من 40 ضربة جوية ومن طائرات من دون طيار، عدد مقاتلي «داعش» داخل سرت بنحو ستة آلاف مقاتل، لكن التحليل الذي تلى العملية رجح أن لا يكون العدد قد تجاوز الثلاثة آلاف، فيما تقول «البنيان المرصوص» إن عددهم بحدود الـ2500.
ويقول الخبير في الشأن الليبي ماتيو توالدو لـ «السفير» إن ثلاثة أسئلة تطرح نفسها بعد تحرير سرت، الأول يتعلق بمدى قدرة «داعش» على السيطرة على منطقة اخرى من ليبيا لا تزال خارج سيطرة الحكومة، أو تحوله إلى نشاط يشبه النشاط المتعارف عليه للمنظمات الإرهابية، عبر تنفيذ عمليات انتحارية خصوصاً في طرابلس، عوضاً عن شعار الدولة الذي كان ينفذه في سرت، علماً أن معظم عناصره هم من غير الليبيين، وخصوصاً من التونسيين والسعوديين، وعلماً أنه يفتقر إلى التمويل الذي توفر له في العراق وسوريا. أما السؤال الثاني فهو هل ستتوجه قوات مصراتة لمقاتلة قوات خليفة حفتر في الشرق، التي لم يعد يفصلها عنها أي حاجز، وأخيراً كيف بإمكان حكومة الوفاق أن تستثمر إنجاز سرت بعد، فيما هي تفقد صدقيتها بعد انهيار العملة والوضع الاقتصادي الليبي المنهار والمعارك التي تندلع في طرابلس؟