الضغوط والتصعيد في سورية.. إلى ماذا يمكن أن تؤدي "البلطجة" الأمريكية

الضغوط والتصعيد في سورية.. إلى ماذا يمكن أن تؤدي "البلطجة" الأمريكية

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٢٧ أكتوبر ٢٠١٦

 أحاطت الولايات المتحدة تحركاتها العسكرية في العراق وسوريا بإجراءات موازية تتراوح بين الضغط والتصعيد، سواء على حلفائها أو منافسيها.

وزير الخارجية الأمريكي آشتون كارتر أعلن رسميا أن ما أسماه بـ "الفصائل المسلحة السورية" التي تدعمها الولايات المتحدة ستبدأ عملية تحرير الرقة، آخر معاقل تنظيم "داعش" في سوريا، في غضون الأسابيع المقبلة. ومع العلم بأن هذه "الأسابيع المقبلة" يمكن أن تكون أشهر عدة وليس أسابيع. لكن المهم هنا، هو عبارة "الرقة، آخر معاقل داعش"، لأن هذه العبارة صدرت أيضا عن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وهو يهنئ نفسه "مقدما" بتحرير الموصل والرقة!

الوزير الأمريكي أكد ما تناولته ليس فقط وسائل الإعلام الروسية والعالمية منذ أشهر عديدة، بل وأيضا الساسة الروس والتقارير الأمنية والعسكرية بشأن علاقة الولايات المتحدة بفصائل متطرفة من جهة، واستخدام تحركات داعش من جهة أخرى. إضافة إلى ذلك، الإعدادات العسكرية الجارية طوال العامين الأخيرين لآلاف العناصر ممن تطلق عليهم واشنطن وحلفاؤها "قوى المعارضة المعتدلة". ويتضمن ذلك التدريب والتسليح والدعم المالي، واللوجستي أيضا.

من الواضح أن "الحملة العسكرية الأمريكية" على الرقة بحاجة إلى حملة إعلامية، ومزيد من الضغوط وخلط الأوراق. إذ ظهر ملف استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا مجددا، ولكن بشكل أقرب إلى "التهديد والوعيد" في شكل مناقشات في مجلس الأمن ومشاريع قرارات وفرض عقوبات، حيث دعوات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إلى تمديد صلاحيات اللجنة المعنية بالتحقيق في الهجمات الكيميائية بسوريا والتي تنتهي في 31 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، ولكن روسيا تدعو إلى توسيع صلاحياتها بدلا من تمديد تفوضيها تلقائيا. بل ودعت أيضا إلى ضرورة المناقشة والبحث، محذرة من أن التمديد التلقائي لعمل البعثة لن يمر.

هذه الخطوة من جانب واشنطن ولندن وباريس، وإن كانت لن تسفر عن نتائج ملموسة، إلا أنها تشكل ضغطا على روسيا التي تشارك ببعثتها في هذه اللجنة. غير أن الضغوط على روسيا، قبل بداية الحملة على الرقة، وصلت إلى إعاقة سفنها، وعرقلة سيرها في البحر الأبيض المتوسط. وعلى الرغم من أن حلف الناتو أعلن رسميا بأنه لن يتدخل في الأزمة السورية، إلا أن الحلف بدأ بالتصعيد فيما يتعلق بالأزمة السورية. إذ أكد الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ أن كل دولة من دول الحلف تقرر بنفسها السماح أو عدم السماح للسفن الروسية بالدخول إلى موانئها، معربا عن قلقه من إرسال حاملة الطائرات الروسية للمتوسط. وجاءت تصريحات ستولتنبرغ في مستهل فعاليات اجتماع الحلف في بروكسل الأربعاء 26 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، في معرض تعليقه على الزيارة المرتقبة لحاملة الطائرات الروسية "الأميرال كوزنيتسوف" التي تتجه نحو سواحل سوريا، لميناء سبتة الإسباني من أجل التزود بالوقود والإمدادات الغذائية. وذهب أمين عام الناتو إلى الإعراب عن قلقه من إمكانية استخدام حاملة الطائرات الروسية والسفن المرافقة لها، لتكثيف الضربات على حلب".

المثير للدهشة أن إسبانيا اعترفت بأن الولايات المتحدة والناتو قاما بالضغط عليها لكي لا تتعاون مع السفن الروسية. وفي الوقت نفسه يعلن المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست أن الإدراة الأمريكية ترى في "تصرفات روسيا في سوريا تعقيدا للجهود الأمريكية الرامية إلى إيجاد حل سلمي للنزاع الدائر فيها"! هذا بطبيعة الحال إلى جانب التهديدات المتواصلة بفرض عقوبات إضافية على روسيا بسبب الأزمة السورية. وكذلك بتحريض الدول الأخرى على فرض هذه العقوبات. وهو ما قاله البيت الأبيض في 21 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، بأن واشنطن لا تستبعد فرض عقوبات ضد روسيا بسبب عملياتها العسكرية في سوريا، وأن استخدام العقوبات الاقتصادية يزداد فعالية عندما يتم تطبيقها بالتنسيق مع حلفائنا وشركائنا في العالم.

وفي الوقت الذي تعلن فيه النرويج، عضو حلف الناتو، أن نحو 330 من عناصر المارينز الأمريكيين سينتشرون على أراضيها بالتناوب ابتداء من يناير 2017، وذلك على خلفية التوتر بين روسيا والغرب حول الأزمة في أوكرانيا والحرب في سوريا، نجد أن وزراء دفاع الحلف يبحثون خلال لقائهم في بروكسل نشر روسيا لمنظومات صواريخ "إسكندر - إم" في مقاطعة كالينينغراد، وتعزيز وجود الحلف في أوروبا الشرقية قرب حدود روسيا بنشر 4 كتائب أطلسية في دول البلطيق وبولندا، وتعزيز وجود الحلف في منطقة البحر الأسود وكيفية نقل القوات إلى الجناح الشرقي للناتو.

هذا المشهد المتداخل يوضح إلى أي مدى يقوم حلف الناتو والولايات المتحدة بالتصعيد ليس فقط في سوريا وحولها، ولكن أيضا في البحر الأسود، وبحر البلطيق، ودول أوروبا الشرقية المتاخمة لروسيا، كشكل من أشكال الضغط من جهة، والاستفزاز من جهة أخرى. ولكن السؤال الذي يطرحه المراقبون ومراكز الأبحاث، إلى أي مدى يمكن أن تحقق الولايات المتحدة أهدافها في سوريا في ظل هذا التصعيد المتواصل؟ ومن الذي سيسمح لها بمواصلة "البلطجة" السياسية والعسكرية لتحقيق أهداف تتعارض مع كل القوانين الدولية؟