تركيا تسعى إلى التمدد في سورية والفصائل تقدم الفتاوى

تركيا تسعى إلى التمدد في سورية والفصائل تقدم الفتاوى

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٢٣ سبتمبر ٢٠١٦

ماهر الخطيب
 على الرغم من حادثة إنسحاب بعض الفصائل السورية المعارضة من عملية "درع الفرات"، التي تقودها الحكومة التركية في الشمال السوري، على أثر دخول جنود أميركيين إلى بلدة الراعي، لا تزال أنقرة عازمة على "التمدد" أكثر، بحسب ما تؤكد تصريحات كبار المسؤولين فيها، لتحقيق حلمها في إقامة منطقة آمنة تحت عنوان محاربة الإرهاب، بعد أن وجدت أن الظروف الحالية تسمح لها بالذهاب نحو هذه الخطوة، في حين كانت بعض المواقف الدولية والإقليمية، في الفترة السابقة، تحول دون ذلك.

في هذا السياق، تضع المؤسستان العسكرية والسياسية في تركيا عينهما على مدينة الباب، من دون إهمال مدينة منبج، التي كانت "قوات سوريا الديمقراطية" قد حررتها، قبل فترة قصيرة، من عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، في مؤشر إلى أن أنقرة غير مهتمة بالموقف الأميركي الراغب بالإبقاء على التحالف مع قوات "حماية الشعب الكردي"، لكنها في المقابل تسعى إلى تقديم نفسها كبديل، عبر الإعلان عن إستعدادها للذهاب نحو مدينة الرقة، التي تعتبر من أهم معاقل "داعش" في سوريا، في حين أن الأكراد أكدوا، في أكثر من مناسبة، أنهم غير راغبين بالدخول في هذه المعركة من دون ضمانات، فهم يريدون ربط الكونتونات الثلاثة، أي عفرين وتل عرب والحسكة، كهدف أولي.

على هذا الصعيد، تعود مصادر متابعة إلى كلمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة، على هامش أعمال الجميعة العامة للأمم المتحدة، حيث تحدث عن منطقة آمنة قد تمتد في النهاية على مساحة تصل إلى 5 آلاف كيلومتر مربع، بعد أن كانت الفصائل المعارضة، المدعومة من بلاده، قد نجحت في السيطرة على مناطق تبلغ مساحتها 900 كيلومتر مربع.

وتشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أن أنقرة لم تواجه في المعارك التي خاضتها أي مقاومة شرسة من عناصر "داعش"، لا بل تصف عمليات "التحرير" بأنها كانت إلى حد بعيد "تسلم وتسليم"، الأمر الذي يطرح حوله العديد من علامات الإستفهام، وتجدد التأكيد بأن الهدف الرئيسي من "درع الفرات" هو إبعاد الأكراد عن حدود تركيا الجنوبية، نظراً إلى أن أردوغان يعتبر أنهم الخطر الحقيقي لا "داعش"، فهو يدرك أن نجاحهم في إقامة نظام خاص بهم على الأراضي السورية، يعني إمكانية تمدده نحو الداخل التركي في مرحلة لاحقة.

من هذا المنطلق، ترى المصادر نفسها أن عملية "غض النظر" عن التحرك التركي، من قبل بعض الجهات الداعمة لدمشق، كان من الأخطاء الإستراتيجية، نظراً إلى أن أنقرة لها أطماع بالسيطرة على أراض سورية، في مشهد يعيد إلى الأذهان عملية "سلخ" لواء الأسكندرون عن السيادة السورية، خصوصاً أن تركيا لم تتقدم أي خطوة إلى الأمام على مستوى حل الأزمة، بعكس ما يروجه البعض، حيث أن أردوغان يتولى شخصياً، بشكل دائم، إنهاء مفاعيل أي مواقف إيجابية تصدر عن رئيس الوزراء بن علي يلديرم، لا سيما بالنسبة إلى مصير الرئيس السوري بشار الأسد.

وتشدد المصادر المتابعة على أن تركيا لم تكن قادرة على التقدم خطوة واحدة داخل الأراضي السورية، لولا التفاهم مع حلفاء دمشق، فهي كانت راغبة في تحقيق هذا الهدف منذ سنوات، لكنها لم تكن تجرؤ بسبب الخطوط الحمراء التي كانت موضوعة بوجهها، وتشير إلى أن الأصوات المعارضة جاءت متأخرة، حيث كانت أنقرة قد بدأت في بناء مشروعها الخاص، مستفيدة من التناقضات الكبيرة التي تطغى على المشهد الإقليمي والدولي، وتضيف: "رغم الخلافات مع الولايات المتحدة، الرهان على إبتعاد تركيا عنها لم يكن في مكانه، فأردوغان "يشاغب" لكن لن يغامر بالتنازل عن التحالف مع واشنطن".

في مقابل الأهداف التركية الواضحة، تأتي مواقف بعض الفصائل المعارضة، الراغبة بأن تكون "وكيلة" عنها على أرض الميدان، بسبب إدراكها بأنها بحاجة إلى غطاء إقليمي، يؤمن إستمرار وصول الإمدادات لها، بالإضافة إلى رغبتها بأن تتولى إدارة المناطق "المحررة" من "داعش"، وعلى رأسها حركة "أحرار الشام"، التي تعتبر من أبرز الفصائل، حيث أصدر "المجلس الشرعي" في الحركة، في الأيام الأخيرة، "فتوى" بجواز التنسيق مع الجيش التركي، والاستعانة به في تحرير المناطق التي تتقاطع فيها مصالح الجانبين، لكن المفارقة كانت في المبررات التي قدمها المجلس، وهي: "الخلاص من حكم الخوارج المارقين الذين شوَّهوا الدين الحنيف"، و"ضرورة وجود فصيل إسلامي يسيطر على المناطق التي يطرد منها "داعش" حتى لا تقع بأيدي تنظيمات معادية، كما حصل في منبج وتل أبيض".

بالنسبة إلى المصادر نفسها، هذه "الفتوى" تعتبر بمثابة تقديم "أوراق إعتماد" إلى أنقرة، وتشير إلى أنها ليست المرة الأولى التي تقدم فيها "أحرار الشام" على خطوة مماثلة، على عكس جبهة "النصرة" التي كانت تعارض هذا التوجه سابقاً، لكنها منذ الإعلان عن تحولها إلى جبهة "فتح الشام" بدأت تعطي إشارات إيجابية نحو أنقرة، لكنها تجزم بأنها لن تكون قادرة، في الوقت الراهن، على تقديم نفسها، كما فعلت "أحرار الشام"، نظراً إلى أن الأمر سيقود إلى موجة جديدة من الإنشقاقات في صفوفها.

في المحصلة، ما تقدم لا ينحصر بالتعاون العسكري فقط، حيث من الضروري التنبه إلى الجانب السياسي منه، لا سيما أن "الأحرار" تسعى إلى إقامة "حكومة إسلامية"، ضمن المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة.

النشرة