عودة آلاف «الجهاديين» في حسابات الموصل: مخاوف من هجمات كيميائية في أوروبا

عودة آلاف «الجهاديين» في حسابات الموصل: مخاوف من هجمات كيميائية في أوروبا

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٢٨ سبتمبر ٢٠١٦

ليس من داع لإجراء حسابات كثيرة، فالتهديد الإرهابي أصلا «مرتفع جدا» ضمن الوضع القائم. لكن احتمالاته المفتوحة تجعل مجتمع الاستخبارات الغربية يقف على رجل واحدة. يقلبون كل الاحتمالات الممكنة، يتحسبون منها ويستعدّون لها، لكنهم يبقون أخيرا أمام تحديَين هما من بين الأكثر خطورة. أولا القدرة الأكيدة لتنظم «داعش» على إنتاج المواد الكيميائية السامة، تحويلها إلى أسلحة، وبالتالي إمكانية وقوع هجمات كيميائية في أوروبا. الثاني كيف سيكون العمل لمواجهة آلاف العائدين، من «الجهاديين» الغربيين في سوريا والعراق، مع ترديد الجميع أن هزيمة «داعش» محسومة.
انشغال الاستخبارات الغربية بالمسألة الأخيرة يعطي مؤشرا عن «حسابات المخاطر» التي تحكم الحرب على «داعش». حينما بدأت تخرج أخبار ذهاب «الجهاديين»، منتصف 2012، تكررت الجملة الذهبية على لسان وزراء أوروبيين: «من الأفضل ألا يعودوا». لكن مع إعلان شعارات الحسم القادم، باتت الاستخبارات تذكّر صناع القرار السياسي بأن المصلحة الأمنية، المتقدمة على ما سواها حُكماً، تجعل من الأفضل معالجة احتمالات الإياب بوصفها جزءا من التخطيط للمعركة.
هذه الخلاصات هي ترجمة للرسائل التي تُحمّلها أجهزة الاستخبارات لمن يجتمعون بها. عرض معتبر لهذه الهواجس حمله المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب جيل دي كيرخوف، ليضعه أمام اللجنة المختصة بمتابعة القضايا الأمنية في البرلمان الأوروبي، خلال جلسة استماع ونقاش عقدت يوم الاثنين.
المسؤول الأوروبي تحكم طبيعة عمله عقد اجتماعات متواصلة مع القيادات الأمنية، في دول الاتحاد الأوروبي وخارجه، ما يساعده في صياغة توصياته حول ما يجب عمله لمواجهة التهديدات الإرهابية. من ضمن ما حمله للنواب الأوروبيين لائحة بأكبر مصادر القلق لدى مجتمع الاستخبارات الغربية. وضع على رأسها احتمال تنفيذ هجمات إرهابية باستخدام «السيارات المفخخة»، وكذلك «باستخدام الأسلحة الكيميائية».
بالنسبة للاحتمال الأول، ليس هناك شكوك تذكر حول القدرة على تنفيذه لدى «داعش». يذكر دي كيرخوف بخبرة مقاتلي التنظيم المجربة، وبالتالي إمكانية نقلها لرسل الإرهاب المحتملين إلى شوارع أوروبا. أما حول الخطر الكيميائي فيقول ناقلا هواجس القادة الأمنيين الأوروبيين: «نعلم أن داعش أنتجوا بأنفسهم أسلحة كيميائية، لذا دعونا نأخذ ذلك بعين الاعتبار»، قبل أن يضيف «أنا لا أقترح أن ذلك سيحدث، لكن هناك معلومات يجب على الأقل أخذها بجدية كاملة، وعلينا أن نكون جاهزين لمواجهة كهذه».
مخاطر واردة كهذه يُفترض، عادة، أن ينقلها القادة السياسيون للرأي العام، لأخذ العلم والتطمين بأنهم متيقظون ومحتاطون. التكتم له أسباب ليست فقط أمنية. خليط مصادر القلق الذي حمله منسق مكافحة الإرهاب يجمع «الكوكتيل» المفضّل لخطاب الترهيب الذي تستخدمه أحزاب اليمين المتطرف الصاعدة. أشار لاستخدام الإرهابيين تدفقات اللاجئين، وفوق ذلك محاولة تسلل «منظمات سلفية» إلى «مجتمع اللجوء الهش» من أجل التجنيد، مرورا على تأكيد الخطر المتنامي لمن «يستلهمون» إيديولوجيا الإرهاب، خلف أجهزة الكمبيوتر، ليكفي أن يفتحوا الباب كي يجسدوها اعتداءات في الشوارع.
كان لافتا أن تبثّ تصورات واضحة حول الهجمات الكيميائية ليس من عاصمة أوروبية، بل من مؤتمر إسرائيلي أمني أقيم قبل أيام في هيرتزليا. المؤتمر يخصّ «المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب»، الذي تأسس قبل عقدين على يد شخصيات أمنية من الصف الأول، وجرى في إحدى جلساته سيناريو محاكاة لهجمات كيميائية تتعرض لها دول أوروبية، تحديدا ألمانيا.
مصدر القلق الثاني لدى الأجهزة الغربية، وفق لائحة دي كيرخوف، هو إياب «الجهاديين». قال إنه تهديد ليس جديدا، لكنه يكتسب أهمية خاصة في ظل اقتراب موعد «انهيار الخلافة (الداعشية)». لفت إلى مخاطر ذلك بالقول «كيف سنتعامل ليس مع مئات بل مع آلاف المقاتلين»، موضحا «علينا التعامل مع أعداد كبيرة لها محددات مختلفة، فهناك ناس كانوا مقاتلين في الخطوط الأمامية، وآخرون كانوا في المكاتب الخلفية». الإياب سيكون عرضا حتميا لمعركة دحر «داعش»، ليبقى أمام العائدين إما الانتقال إلى معقل آخر، يرجح المسؤول الأوروبي أن يكون ليبيا، أو إلى... الوطن!
حول الاحتمال الليبي، لفت دي كيرخوف إلى مخاوف واضحة، سبق أن عبّر عنها بتحفظ الفرنسيون والإيطاليون. قال إنه «رغم النجاحات الأخيرة في سرت لكن داعش لا يزال حاضرا في ليبيا، وهناك قلق (لدى الأجهزة الغربية) من أن تتطور ليبيا أكثر وأكثر لتكون مركز استقطاب لداعش، ولمكان ربما لتخيط هجمات على أوروبا».
لأسباب سياسية، باتت معروفة، تتجنب الحكومات الغربية الحديث عن مصدر قلق آخر نقله المسؤول الاوروبي عن الاستخبارات. إنه واحد من أصل أربعة وضعها بالخط العريض، محذرا من الاستهانة والتغافل عن تهديدات «جبهة النصرة». اعتبر أي تجاهل للخطر الذي تمثّله «خطأ كبيرا»، موضحا «رغم تغيير تسميتها لكنها تبقى مرتبطة بتنظيم القاعدة، إنها الآن متحشّدة أساسا لقتال (الرئيس السوري بشار) الأسد، لكن ربما سيكون لديهم النية والقدرة على استهداف الغرب، والقلق كبير هنا حول أمن الطيران المدني».
التحديات التي يفرضها التهديد الإرهابي «المرتفع جدا» كثيرة. التحدي يشمل، إضافة لكل دروس الهجمات السابقة، مواجهة أصحاب السجل الإجرامي، مع سرعة التحول إلى التطرف، ما يصعّب رصد الإشارات المنذرة بذلك. إذا أضيف أولئك لعناصر التهديد، باحتساب «الجهاديين» الغربيين والمشتبه بهم والمتعاطفين والمختلين الباحثين عن الظهور والمتطرفين الساعين للتجنيد، ستكون الأجهزة الأمنية الأوروبية أمام تهديد آخر هو تضاعف حجم عجزها الأمني.
قبل هذا المستوى بمراحل، قبل الهجمات في فرنسا وألمانيا وبلجيكا، كان هناك اعتراف بالعجز عن مراقبة جميع المشتبه فيهم لعدم وجود الكادر البشري الكافي لدى الأجهزة الأمنية. مستوى التهديد لا يزال في مرحلة تفرض نشر قوات من الجيش، وتعزيزات الأمن، في شوارع مدن بلجيكية وفرنسية، لكن عرض القوة هذا ليس معروفا كيف يمكنه أن يغطي الثغرة الخطرة في المظلة الأمنية.
التقييم الاستخباري، كما نقله دي كيرخوف، يتحدث عن منبع تهديد مستمر. تحدث عن فعالية وحدة التخطيط للاعتداءات على أوروبا، المتمركزة في الرقة، حتى بعد مقتل قائدها، الرجل الثاني في «داعش» أبو محمد العدناني الشهر الماضي. قال المسؤول الأوروبي «لا يزالون يحاولون تخطيط الهجمات» على أوروبا. وفق السيناريو المتداول، ستتلقى قدرات تلك الخلية تعزيزات بالعديد البشري والعقول في مرحلة تالية، سيفرضها المخطط الأميركي للحرب على الإرهاب!
إضافة للحسابات الأمنية، هناك أصلا الحسابات السياسية التي أجّلت معركة الموصل مرارا، وليس معروفا تأثيرها على معركة الرقة التي يبدو محسوما أمر تعليقها حتى إشعار آخر. حتى المرشحة الديموقراطية للرئاسة الاميركية هيلاري كلينتون، وبلادها تمسك بقرار «التحالف الدولي» لإطلاق المعركتين، تَعد بالانتهاء من «داعش» في العراق «خلال سنة»، مع هدف معلن هو: «حصرهم في سوريا».