نهاية فرنسوا هولاند: من رئيس إلى خيبة أمل

نهاية فرنسوا هولاند: من رئيس إلى خيبة أمل

أخبار عربية ودولية

السبت، ٣ ديسمبر ٢٠١٦

الحدث السياسي الأبرز في فرنسا اليوم هو السابقة التي قام بها فرنسوا هولاند بإعلانه عدم الترشح لولاية ثانية. وعلى الرغم من أن خياره منطقي، لكنه رغم ذلك قد لا ينقذ اليسار الذي باتت حظوظه بتخطي مرشحي اليمين واليمين المتطرف في عام 2017 ضعيفة
لم يملك فرنسوا هولاند خياراً آخر سوى عدم الترشح لولاية ثانية، فالرئيس الذي أراد أن يكون «طبيعياً» هاهو الآن يدخل التاريخ كما أراد، ولكن ليس كما خطط. إنها المرة الأولى في تاريخ الجمهورية الخامسة (منذ عام 1958) في فرنسا التي يتخلى فيها رئيس عن الترشح لولاية ثانية، حاملاً في رصيده حروباً خارجية وإخفاقات داخلية.

وبعد أشهر من التكهنات حول قراره المقبل، حسم هولاند مساء أول من أمس، من قصر الإيليزيه، الأمر، قائلاً إنه لن يترشح لولاية جديدة لعام 2017، لأنه يريد تجنيب اليسار الهزيمة في مواجهة اليمين واليمين المتطرف، فيما هو متهم بأنه ساهم في تراجع شعبية اليسار وتشتيته إلى حد كبير نتيجة سياسات عهده، بعدما تمكن عام 2012 من التربع على عرش السلطة.
وأشارت معظم الصحف الفرنسية الصادرة أمس إلى تلك السياسات ونتائجها التي لا تشبه أبداً ما وعد به. وفي افتتاحية «لوموند» المعنونة «فرنسوا هولاند: الإقرار بالفشل»، تحدثت الصحيفة عن أن إعلان هولاند ما هو إلا إقرار بفشل ثلاثي، «فشل شخصي، اقتصادي ــ اجتماعي وأخيراً سياسي». وعلى الرغم من الإخفاقات «الاقتصادية أولاً والاجتماعية تالياً» وفق تعبير «لوموند»، إلا أنّ هولاند الذي استهل خطابه بوضع جردة لعهده، ركّز على التقدم الذي يرى أنه ساهم في إحرازه، ومن بينه المساعدة على إيجاد فرص عمل والاتفاق العالمي بشأن المناخ. ورأى أن الخطأ الوحيد كان عدم مرور اقتراحه بإسقاط الجنسية عن مزدوجي الجنسية الضالعين في أعمال إرهابية.
إلا أنه على الصعيد الاقتصادي اعتمد سياسات ليبرالية، واعتُبر عهده «نسخة منمقة» من عهد سلفه نيكولا ساركوزي الذي أصبح أيضاً خارج الحياة السياسية بعد هزيمته في الانتخابات التمهيدية لليمين. ويرى الأكاديمي الفرنسي ريمي لوفيبفر، أن تيار هولاند في الحكم آثر اعتماد شعارات تماثل «التدمير الذاتي» الذي ساهم به على نحو كبير اعتماد تلك السياسات، واستخدام «لغة اليمين ابتداء من عام 2012... من بين ذلك القول بضرورة الإصلاح من أجل الحفاظ على النموذج الفرنسي». تلك «الانحرافات» بيّنت عدم قدرة الاشتراكيين على ترسيخ مبادئ اجتماعية واضحة أحالت إلى «أزمة هوية».

يُعدّ رئيس الحكومة مانويل فالس نفسه ليترشح للرئاسة

الضربة الأخرى التي وضعت شعبية هولاند في القاع، وجعلت حتى رئيس حكومته مانويل فالس «يتبرأ» منه، كانت كتاب «لا يجدر بالرئيس أن يقول هذا» الذي قطع الطريق أمام ترشح هولاند وخفض شعبيته أكثر فأكثر.
داخليا أيضاً، شهدت فرنسا في عهد هولاند ضربات إرهابية قاسية أودت بحياة العديد من الأشخاص وهزت قلب العاصمة باريس منذ عام. تلك الهجمات دفعت بالعديد من السياسيين من اليمين واليسار إلى اتهام الحكومة بالإخفاق الأمني.
إخفاقات عديدة أخرى رافقت سنوات فرنسوا هولاند الخمس في رئاسة الجمهورية، فقد خسر الاشتراكيون في العامين الماضيين رئاسات المناطق في أكثر من مكان لمصلحة اليمين واليمين المتطرف. وانعكس هذا الضعف السياسي حين اضطر رئيس الحكومة مانويل فالس، إلى اللجوء للمادة 49 مرتين لتمرير «إصلاحات» قانون العمل الذي كان مرفوضاً من قبل النقابات العمالية، ولإقرار «قانون ماكرون» حول التعديلات الاقتصادية.
كل ذلك كان يجري بالتوازي مع تسجيل هبوط هائل في شعبية هولاند، بينما كان الحزب الاشتراكي يعاني تراجع نسبة الوافدين إليه في العامين الأخيرين.
من جهة ثانية، فإن هولاند «رئيس الحروب» بامتياز، إذ انه من أكثر الرؤساء الذين خاضت فرنسا في عهدهم حروباً خارجية، إلا أن تلك المغامرات لم تأت بالنتائج المأمولة.

اخفاق في أفريقيا

خلال حملته في عام 2012، قال إنه سيعمل على مقاربة جديدة للعلاقات الفرنسية ــ الأفريقية، وإلى إنهاء ما يسمى «فرانس أفريك»، لكنه ما إن استلم الحكم، استكمل مغامرة ساركوزي في ليبيا، وأطلق تالياً ثلاث عمليات عسكرية في أفريقيا، أولاها في مالي عام 2013. لكن تلك العمليات خرجت بنتائج كارثية وزادت الفوضى في الدول التي شملتها، هو ما يمكن اعتباره إخفاقا سياسيا بالدرجة الأولى تجاه الرؤية الفرنسية إلى أفريقيا. وأثارت العمليات في سوريا والعراق أيضاًَ، جدلاً أكبر، إذ إن باريس لم تجنِ من تلك العمليات أي نفع استراتيجي ودبلوماسي.
هكذا، وصل هولاند إلى نهاية عهده مع شعبية متدنية جداً، ما يدفع للقول إن تمنعه عن الترشح ربما لم يكن مجرد قرار شخصي، بل أشبه بـ«إقالة»، وفق تعبير «لوموند»، لتفادي مزيد من «الإهانة» لرجل وجد نفسه في النهاية معزولاً سياسياً ومحاصراً من الخصوم والأصدقاء.
وعلى الرغم من إشارة استطلاعات الرأي إلى أنّ أي مرشح اشتراكي لن يتجاوز النسبة التي تخوّله الاستمرار للدورة الثانية في الانتخابات الرئاسية، إلا أن رئيس الحكومة مانويل فالس، بدأ يُعدّ نفسه لطرح اسمه كمرشح مع أنه لا يملك رصيداً أفضل من رصيد رئيسه. فالس الذي نال 5 في المئة فقط في عام 2012 عندما تنافس مع هولاند في الانتخابات التمهيدية لليسار، ينتظر ربما معجزة أشبه «بمعجزة فرنسوا فيون (مرشح اليمين للرئاسة)».