من سجال العبودية إلى «ثورة البيض»: الحزب الجمهوري في خطر!

من سجال العبودية إلى «ثورة البيض»: الحزب الجمهوري في خطر!

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٢١ أكتوبر ٢٠١٦



19 يوماً لا تزالُ تفصلُ الولايات المتحدة عن دخول عالم «ويكيهيلاري» أو «ترامب لاند». التسميتان ليستا من نسجِ الخيال. الأولى، لتوماس فريدمان، الصحافي البارز في «نيويورك تايمز»، الذي دعا إلى انتخاب «ويكيهيلاري»، نسبة إلى سيل التسريبات التي أصبحت علامةً مُسجلة للمرشحة الديموقراطية للبيت الأبيض، هيلاري كلينتون، والثانية للمخرج الأميركي مايكل مور، الذي أطلق فيلمَه الجديد «مايكل مور في ترامب لاند» عشية المناظرة الثالثة والأخيرة بين الجمهوري دونالد ترامب وغريمتِه، والتي أزالت نسبة إضافية من الترقب للنتائج، بعدما كرّست كلينتون «رئيسة أميركية» مع وقف التنفيذ مع تقدمها السريع في نتائج الاستطلاعات.
ويبقى الترقب الأكثر إثارة هو ما أضفاه ترامب أمس الأول خلال المناظرة في احتمال طعنه في نتائجها إذا ما كرّست هزيمته. في المقابل، ارتفعت شعبية الرئيس الأميركي الحالي باراك اوباما إلى رقم قياسي جديد (55 في المئة)، وذلك للمفارقة في خضمّ أحداث الشرق الأوسط، والحروب المُتجددة للولايات المتحدة في المنطقة، واستمرار الاحتلال الأميركي لأفغانستان بعد 16 عاماً، لتبدو مجريات ووقائع الانتخابات الرئاسية الأميركية من بعيد، وكأنها أداةٌ للمؤسسة السياسية هناك لإلهاء الشعب عما يدور في كواليسها من خطط لمرحلةِ ما بعد أوباما، وتمويهٌ عن إخفاقاته في الوفاء بالكثير من الوعود التي أطلقها قبل ثماني سنوات.
ففي الذكرى السادسة عشرة لغزو أفغانستان، والخامسة لإعلان اوباما انسحاب جنوده من العراق، والخامسة لـ «الثورة الليبية»، أصبح الجنود الأميركيون منتشرين في كل مكان، من اليمن إلى سوريا والعراق، معززين حضورهم كذلك في دول البلطيق، وفي مواجهة روسيا والصين، وهو العامل الأول الذي كان وعدُ أوباما بالتراجع عنه سبباً في انتخابه في عام 2008. في موازاة ذلك، لا بريق للمعركة الرئاسية الأميركية بما هو أعمق من أثير تلفزيوني وإذاعي مفتوح لنساء تحرش بهن ترامب، مقابل أقل من دقيقة ونصف دقيقة سمحت بها وسائل الإعلام لتغطية تسريبات كلينتون، ومنها «لندع السوريين يتقاتلوا»، وآخرها المتعلقة بجون بوديستا، مدير حملتها، والتي خدمت المرشحة الأميركية بتجييش العداء الأميركي لـ «المقرصن» الروسي.
لكن هذا ليس بيتَ القصيد. «المَلهاةُ» الرئاسية الأميركية، كما نراها من بعيد، التي تُوّجت بشريط مُسجّل لترامب يعود لعام 2005، ويحمل في طياته احتقاراً كبيراً للنساء من موقع القوة، فتحت في الواقع سجالاً أعمق في الولايات المتحدة، لن تنتهي مفاعيله في الثامن من تشرين الثاني المقبل، على الرغم من أن غالبية الأميركيين بدأوا يحلمون بالتاسع منه، علّ الأمور تعود إلى نصابِها من جديد.
التاسع من تشرين الثاني المقبل، هو يوم «استتباب الأمن»، والتخلي عن الـ «كزاناكس»، بحسب وصف بعض المغردين الأميركيين، وهو عندما سيدخل قرار أوباما الذي وقعه مؤخراً، والذي يقضي بطرد المرشح الخاسر خارج البلاد في اليوم التالي للاقتراع، والذي وافق عليه قياديون كبار في الحزب الجمهوري.
هكذا، يعكسُ هذا القرار الرئاسي - وهو للمناسبة كاريكاتورٌ مكتوبٌ للصحافي الكوميدي في الـ «نيويوركر» أندي بوروفيتز ـ حجمَ الفوضى التي كرّسها المرشحُ المثير للجدل دونالد ترامب في دورة الانتخابات الحالية، وبالتحديد داخل الحزب الجمهوري، التي دفعت أهم وسائل الإعلام الجمهورية لإعلان دعمها، وبعضُها للمرة الأولى على الإطلاق، ومنذ مئة عام على ولادتها، للديموقراطية كلينتون، التي بذلك تدخل التاريخ، حتى قبل احتمال تتويجها الذي بات أكبر، الرئيسة الأولى للولايات المتحدة الأميركية.
«الجمهوريون»: الكونغرس يفلت منا
وتدخل كلينتون التاريخ، فعلياً، رغم الجدل بشأنها هي أيضاً، من أكثر باب، لعل أكثره خطورة، لا سيما بعد مناظرة أمس الأول، هو رؤية الحزب الجمهوري الأميركي وقد دخل معركة «الحرب الأهلية الداخلية» التي تُهدد على الأمد البعيد بانهياره، بحسب ما عنونت معظم الصحف الأميركية ومراكز الأبحاث خلال الأسبوع الماضي بشكل ملفت.
فالحزب، الذي خسر أربعة من ستة انتخابات رئاسية ماضية، أصبح معرضاً لخسارة مجلسي الشيوخ والنواب في الانتخابات المقبلة، بعدما أصبح قاب قوسين أو أدنى من الاعتراف بخسارته المعركة الرئاسية. وهو لذلك، فتح معركة التنصل من ترامب، لكسب معركة الكونغرس، على قاعدة أن كل من يتبرأ من الأخير قد يحتفظ بمقاعده التي يهددها منافسون ديموقراطيون، حتى في المناطق «الحمراء» التي كانت حتى الأمس القريب مضمونةً لصالح «الحزب القديم الكبير». وليس سيل الأقلام الصحافية الذي بدأ منذ أيار الماضي بمقالة في بوليتيكو تساءلت «هل يقدم ترامب مجلس السيناتوريين على طبق من ذهب للديموقراطيين؟»، سوى افتتاح لكمٍّ هائل من التحذيرات من معركة ما بعد الرئاسة، التي تنذر بشكل شبه قاطع بتقليص الديموقراطيين للفارق مع الجمهوريين في مجلس الشيوخ والفوز بمجلس النواب.
أما الخطر الأكبر الذي يُهدد الحزب الأميركي الأعرق، فهو خطرُ الانقسام الذي يذهب إلى حدّ التهويل بالانهيار، في استعادةٍ لبداية انهيار سابق له في عام 1852، وتحديداً بسبب السجال على العبودية، بعدما كان اسمه «ويغ بارتي» (حزب اليمين)، ليحل نفسه، ويعيد استيلاده بعد عامين باسمه «الجمهوري».
هذا السجالُ المستجد في انهيار الحزب يتقدم اليوم في الصحافة الأميركية من أقصاها اليميني إلى أقصاها التقدمي، وفي دوائر القرار والمعاهد البحثية، بعد سجال انتهت مفاعيله قبل أن تبدأ، في ديموقراطية الانتخابات الأميركية التي أكد الجمهوريون لإزالة اللغط بشأنها أنهم سيقبلون بنتائج الانتخابات مهما تكن، بعدما ترك ترامب الباب مفتوحاً أمام احتماله عدم القبول بالنتيجة إذا ما فازت منافسته. واعتراضاً، للمناسبة، لم تشهد الانتخابات الرئاسية الأميركية أي اتهام رسمي بالتزوير منذ أن تخلى الرئيس جورج واشنطن عن الحكم بعد ولايتين (1797)، واعتراض على «صفقة فساد» من المرشح اندرو جاكسون في عام 1824، وتخطي قرار مثير للجدل للمحكمة العليا لصالح جورج بوش الابن في عام 2000 (وقف إعادة فرز الأصوات في فلوريدا). ومن عام 2000 حتى 2014، لم تسجل جامعة لويولا للقانون في دراسةٍ لها، سوى 31 ادعاءً فردياً بالترهيب خلال الانتخابات.
«حزب الانقراض»؟
وتحت عنوان «حزب لينكولن، وريغان، وربما، الانقراض» في «النيويورك تايمز»، يحذر الخبير الجمهوري وليام كرستول، من «خطر حقيقي» لانهيار الحزب، الذي أصبح منقسماً، معتبراً رغم ذلك أنه «من الصعب أن نعرف اليوم أين يقف الحزب تحديداً، يجب انتظار الثامن من تشرين الثاني».
وبحسب كريستول، فإن الشرخ الحقيقي داخل الحزب هو تتويج لتدرج التوتر داخل المؤسسة «المحافظة» الأميركية، بعدما كانت لسنوات خليطاً من الفصائل، من بينها المسيحيون الإنجيليون، والمسوقون الأحرار لـ «المحافظة»، وصقور السياسة الخارجية، وغيرهم. لكن انتخاب أوباما خلق الجناح الأكثر تشدداً، وهو «حزب الشاي»، الذي أظهر حجم البيض الغاضبين، وهو الحزب الذي مهّد لوصول ترامب اليوم إلى المنافسة.
ولا يبدو ضغط المانحين الكبار على «اللجنة الوطنية الجمهورية» ورئيسها رينس بريبوس لقطع العلاقات بترامب، سوى حلقة من المعركة الدائرة داخل الحزب في دائرة أكثر اتساعاً.
وبحسب الخبير في الحزب الجمهوري، روس دوتهات، فإن الحزب أصبح يدور حالياً في ثلاث دوائر: من رفض ترامب منذ البداية، ومن رفضــه لكــنه سيصوت له لعدم وصول الديموقراطية. وأولــئك الذين يشكلون ثلث الحزب، وهم الفئة الأكثر خطورة، التي يمثها الرجال خصوصاً من الطبقة العاملة البيضــاء، وهي التي خلقت الموجة الشعبوية التي فشل الحــزب في التعامل معها طوال عقود، والتي تشكل طموحــاتها العنصرية في الوقت ذاته معضلة للحزب الــذي لم يعــرف كيف يلبيها.
ويرفض دوتهات في دراسة لجامعة «هارفارد» الحديث عن انقسام داخل الحزب، وبروز حزب ثالث، لأن «نظام ثنائية الأحزاب في الولايات المتحدة يمتاز بصلابة شديدة من الصعب كسرها»، لكنه يؤكد أن الحزب الجمهوري يشهد حرباً أهلية ستستمر لفترة طويلة، معتبراً أن الأزمة الكبرى تعود إلى الانكشاف القوي بأن «المحافظين» من الطبقة الشعبية لا يتناسبون مع الحركة المحافظة كما تريد هي أن تشرح عن نفسها، وأن جميع نظرياتها التي تسوق لها مراكز الأبحاث والمؤسسات التي تديرها «لن تجد صدى لها كبيراً بعد الآن في صناديق الاقتراع، فالأميركيون المحافظون هم شعبيون وقوميون بالدرجة الاولى، وقبل أي شيء آخر».
من جهته، يرى جيفري فرانك في «النيويوركر»، أن الحزب الجمهوري «إلى زوال»، بعدما أصبحت تمثله اليوم أسماء مثل حاكم نيوجيرسي كريس كريستي، والسيناتورين عن تكساس وفلوريدا تيد كروز وماركو روبيو، التي تظهر محاولاتــهم لدخول التاريخ فشلاً ذريعاً.
وعلى موقع «سلايت»، كتب جاميل بويي، أن الحزب الجمهوري خسر الناخبين السود، وفي طريقه لخسارة اللاتينوس، خسر «وول ستريت» و«ووادي السيليكون»، أما ما بقي فهو «حزب جمهوري أبيض... ومنكسر!».