أميركا ـ روسيا والجولة الأخيرة في المبارزة السوريّة

أميركا ـ روسيا والجولة الأخيرة في المبارزة السوريّة

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٢٠ سبتمبر ٢٠١٦

المحامية سندريلا مرهج
تعتقد الإدارة الأميركية الحالية أن الهجوم على الجيش السوري سيموت بمرور الزمن. هي مقتنعة أنها وعلى جري عادتها ستبقى فوق الملاحقة والمحاكمة والمحاسبة، ذلك أنها هي من يضع الشروط حتى على الدول التي تحتلّها وتدمّرها كما كان الشأن في العراق حيث فرضت على المشرّع العراقي منع ملاحقة جنودها وضباطها. وليس العرب في طبيعة الحال من سيلاحق قضائيا أميركا لأن معظمهم ينشد ودّها ويطلب حمايتها، وبعضهم يعتبرها مبرر وجوده وبعضهم الآخر يخاف تبعات الملاحقة. لكننا لا نعتقد أن الهجوم الموصوف هذه المرّة ضد الجيش السوري هو من النوع الذي سيندثر مع الايام، بل على العكس تماما فهو قد يغيّر جزءا كبيرا من المعادلة العسكرية والسياسية التي حكمت حتى الآن التفاهمات الأميركية-الروسية... لماذا؟

اولا: تبين من تلميحات الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن موسكو تعاطت مع القصف الأميركي ليس فقط على أنه دعم وقح لـ"داعش"، وإنما على أنه رسالة واضحة من البنتاغون ضد الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه. قالت زاخاروفا: لم نعد نعرف من يقرّر في أميركا، البيت الأبيض أم البنتاغون. هذا يعني أن موسكو تشعر بأن القيادة العسكرية الأميركيّة هي التي تسعى لضرب التفاهم الأميركي-الروسي بشأن الهدنة والتمهيد للحل السياسي.

ثانيا: إن تزامن الضربة الأميركية مع التحرك الإسرائيلي ضد الجيش السوري والكلام عن إسقاط الدفاعات السوريّة لطائرة اسرائيلية، جاءا في ذروة التفاهم الأميركي-الروسي الذي أدى إلى الهدنة، واعترف المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا ستيفان دي مستورا بتراجع كبير للهجمات، وبلغ به التفاؤل حدّ توقع استئناف المحادثات السورية في منتصف الشهر المقبل... لذلك سارع الطرف المتضرر من الهدنة إلى قلب المعادلة ووقف التفاهم عبر الهجوم على الجيش السوري. هذا يعني بوضوح أن القيادة العسكرية الأميركية أرادت القول لأوباما أن دوره في سوريا قد انتهى، وأنها هي صاحبة الكلمة الفصل بانتظار الرئيس المقبل.

ثالثا: جاء الهجوم الأميركي على الجيش السوري بعد الزيارة الناجحة جدا التي قام بها رئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف إلى أنقرة، ليتبيّن بعدها أن القيادة التركية أعلنت سلسلة من الخطوات ضد "داعش" وعبر الحدود، ما ضاعف القلق عند خصوم كل من روسيا والرئيس السوري بشار الأسد بأن تركيا ربما قطعت شوطا بعيدا في التفاهمات مع طهران وموسكو، ما يعني اولا سحب الورقة الكرديّة من يد واشنطن، وثانيا قلب المعادلة في الشمال السوري ضد مصالح واشنطن وحلفائها...

رابعا: ما أن انجلى غبار القصف الأميركي ضد الجيش السوري في دير الزور، حتى كانت نتائج الانتخابات البرلمانية الروسية تكشف عن فوز حزب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فيها، ما عزز موقعه ليس في الداخل الروسي فحسب وإنما في سياق دوره العالمي واستراتيجيته الدولية في مناطق الصراع وفي مقدمها سوريا.

لنراقب إذاً المشهد. أوباما يجمع حقائبه وملفاته وصناديقه استعداداً لمغادرة البيت الأبيض تاركاً خلفه فشلاً في سوريا، وتبايناً مع البنتاغون، وترددًا في العراق، وعقماً في فلسطين وتنافرًا مع السعودية وتركيا، بينما بوتين يعزّز وضعه السياسي الداخلي ويتقدم على الجبهة السوريّة ويكشف عورة أميركا من خلال حشرها في الزاوية حيال "داعش" و"النصرة"، ويذهب إليه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس طلباً للوساطة، ويتحدث فريقه عن السعي لتسوية محتملة فلسطينية إسرائيلية... فكيف سيتصرّف إذاً حيال الخرق الأميركي الفاضح للهدنة ودعم واشنطن المباشر أو غير المباشر للمسلحين الارهابيين؟

لا يوجد أدنى شكّ بأن بوتين بات يائساً من تحقيق أي اختراق سياسي كبير مع واشنطن، وان الحسم العسكري سيكون الفيصل... لا بأس إن بقي الكلام عن الهدنة وعن المفاوضات والحل السياسي حاضرًا، لكن الأكيد أن موسكو وطهران ودمشق وحزب الله يجهزون للمبارزة الأخيرة والتي ستنتهي حكمًا باستعادة حلب وأريافها.

النشرة