باب «جنة الجهاديين» وبنغازي سورية ..إدلب: قنبلة الحرب التي انفجرت

باب «جنة الجهاديين» وبنغازي سورية ..إدلب: قنبلة الحرب التي انفجرت

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٨ سبتمبر ٢٠١٦

بينما كان العالم يتابع أخبار درعا في أقصى الجنوب السوري، وفي وقت كانت تعيش فيه جميع المدن السورية حياة طبيعية، بدأت تركيا بناء مخيمات لاستقبال النازحين في أقصى الشمال السوري استعداداً لتحرك مرتقب سيغيّر شكل محافظة إدلب، ويضعها في مقدمة الحرب.
قبل اندلاع الحرب السورية، كانت تعاني محافظة إدلب بشكل عام من تدنٍّ في الخدمات، نسبة تسرّب مدرسية مرتفعة، انشغال بأعمال الزراعة وبعض الأعمال التجارية، وانغلاق في بعض المجتمعات التي يسودها «الإيمان الفطري»، و «الإسلام غير الواعي» و «القابل للتطرف». كانت تمثّل إدلب أرضاً خصبة لمشروع تغيير في بنيتها، خصوصاً أنها ذات لون طائفي واحد مقرون بأحداث تاريخية دموية. كما أن الحرب العراقية، وسفر بعض أبناء إدلب للمشاركة فيها من باب «الجهاد» زاد من خصوبة هذه الأرض، خصوصاً مع عودة قسم منهم.
بين العامين 2007 و2010 شهدت المحافظة حملات أمنية عديدة لضبط العصابات، كذلك كانت تشهد انخفاضاً في مستويات التوظيف وارتفاعاً في البطالة احتلت على اثرها المرتبة السابعة بين المحافظات السورية، وفق إحصاءات المكتب المركزي، وقد تصدرت المحافظات الشرقية القائمة بسبب موجة الجفاف التي ضربت سوريا في السنوات التي سبقت اندلاع الحرب.
غابت المشاريع التنموية الكبيرة عن محافظة إدلب، الأمر الذي حوّل المحافظة بشكل عام إلى ريف أقل تطوراً من بقية المحافظات السورية، وقد مثّلت جميع العوامل السابقة شرارة الأحداث.
بعد نحو أسبوعين من اندلاع الأحداث في محافظة درعا جنوباً، بدأت وسائل الإعلام تهتم بمحافظة إدلب، الشحن الطائفي والعاطفي مثّل الشكل العام للخطاب الموجّه إلى أبناء المحافظة، تكثّفت الحكايات والأخبار الكاذبة عن انتهاكات تعرّض لها مواطنون، منها على سبيل المثال أكذوبة اغتصاب عناصر في الجيش السوري لإحدى فتيات منطقة جبل الزاوية، وحادثة زينب الحصني التي قيل إنها أول فتاة تموت بعد اعتقالها، ليتبين في ما بعد ان الأمر برمّته عبارة عن كذبة بعدما ظهرت على شاشة التلفزيون السوري.
قرب محافظة إدلب من تركيا حوَّل المناطق الحدودية إلى معابر لنقل الأسلحة والمقاتلين، وهو أمر جعل ملامح الحرب، التي بدأت في حزيران العام 2011، تظهر بشكل أوضح، وفي العام ذاته، بعد ثلاثة أشهر من اشتعال نيران الحرب، حاصر مسلحون مفرزة الأمن العسكري في جسر الشغور المحاذية لتركيا، وارتكبوا مجزرة بحق 80 عنصراً كانوا داخل المفرزة، على أن جسر الشغور يُعتبر أحد أبرز المعاقل التاريخية لجماعة «الاخوان المسلمين».
قبلة «الجهاد» الأولى
الظهور المسلح العلني ازداد انتشاراً، تركّز في أرياف محافظة إدلب، ترافق مع استمرار تدفق المقاتلين، كان الليبيون في مقدمة المسلحين الوافدين إلى سوريا عبر بوابة إدلب، فأسس المهدي حاراتي الذي قاتل في طرابلس فصيلاً حمل اسم «لواء الأمة» في محافظة إدلب، قبل ان يتخلى عن قيادته في مراحل لاحقة من الحرب السورية، ويصبح هذا الفصيل المكون أساساً من مقاتلين غير سوريين تابعاً لـ «الجيش السوري الحر».
شكّل أبناء إدلب أكبر نسبة من الضباط والعناصر الفارين من الجيش السوري (المنشقين) في مطلع الحرب، وخلال الشهر ذاته الذي شهد مجزرة جسر الشغور، ظهر المقدم حسين الهرموش معلناً تأسيس «حركة الضباط الأحرار»، التي مثّلت الحجر الأساس لتشكيل «الجيش الحر» قبل أن يُعتقل بعد نحو خمسة أشهر.
استمرت المعارك في محافظة إدلب بين كرّ وفرّ، قضم خلالها «الجهاديون» الريف الجبلي الوعر والسهول الممتدة في محيط مدينة إدلب، ليبقى مركز المحافظة (إدلب) و مدن أخرى عدة أبرزها جسر الشغور وأريحا تحت سيطرة الجيش السوري حتى مطلع العام 2015.
سقوط الشمال
خلال الفترة الممتدة بين العام 2011 ومطلع العام 2015، وخروج ريف إدلب عن سيطرة الحكومة، نمت بشكل كبير الحركات والتنظيمات «الجهادية»، وهي استفادت من سيطرتها على المعابر مع تركيا (معبر باب الهوى) لتأمين إمدادات لوجستية ومعدات عسكرية دائمة، كذلك استمر تدفق «الجهاديين» الباحثين عن «الجنة» من الأراضي التركية عبر بوابة الشمال، إدلب.
إلى ذلك، تسببت المعارك بخراب مساحات زراعية واسعة وسرقة للمداجن وتدمير وسرقة مصانع ومعامل عدة وغيرها، ما ساهم في ارتفاع معدل البطالة وانقطاع سبل الحياة، وهي فرصة استغلتها الفصائل «الجهادية» في استقطاب المقاتلين، بالإضافة إلى اهتمامها الكبير في الأطفال والمراهقين الذين وجدوا أنفسهم من دون مدارس، ما ساهم في تشكيل «جيش» من الانتحاريين، انتظر اللحظة المناسبة للانقضاض على ما تبقى من المحافظة.
مزيج من «النقمة» على إهمال المحافظة، وتاريخ دموي يحيط بها، وتبشير بـ «جنة» موعودة، وإغداق متواصل للمال مقرون بـ «سلطة»، وإمداد متواصل بالسلاح النوعي وتغطية إعلامية متواصلة، وتجييش طائفي ومناطقي عوضاً عن شحن عاطفي متواصل، بالإضافة إلى وجود آلاف المقاتلين الأجانب، كلها عناصر ساهمت في تشكيل «جيش» بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فانتقل أسلوب القتال من «حرب عصابات» إلى حرب نظامية انتهت بسقوط كامل محافظة إدلب بيد الفصائل «الجهادية» المكوّنة لـ «جيش الفتح» والتي تمثل «جبهة النصرة» و «حركة أحرار الشام» أبرزها.
«إمارة الشمال»..
منفى ومنطلق
سقوط محافظة إدلب نقلها إلى طور جديد، العمل «الجهادي» ارتقى بشكل كبير، معسكرات التدريب العديدة، مراحل عمرية مختلفة، كلها تغيّرات اجتماعية حوّلت بمجملها إدلب إلى «إمارة» جهادية.
جذبت هذه «الإمارة» اهتمام الفصائل المسلحة التي كانت تنتشر في بعض المدن السورية قبل أن تحاصرها قوات الجيش السوري، فمسلّحي حمص القديمة اختاروا النفي إلى ريف حمص الشمالي، ومنه انطلق قسم كبير منهم إلى إدلب، كذلك تمّ نقل مسلحي داريا إلى الوجهة ذاتها بعدما رفض طلبهم بالنقل إلى درعا، الجبهة الجنوبية الهادئة. كذلك يجري الحديث عن بدء المفاوضات لإخراج مسلحي الوعر في مدينة حمص ونفيهم إلى إدلب وتسلّم الجيش السوري آخر معاقل المسلحين في المدينة.
التوسُّع شمالاً حوَّل الأنظار إلى حلب، «فتح آخر» حلُم به «الجهاديون» بعد توفّر جميع معدّاته ووجود مخزون بشري انتحاري كبير، فانطلق الزحف «الجهادي» من إدلب نحو الجارة حلب، لتنكسر موجات «الجهاديين» المتعدّدة على أبواب المدينة الغربية الجنوبية، ضمن ظروف سياسية واقتصادية وعسكرية معقدة، حافظت حتى الآن على مدينة الشهباء خارج نطاق المشروع «الجهادي».
التمدّد «الجهادي» المنطلق من إدلب، يشبه تماماً أحداث الحرب الليبية عندما تحوّلت مدينة بنغازي الساحلية إلى منطلق للمسلحين الذين تدفقوا عبر البحر، مع فوارق في الجهات الداعمة للمسلحين والظهور العلني للأيديولوجيا «الجهادية» وإدارة الحرب السورية والأطراف المتناحرة، وقد أفضى كل ما تقدّم إلى نتيجة حتمية أنه حتى وإن انتهت الحرب، فإن «عاصمة الجهاديين» ستعاني الكثير، وهي ستحتاج إلى جهود مضاعفة لإزالة الوشاح الأسود عنها، وقلع بذور التطرّف التي باتت متجذّرة فيها.
إلى ذلك، أعلن المتحدث باسم حركة «النجباء» العراقية هاشم الموسوي، أمس، أنّ جماعته، وهي إحدى فصائل «الحشد الشعبي»، أرسلت أكثر من ألف مقاتل آخر إلى الأجزاء الجنوبية من مدينة حلب السورية خلال اليومين الماضيين لتعزيز مواقعها في المناطق التي انتُزعت من المعارضة السورية المُسلّحة.