الرقة من باب المنبج.. كيري يهدد بتقسيم سورية وأردوغان يواصل التوغل

الرقة من باب المنبج.. كيري يهدد بتقسيم سورية وأردوغان يواصل التوغل

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٢٨ أكتوبر ٢٠١٦

 جاءت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بشأن الحل السياسي للأزمة السورية، تفاديا لتقسيم سوريا صادمة ومثيرة للشكوك على خلفية التحولات الميدانية.

وزير الخارجية الأمريكي أطلق تصريحاته ليس من فراغ أو من قبيل ملئ الفراغات، خاصة وأن الأوضاع الميدانية في الموصل وحلب والرقة ومنبج والباب ملتهبة بما فيه الكفاية، والإعلانات المتواصلة بأن الرقة السورية سيأتي دورها بعد الموصل، بينما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يواصل اجتياحه لشمال سوريا، ويعد بمزيد من التقدم.

الوزير الأمريكي قال ببساطة إنه "على الرغم من سلسلة الإخفاقات، ما زال الواقع يكمن في بقاء الحاجة إلى الدبلوماسية. والواقع هو أن أغلبية الناس يعتبرون الحل العسكري مستحيلا، على الأقل في حال أردنا أن تصبح سوريا مجددا في يوم من الأيام دولة موحدة". تصريحات تحمل كل مقومات ليس التحذير، وإنما التهديد الواضح بأنه في حال لم يتم تحقيق الرؤية الأمريكية لتسوية الأزمة السورية، فإن هذا البلد معرّض للتقسيم.

إن جون كيري يتحدث عن التقسيم، في الوقت الذي يجري فيه التقسيم على الأرض عمليا. ويتحدث عن صعوبة الحل العسكري، بينما الحرب مشتعلة. وبالتالي، فالحديث عن "بذل الجهود الدبلوماسية من أجل تطبيع الوضع في سوريا ومن أجل إحلال وقف إطلاق نار فعال وطويل الأمد، ومن أجل جمع طرفي النزاع في جنيف للاتفاق على تشكيل هيئات سلطة انتقالية، وتعيين قادة جدد للبلاد، والتمهيد للانتخابات"، يظل كلاما "فارغا" في ظل الرؤية الأمريكية التي تشدد على أن كل ذلك بمعزل عن أي تفاهمات مع أي طرف، بما في ذلك روسيا. بينما الأخيرة مصممة على فصل "اللحم عن الذباب"، أي أن هناك قضايا يمكن للأطراف الكبرى أن تتحدث فيها وحولها، وهناك قضايا أخرى تتعلق بالسوريين أنفسهم. ولكن بحكم أن الدائرة باتت مغلقة، فهماك اختلاف على المفاهيم والمصطلحات والتسميات من قبيل "التسوية السياسية" و"الشعب السوري" و"المعارضة المعتدلة"، بل و"الإرهاب والإرهابيين" أيضا..

إن تصريحات وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر حول اقتراب موعد تحرير الرقة السورية، وأن ذلك سوف يسير في نفس الوقت الذي تجري فيه العمليات في الموصل العراقية، يثير الكثير من التساؤلات في ظل محاولات رأب الصدع بين السيناريوهات الأمريكية والتركية. وقد كان من المقرر أن يلتقي وزراء دفاع الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا في بروكسل منذ أيام من أجل مناقشة الخلافات في الرؤى والآليات وتوحيد الجهود، ولكن لا معلومات أو أنباء عن ذلك. ومن جهة أخرى، يؤكد الرئيس أردوغان أن الحملة العسكرية التركية في شمال سوريا ستتجه إلى مدينتي منبج والرقة بعد الباب.

لقد نجح الأكراد في تحرير مدينة منبج من تنظيم داعش. ولكن أنقرة لم تعجبها هذه الخطوة، فأطلقت حملتها لدعم "الجيش الحر" تحت دعوى إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا. واستمر تقدم الأتراك إلى أن وصل الحديث عن الرقة التي تتحدث عنها الولايات المتحدة أيضا. أي أن الأمريكيين والأتراك يجب أن يلتقوا معا في الرقة بعد أسبوعين أو ثلاثة بصرف النظر عن الخلافات القائمة. ولكن كيف سيحدث ذلك، وبأي آليات، ووفق أي اتفاقات، لا أحد يعرف، وخاصة في ظل الخلافات على دور الأكراد، والطموحات الخفية لكل من واشنطن وأنقرة.

إن العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا حول سوريا باتت تحمل طابعا معقدا، وهذا يتعلق تحديدا بأمور ظاهرية مثل علاقة البلدين في إطار حلف الناتو، وعلاقة تركيا بالتحالف الذي تقوده واشنطن. وتمتد هذه الأمور الظاهرية إلى العمليات العسكرية التي تجريها تركيا في العراق وسوريا، واستهداف الأكراد. ولكن يبدو أن هناك ما هو أبعد من ذلك، وخاصة في ظل إعلان المملكة العربية السعودية استعدادها للمشاركة فيما يسمى بـ "تحرير الرقة". وإذا أردنا أن نتسلل إلى ما وراء الأمور الظاهرية، فيجب أن نضع روسيا عموما، والقوات الروسية في سوريا على وجه الخصوص بداخل المشهد العام. وأن نتذكر أيضا أن الولايات المتحدة أعلنت رسميا أن روسيا لن تشارك في عمليات التحالف بشأن "تحرير الرقة".

في كل الأحوال، العمليات العسكرية للتحالف الأمريكي من جهة، والقوات التركية من جهة أخرى، تتواصل في الوقت الذي تسير في عملية أخرى وصفها وزير الخارجية جون كيري بـ "استعداد واشنطن لمواصلة العمل مع أنقرة لمعالجة قضايا هامة مثل الحرب الأهلية في سوريا وأزمة اللاجئين، وخطر الجماعات المتطرفة". ومع ذلك فالولايات المتحدة لا تزال تعلن إصرارا، على الأقل إلى الآن، على مشاركة الأكراد السوريين في تحرير الرقة. وهذا ما أكده كيري لأردوغان، أمام غضب الأخير وعدم رضائه عن ذلك. وهذا أيضا ما أكده قائد القوات الأمريكية في سوريا والعراق الجنرال ستيفن تاونسند بأن المقاتلين الأكراد من "قوات سوريا الديمقراطية" سيشاركون في عملية تحرير الرقة، نظرا لأنها "القوة الوحيدة التي تتمتع بالقدرة، والتي تشكل وحدات حماية الشعب جزءا كبيرا منها".

ووفقا للعسكري الأمريكي، فهناك "عدد كاف من مثل هذه القوات شمال سوريا لإطلاق عملية تحرير الرقة. كما أن التحالف يواصل تجنيد المتطوعين وتزويدهم وتدريبهم، ولا يوجد نقص في عددهم". ومن وجهة النظر العسكرية الأمريكية، فإن تحرير الرقة من داعش سيستغرق على الأرجح وقتا أطول من تحرير الموصل، إذ أن هناك فرقا كبيرا بين العمليتين، حيث يعمل التحالف في العراق بموافقة السلطات المحلية وبالتنسيق مع القوات العراقية، فيما اضطر في سوريا للاعتماد على "الشركاء الآخرين"!

الخطير في الأمر أن الولايات المتحدة تفعل كل ذلك، وكأنها تعمل بمفردها، ولديها كل الحقوق الممكنة وغير الممكنة في تنفيذ وتحقيق سيناريوهات تتعارض ليس فقط مع القانون الدولي، بل ومع مصالح الأطراف الأخرى أيضا، الأمر الذي يهدد فعليا بإمكانية وقوع احتكاكات مباشرة.