هل يمكن أن يحمل ترامب نهاية سهلة للحرب السورية؟

هل يمكن أن يحمل ترامب نهاية سهلة للحرب السورية؟

أخبار عربية ودولية

السبت، ٢٦ نوفمبر ٢٠١٦

لا تزال الإشارات المتناقضة تتوالى من واشنطن في أعقاب فوز دونالد ترامب بالرئاسة. فبينما أعلن الكرملين في أعقاب الاتصال الهاتفي بين بوتين وترامب عن اتفاق الطرفين على «تطبيع العلاقات»، تُظهر اختيارات ترامب لمسؤولي الإدارة المقبلة هيمنةً واضحةً للصقور على بعض أهم المناصب. لا يخفى أن هؤلاء يحملون نزعةً قويةً للتدخل في الخارج. ولكي تزيد الصورة التباساً، ناقش ترامب، يوم الإثنين، الحرب السورية مع تولسي غابارد، عضو الكونغرس التي اشتهرت بحملتها المطالبة بإنهاء الحرب «لإسقاط الحكومة السورية»، والتركيز على محاربة الإرهاب.
فماذا ستكون سياسة دونالد ترامب في ما يخص سوريا وهل ستقود لنهاية قريبة للحرب السورية؟ بينما لا يزال من المبكر الجزم بتفاصيل توجهات ترامب في ما يتعلق بسوريا، قد يكون من المفيد أكثر البحث في سؤالٍ آخر: هل هناك نهاية سهلة للحرب السورية؟ السؤالان مرتبطان بعضهما ببعض عضويا؛ فالقول بأن إصدار ترامب بعض القرارات، بمجرد جلوسه في المكتب البيضاوي، سيقود إلى إنهاء الحرب السورية، يفترض أن هناك نهايةً سهلةً لهذه الحرب، أو أنه من السهل بمكان تفكيك عوامل تأزيم هذه الحرب. إذاً بالإجابة عن السؤال الثاني، هل من نهاية سهلة للحرب السورية، يمكن أن نُقدر إذا ما كان بالإمكان أن يخلق ترامب هذه النهاية السهلة للحرب السورية. الإجابة تبدأ بالمرور على أهم القوى المؤثرة في الحرب السورية.
روسيا والحرب الباردة الجديدة
الاهتمامُ الأميركي والعالمي بسوريا ليس بالاهتمام المستجد، ولا يمكن تبسيطه بالقول إنه نتيجة مطامع في نفط أو غازٍ، لمّا يتأكد وجوده بعد. فأولى المحاولات الأميركية لترتيب انقلاباتٍ عسكريةٍ في الخارج كانت في سوريا، انقلاب حسني الزعيم في العام 1949، فيما كادت المحاولة الأميركية لإطاحة النظام في دمشق صيف العام 1957 أن تقود إلى اجتياح سوفياتيٍّ للأراضي التركيّة. ولا يخفى أن دوائر البنتاغون ومجمع المخابرات قد اعتبرت، خلال العام الماضي، أن التدخل العسكري الروسي في سوريا يستدعي تدخلاً وتصعيداً أميركياً مضاداً، فيما بدا أنه تكرار لتجارب الحرب الباردة، وهذا ما حصل فعلاً وتجلى بوضوح خصوصاً عبر شحنات الأسلحة الأميركية، وإدخال أسلحة جديدة إلى الميدان السوري. الخروج تماماً من حالة الحرب الباردة، القائمة منذ سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم في شباط 2014، قد لا يكون بالأمر السهل حالياً. ولكن سوريا يمكن أن تكون مجال تعاون روسي أميركي، خصوصاً في مجال محاربة تنظيم «داعش». فآخر استطلاعات الرأي التي أجرتها جامعة ماريلاند، وأعلنت نتائجها مطلع هذا الشهر، تقول إن حوالي ثلثي الأميركيين يريدون رؤية المزيد من التعاون بين موسكو وواشنطن في محاربة الإرهاب.
ليس من المستبعد أيضاً أن واشنطن تسعى إلى تحييد موسكو خلال صراعها مع بكين، وذلك من خلال خلق أرضية للتعاون في الميدان السوري تكون مقدمةً لتخفيف وتيرة الحرب الباردة الأميركية - الروسية للتركيز على الحرب الباردة الأميركية - الصينية. ولكن مثل هذا التعاون في سوريا يعني بالضرورة تكريس الدور الأميركي في الميدان السوري. السيناريو المتفائل بعقلانية يقول إنه يمكن للروس والأميركيين أن يتعاونوا في محاربة الإرهاب وبدء مفاوضات حلٍ سياسيٍّ وفق قرار مجلس الأمن 2254. ولكن هذا السيناريو يختلفُ تماماً عن السيناريو المستحيل الذي تنسحب فيه أميركا من سوريا، ومن المنطقة، وتترك مهمة محاربة الإرهاب للحكومة السورية وحلفائها، لا سيما أن بعض هؤلاء الحلفاء تصنفهم واشنطن، منذ سنوات، في خانة الإرهابيين ورعاة الإرهاب. ولكن على أي حال يجب أيضاً ألا نغفل عن اللاعبين الآخرين المؤثرين.
تركيا ودول الخليج
جاءت الحرب السورية في لحظة قررت فيها الولايات المتحدة أن تسحب ثقلها العسكري من المنطقة، ولكن هذا الانسحاب لم يقترن بالرغبة بالتخلي عن الإشراف على اللعبة. أوكلت الولايات المتحدة، ولا تزال، تنفيذ اللعبة لحلفائها في المنطقة، وخاصة تركيا ودول الخليج. لم يقم هؤلاء بلعب دور المنفذ فحسب، بل تولوا تمويل القسم الأكبر من تكلفة الحرب. فالولايات المتحدة لا تدفع سوى جزء صغير من كلفة الحرب السورية. فعلى سبيل المثال، حجم التمويل الذي طلبه البنتاغون من الكونغرس، لبرنامج تدريب وتجهيز مسلحي المعارضة للعام 2017، كان 250 مليون دولار فقط. بالمقابل، تضمنت إحدى أصغر صفقات الأسلحة التي عقدتها السعودية مع جمهورية الجبل الأسود، خلال العام الماضي، نصف مليون قذيفة هاون وعشرة آلاف قاذف مضاد للدروع محمول على الكتف.
لا يخفى هنا أن عدم تمكن واشنطن في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي من حشد مثل التجمع من القوى المعادية لدمشق هو أحد الأسباب الرئيسية التي منعت تطور الأزمة السورية حينها تطوراً مشابهاً لمسار الأزمة الحالية. وبرغم أن حلفاء أميركا هؤلاء لا تعوزهم الخلافات، إلا أن واشنطن نجحت في الاستفادة من اندفاعهم المعادي لدمشق، وحولت خلافاتهم إلى تنافس في ما بينهم لتنفيذ الأجندة الأميركية. وبرغم أن تركيا ربما تكون قد تخلت عن أحلامها بمد حكم «الإخوان المسلمين» إلى دمشق، إلا أنها لا تزال تلعب دوراً مهماً للغاية في إذكاء الحرب، مدفوعةً بمطامعها في الأراضي السورية (والعراقية) ومخاوفها من قيام كيان كردي على حدودها. أما دول الخليج فهي الأخرى لا تزال تعتبر أنها تحارب النفوذ الإيراني في سوريا. ومساهمة تلك الدول تفاوتت في ما بينها من فترةٍ لأخرى، وبدت كما لو أنها تلعب لعبة «الباب الدوار»، فتخرج واحدة لتدخل الأخرى، إلا أنها بالمجمل لا تزال تلعب دوراً رئيسياً في تمويل الحرب، والأهم في تأمين الأفراد والتجييش الطائفي.
إيران
الآن أكثر من أي وقتٍ سابق، تُسلط الأضواء على الدور الإيراني في الحرب. فقد بات من الواضح أن الإدارة الأميركية المقبلة ستتبنى سياسةً معاديةً لإيران. وإن كانت تصريحات دونالد ترامب ليست ذات مصداقية كبيرة عموماً، فتوجهات الصقور الذين باتوا يحيطون بترامب هي توجهات واضحةٌ جداً. فمن مايك بومبيو الذي أعلن عقب ترشيحه رسمياً لمنصب مدير المخابرات المركزية أنه سيعمل على إلغاء الاتفاق النووي مع «أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم»، إلى الجنرال مايكل فلين الذي طالما اعتبر أنه يجب تجنب بقاء أي قوات إيرانية في العراق، لاحتواء مخاوف حلفاء أميركا، والجنرال جيمس ماتيس الذي دفعه باراك أوباما للاستقالة منتصف العام 2013 بسبب المخاوف من نزعة ماتيس للمضي لمواجهة عسكرية مع إيران، وميت رومني الذي لا يزال يرفض الاتفاق النووي الإيراني، والذي أعلن في العام 2012 أنه لن ينتظر موافقة الكونغرس لاستخدام الخيار العسكري ضد إيران، وديفيد بترايوس الذي اعتبر أن خطر إيران في العراق أكبر من خطر «داعش»، وصولاً لنيوت غنغرتش الذي حضر معظم الاجتماعات الكبيرة للمعارضة الإيرانية المطالبة بإسقاط نظام المرشد في طهران. قائمة المحيطين بترامب والمعادين لإيران تكاد تبدو بلا نهاية. فهل ستكون سوريا بعيدةً عن المواجهة الأميركية - الإيرانية؟ هذا قد يكون أحد أهم الأسئلة اليوم. تضاف إلى ذلك مسألة أمن إسرائيل، التي تعطيها إدارة ترامب الأولوية في سياستها الشرق أوسطية؛ موسكو نفسها عبرت أكثر من مرة عن تفهمها لمخاوف تل أبيب. هل هناك من يراهن على أن واشنطن يمكن أن تقبل بتمرير حلٍ للحرب السورية يتجاهل المخاوف الإسرائيلية، خصوصاً في ما يتعلق بجبهة الجولان ونقل السلاح لـ «حزب الله» عبر الأراضي السورية؟ هذا مجرد سؤال بلاغي.
لا حل سهلا
التفاصيل المذكورة أعلاه هي فقط ما يمكن مناقشته في هذا الحيز الضيق، ولكن لو اعتبرنا أن هذه القوى أو العوامل هي بعض أهم ما يؤثر بالحرب السورية، فالأدق أن نقول إن تفكيك عوامل التأزيم وتمهيد الطريق لإنهاء الحرب السورية يمكن أن يمر، نظرياً، بمجموع تحولات أو خطوات لا بخطوة واحدة. أولاً، إنضاجُ تفاهمٍ روسي - أميركي للتعاون في محاربة الإرهاب في سوريا يبقيها خارج مجال الحرب الباردة الجديدة. ثانياً، تفريق صف حلفاء أميركا في المنطقة، الممولين والداعمين المباشرين لجهود الحرب في سوريا، بما يدفع الولايات المتحدة لاتخاذ قرار إما بالتدخل المباشر وتحمل كلفة الحرب بالكامل أو القبول بالأمر الواقع وتغير مسار الحرب نحو التسوية. ثالثاً، تبنّي استراتيجية نشطة للتعامل مع تركيا تعتمد على الترغيب والترهيب في الوقت نفسه، وذلك عبر طمأنة أنقرة من أن مخاوفها من احتمال قيام دويلة كردية على حدودهم الجنوبية هي مخاوف مفهومة، وأنه بالإمكان التوصل لصيغة تعاون تمنع حصول هذا السيناريو، ولكن في الوقت نفسه لا بد من إقناع أنقرة كذلك بأن احتلالها لبعض الأراضي السورية سيكون مكلفاً للغاية. رابعاً، إيجاد تفاهم معقول مع الأحزاب الكردية يعترف بحقوق الأكراد الثقافية واللغوية ويعيد تجربة الإدارة الذاتية إلى حجمٍ مقبول (ربما ضمن ما يتيحه قانون الإدارة المحلية السوري الجديد الرقم 107). خامساً، إيجاد أرضية لإعادة العرب السوريين في المناطق الخارجة عن السيطرة، خصوصاً في مناطق شمال وشمال شرق سوريا، للقبول بالدولة السورية والعمل معها، وذلك لمقاومة الإرهاب التكفيري، وكذلك لإقناع تركيا بوجود رفض لوجودها قد يشكل مقاومةٌ حقيقيةٌ ـ لا كلاميةٌ ـ لهذا الوجود، وأيضاً إشعار الأحزاب الكردية المتحمسة للانفصال بوجود قوى مناوئة لهم على الأرض. سادساً، تجنيب سوريا تأثيرات المواجهة الأميركية الإيرانية المحتملة. تفكيك عوامل الأزمة السورية ليس بالأمر السهل المتوقف على قرارٍ واحد، أو قرارين، يتخذهما دونالد ترامب. فطول سنوات الأزمة قد زاد من تعقيدها وتشعب ملفاتها. الحل ليس مستحيلاً بالطبع، ولكنه ليس بالحل السهل أيضاً.