الأسد لـ"أوباما": قرر مصيرك

الأسد لـ"أوباما": قرر مصيرك

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٢٣ سبتمبر ٢٠١٦

 ماذا يعني أن يجيب الرئيس بشار الأسد على سؤال مراسل الأسوشيتد برس الأمريكية حول زيارته إلى محافظة حلب، بقوله "نعم سأزورها". ثم ماذا يعني أن تُعلن غرفة العمليات العسكرية في حلب عن بدء معركتها لاستعادة الأحياء الشرقية التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية مباشرةً بعد ساعات قليلة فقط من اللقاء المتلفز للرئيس الأسد .. فهل كان حديثه الميداني وحديثه الموسع عن الاعتداءات الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة، وإصراره على توصيف جريمة الولايات المتحدة بحق جنود الجيش السوري في دير الزور بأنها "عدواناً مقصوداً" وتكرار هذا التوصيف عدّة مرات خلال اللقاء الصحفي، هو أمر عمليات لبدء "معركة حلب" المنتظرة؟، أم هي رسالة للرئيس الأمريكي الذي "لحس" اتفاق الهدنة الذي توصلت إليه بلاده مع الجانب الروسي؟

انطلقت معركة حلب مساء الخميس بحذر شديد، فالجيش العربي السوري الذي أعلن بدء عملياته العسكرية في الأحياء الشرقية لمدينة حلب "غير مستعجل" في السيطرة المباشرة، وإنما اختار المرور عبر مراحل العمل العسكري بكل تفاصيله. حلّقت الحوامات العسكرية وعلى متنها آلاف النسخ "التحذيرية" منها للمدنيين المحاصرين في تلك الأحياء تدلّهم على "طريق السلامة" حيث سيكون الجيش بانتظارهم لإخراجهم بعيداً عن ساح المعارك، وأخرى موجّهة للتنظيمات الإرهابية تقول له صراحة "قرر مصيرك"، لتنطلق بعدها الطائرات الحربية الروسية والسورية محمّلةً بتفاصيل مقار ومخابئ ومستودعات ذخائر وأسلحة الفصائل الإرهابية وتبدأ بعملية "جرد الحساب" قبل الوقوف لاحقاً على توزيع الحصص، أي دخول القوات المقتحمة من الجيش السوري والبدء بعمليات التحرير والسيطرة. حيث كانت الانطلاقة الأولى من جهة "مخيّم حندرات" محققةً تقدماً مرحلياً أرفقته القوات المقتحمة بالتثبيت السريع وخلق قاعدة نارية متقدمة تمهيداً للمرحلة الثانية على هذه الجبهة ..

الرئيس الأسد ألمح أمس للأسوشيتد برس بأن فرص السلام مع تلك الفصائل قاربت على نهايتها، وأن الدولة السورية منحت مع حلفائها هذه الميليشيات الإرهابية أكثر مما كان يتوقعون، لكنهم وبضغط من الدول الداعمة لهم "تركيا - السعودية - قطر - إسرائيل - الولايات المتحدة" لم يستثمروا هذه الفرص، وأن الكلام اليوم بات للميدان. أضف أن الرئيس الأسد لم يناور في أجوبته على أسئلة الوسيلة الإعلامية الأمريكية الأهم في الولايات المتحدة، وكانت أجوبته مباشرة خاصة حول الاعتداءات الأخيرة التي نفذتها أربعة طائرات أمريكية على مواقع الجيش السوري في جبل الثردة في مدينة دير الزور، وكان واضحاً ومباشراً في اتهامه الولايات المتحدة بمساعدة تنظيم داعش في السيطرة على أحد المواقع التي فشل التنظيم الإرهابي خلال السنوات الثلاث الماضية من الاقتراب منه وهو "جبل الثردة" المطل على مطار دير الزور. ربما كان الرئيس الأسد هو الرئيس العربي الوحيد أو الأوحد الذي يتعامل مع الجانب الأمريكي على أنه "ندّ" قوي له وليس "تابع"، وهو ما دفع الجانب الأمريكي لتخفيف لهجته تجاه الدولة السورية، وهو ما سمعناه أمس على لسان وزير الخارجية جون كيري، الذي بدأ بـ"توسل" موسكو للضغط على دمشق لمنعها من استهداف الفصائل المدعومة أمريكياً تحت مسمّى "المعارضة المعتدلة"، بعد أن علا صوته قبل يوم فقط مطالباً بـ"منطقة حظر جوي" على سلاح الجو السوري، وهو مارفضته موسكو مباشرةً.

مو سكو تعاطت مع المطالب الأمريكية لـ"الضغط على الرئيس الأسد" و"الموافقة على مبدأ الحظر الجوي" بحكمة شديدة، أظهرت مدى التناغم في الحلف الذي جمعها مع دمشق، وتأكد ما قاله الرئيس الأسد مراراً وتكراراً حول المزاعم الأمريكية أن روسيا وإيران هما من يحكمان دمشق وليس الرئيس الأسد، أن المسألة هي تفاهم بين أطراف الحلف، وأن المرجعية الحقيقة لأي اقتراح أو مطلب من أطراف هذا الحلب هي دمشق فقط، وبحسب الأولويات تتحرك أطراف الحلف الروسي السوري الإيراني لبحث مايمكن القيام به حيال المستجدات السياسية منها والعسكرية.

أمس، نعت واشنطن على لسان وزير خارجيتها جون كيري "الهدنة" أو الاتفاق الذي توصلت إليه مع روسيا، معتبرةً أنه لم يعد هناك ما يشجع على استمراره، أيضاً باراك أوباما اعتبر أن الأزمة السوري "قُدّم" لها كل الشيء، ولم يعد هناك المزيد من الخيارات لحلّها. بالوقت ذاته، قال سيرغي لافروف بعد اجتماع لـ"مجموعة دعم سورية" الذي عقد مساء الخميس وأعلن عن نتائجه فجر أمس الجمعة، أنه لم يحق الاجتماع أي تقدم، وأن الهدنة أيضاً لم تعد قابلة للاستمرار. أيضاً هذا يدل على هشاشتها منذ بداية الحديث عنها، وأثبتت بنودها أنه ليس لسورية المصلحة في لإفشالها بل على العكس، فإفشال هذه الهدنة هي مصلحة أمريكية بحتة وبضغط من الكونغرس، خاصة وأن بنودها تحافظ -على الأقل- على مكتسبات الجيش السوري وتدعّم موقفه بمواجهة التنظيمات التي حاولت منذ اليوم الأول خرقها لاستفزاز الجيش، إلا أنه حافظ على ثباته حتى انتهت أيامها السبعة، ومن ثم أصدرت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية - وليست الروسية - بيانها الذي أعلنت فيه مواصلة العمليات العسكرية بعد سلسلة خروقات قابها الجانب الأمريكي تارةً بـ"التطنيش" وأخرى باتهام الجيش السوري بالرغم من أن المناطق التي تعرضت للقصف ومحاولات التسلل والهجوم، هي مناطق سيطرة الجيش وليس مناطق مسلحين، كما تجنّب مثلاً، التعليق على سلسلة الغارات الإسرائيلية على مواقع الجيش في القنيطرة، حينما تدخلت تل أبيب رسمياً في "معركة قادسية الجنوب" التي أعلنتها الفصائل الإرهابية في المنطقة وفشلت في تحقيق أهدافها، وهي بالمناسبة تُشبه كثيراً التدخل الأمريكي في دير الزور الذي سمح لتنظيم داعش بالاقتراب أكثر من المطار العسكري، بالرغم من نجاح الجيش السوري من استيعاب الهجوم العدواني و"تحجيم" التقدم الذي حققه التنظيم في "الثردة".

إذاً .. انتهت الهدنة بشكل شبه رسمي، وبدأ بعدها الجيش السوري حربه الكبرى في حلب. أوباما سيقف متفرجاً على القصاصات الورقية "بدايةً" وهي تنهال على الفصائل داعيةً إياهم لتسليم أنفسهم أو على الأقل أن "يقرر مصيره"، ثم سيستمع بإصغاء شديد للطائرات والآلات العسكرية وهي تبدأ بتدمير أوكار ومقار ومستودعات الذخيرة التابعة لهؤلاء والتي كلّفت  الميزانية السعودية مليارات الدولارات لشرائها من الولايات المتحدة، وكلفت الميزانية الأمريكية أيضاً ملايين الدولارات لنقلها إليهم وتدريهم عليها.. فالرئيس الأسد يريد أن "يزور حلب" قريباً .. هكذا قال أمس للأسوشيتد برس، ومن المعروف أنه كلما قال يريد أن يزور منطقة "يفعلها"، من بابا عمر في حمص إلى جوبر التي زارها مرتين ثم داريا التي أيضاً زارها مرتين .. فهل يزور حلب قريباً ..؟، نعم سيزورها .. وما على باراك أوباما إلا أن يلهي نفسه بقراءة إحدى القصاصات الورقية التي ترميها الحوامات السورية عادة على تجمعات الميليشيات المسلحة قبل تحريرها، وتقول لهم فيها: "قرر مصيرك". على الأقل هكذا فهمنا رسالة الرئيس الأسد لأعدائه الخميس .. وأوباما منهم.