سورية.. جبهات مشتعلة وأخرى تترقب

سورية.. جبهات مشتعلة وأخرى تترقب

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٣٠ أغسطس ٢٠١٦

 ما إن تتقلص مساحة المواجهات والاشتباكات بين الجيش السوري المنتشر على مساحات واسعة من الأراضي السورية من جهة والمسلحين على مختلف انتماءاتهم من جهة أخرى حتى تعود جبهات أخرى للاشتعال

 ومع أن بعض الجبهات اتخذت طابع الاشتباكات المتقطعة أو طابع الكر والفر، إلا أن جبهات أساسية مثل جبهة حلب تليها جبهة حماة اكتسبتا صفة الديمومة القتالية مع منسوب مرتفع في حدة القتال وصل في كثير من الأحيان إلى تراجعات ملموسة لقوات الجيش السوري لصالح تقدم المسلحين في هاتين الجبهتين، والعكس صحيح حين يتقدم الجيش السوري ويبسط سيطرته على مواقع كانت تحت سيطرة المسلحين، وهذا الوضع يمكن تسجيله بشكل خاص على هاتين الجبهتين، أما ما يتعلق بواقع المعارك في جرابلس أقصى شمال سورية فإن الأمر بات مختلفا مع دخول الجيش التركي بريا وجويا وميدانيا على خط القتال لا بل إن القوات الخاصة التركية هي من يدير وينفذ عملية التقدم على الأرض المدعومة بسلاح الجو والمدفعية والدبابات وغيرها.

ونظرا لطبيعة الأهداف المرسومة من قبل تركيا لهذه العمليات فقد يصح القول بأنها خارج إطار الصدام المباشر بين الجيش السوري والمسلحين إذ تكتسب المعارك في تلك البقعة من الأرض السورية صفة خارجية فالمستهدف علنا من قبل درع الفرات التركية هو تنظيم داعش والمسلحين الأكراد الذين باتوا على تخوم الحدود التركية لكن ما بعد الاستهداف المباشر على الأرض يشكل عناوين المسار لهذه الأحداث وربما الأهم يبعث على القلق من تطوراتها وتداعياتها طالما أن العنصر السوري يشكل محورها سواء في انتمائه الكردي، أو العربي ممثلا بالمسلحين الذين ينفذون جانبا من عملية درع الفرات التركية على الأرض السورية.

في حين يبدو المشهد الحلبي أكثر تعقيدا إذ تتداخل فيه مصالح أطراف داخلية وإقليمية وخارجية، مما أكسب القتال في تلك الجبهات صفات العنف الشديد والاستمرارية، والأبرز قدرة المسلحين المدعومين من الخارج على إحداث خروقات واختراقات كبيرة، تمثلت في الآونة الأخيرة بالرد على مكاسب الجيش السوري في بني زيد، والليرمون، وطريق الكاستيلو الاستراتيجي، بالسيطرة والاستيلاء على عدد من الكليات العسكرية وعلى منطقة الراموسة الاستراتيجية وبالتالي فتح خط إمداد بديل عن ذلك الذي خسرته في الليرمون والكاستيلو، الأمر الذي زاد من اشتعال جبهات القتال والمواجهة بفعل رد الجيش السوري بصنوف سلاحه المختلفة على مواقع المسلحين وتجمعاتهم في الكليات ومحيطها وكذلك الراموسة وعدد من أحياء شرق حلب التي تقع تحت سيطرة المسلحين الذين يستخدمون أنواعا عدة من القذائف الصاروخية والهاون في استهداف بعض أحياء غرب حلب الواقعة تحت سيطرة الدولة السورية بينما يشتد القتال دون هوادة ودون توقف على محور جبهة الكليات والراموسة بين الطرفين دون تسجيل أي تقدم يذكر لهذا الطرف على حساب الطرف الآخر حتى الآن.

ومع خصوصية كل جبهة على حدة تبقى جبهات القطاع الغربي والشمال الغربي لسوريا والمقصود اللاذقية وحماة وحمص وأريافهم ذات دلالات هامة في سكونها وفي تفجرها، في جبهة اللاذقية لم يعد هناك ما يمكن وصفه بالمعارك الكبرى بعد تأمين المدينة وإبعاد خطر الجماعات المسلحة عن أهم بلدتين لطالما شكلتا مخزونا استثنائيا للمسلحين بالرجال والعتاد وخطوط الإمداد، وهما بلدة سلمى، وبلدة ربيعة، في الريف اللاذقاني لتبقى المواجهات والكر والفر وعمليات القصف الجوي والمدفعي متقطعة على جبل الأكراد وجبل التركمان وبلدة كنسبا في ريف اللاذقية.

بيد أن جبهة حماة وريفها تحديدا شهدت على مدار الأزمة التي تجاوزت السنوات الخمس عمليات قتالية وكر وفر بشكل ملحوظ، وكلما اشتعلت جبهات حمص وحلب وشكل الجيش السوري تهديدا مباشرا لمسلحي تلك الجبهات، تبرز مجددا جبهة حماة لتطل برأسها تحت عنوان تخفيف الضغط عن إحدى تلك الجبهات، وهو حاصل حاليا إذ أعلن المسلحون في الساعات الماضية عن بدء هجوم وفتح عدد من الجبهات ضد قوات الجيش السوري للأهداف سابقة الذكر، ولكن مع أن المسلحين في جبهة ريف حماة كانوا قد حققوا اختراقات واسعة باتجاه مدينة مورك الاستراتيجية كونها تقع على الطريق الدولي الواصل بين دمشق وإدلب وحلب، إلا أن القوات السورية كانت تصب كل إمكانياتها في دفع المسلحين بعيدا عن المراكز الاستراتيجية التي يسيطرون عليها، مع إبقاء جبهات ريفية حموية أخرى في طور المناوشات والمشاغلات دون توسيع الدائرة لصالح جبهات أكثر أهمية من وجهة نظر الجيش السوري.

وغير بعيد عن حماة تعود جبهة حمص إلى الواجهة مجددا عن طريق آخر أحيائها التي لا تزال تؤوي المسلحين، وهي جبهة حي الوعر آخر أحياء حمص التي ما تزال خارج سيطرة الدولة السورية، إذ يشهد محور الحي عمليات قتالية عنيفة مستمرة منذ حوالي أسبوع بين المسلحين المحاصرين داخله والقوات السورية التي تؤازرها الطائرات الحربية دون أن يتمكن طرف من تحقيق تقدم على الآخر.

أما جنوبا فتبدو هذه الجبهة – درعا وريفها والقنيطرة وريفها -  ذات خصوصية، فمع الانتشار الواسع لمناطق سيطرة المسلحين فيهما إلا أنه قليلا ما تشهد جبهاتها اشتعالا عنيفا للقتال لكن المواجهات في أغلب الأحيان تتسم بعمليات القصف المتبادل بين المسلحين والجيش السوري أو الكر والفر في بعض الأحيان.

وفي دير الزور شرق سوريا فإن الاشتباكات بين الجيش السوري وعناصر تنظيم "داعش" مستمرة دون انقطاع لأسباب أبرزها ثبات المواقع التي يتحصن فيها الجيش السوري، وهي عبارة عن ستة أحياء من كامل مساحة محافظة دير الزور وريفها المقدرة بأكثر من عشرة آلاف كيلو متر مربع، والذي يسيطر عليه تنظيم "داعش" الإرهابي، إضافة إلى سيطرة الجيش وصموده على مدار أكثر من ثلاث سنوات في مطار دير الزور العسكري – المدني – وجبال الثردة القريبة منه وكذلك جزء من قرية الجفرة المقابلة له، حيث تتواصل الاشتباكات المباشرة بين الجانبين مترافقة مع قصف ينفذه الطيران السوري ضد مواقع داعش، بالمقابل لا يمر يوم إلا ويقوم عناصر "داعش" بتنفيذ عمليات انتحارية ضد تحصينات الجيش السوري في محيط المطار في محاولة لاقتحامه أو اختراق أسواره، كما يسلك تنظيم "داعش" أسلوب القصف بالقذائف الصاروخية والهاونات للأحياء التي لا تزال خاضعة لسيطرة الدولة السورية هناك.

في حين تبقى الجبهة الدمشقية ومحيط العاصمة حبلى بكثير من التكهنات خاصة وأن عددا من الأحياء الملاصقة للعاصمة لا تزال تشكل عنصرا هاما بل وربما يكون الأخطر في سياق مجمل الأزمة السورية، وهو حي جوبر وحي برزة البلد وحي القابون وخلفيتهم الممتدة جغرافيا إلى الغوطة الشرقية التي تعد خزانا كبيرا للمسلحين والعتاد الذي يغذي هذه المجموعات، فحي جوبر عنوان لخط تماس قتالي هو الأصعب بنظر المراقبين في مواجهة الجيش السوري، فهذا الحي جزء من العاصمة ولا يبعد عن قلب محورها الرئيسي سوى بضع كيلو مترات، وهو يختزن سلاحا وعتادا ومسلحين بشكل كبير وفقا لتقديرات المراقبين والمعنيين، فضلا عن وجود شبكة أنفاق يخشى الكثيرون من أن تكون ممتدة إلى بعض أحياء العاصمة المتاخمة للحي، وكثيرا ما حاول الجيش السوري اقتحام الحي ولكن دون تحقيق شيء يذكر.

ومع إنجاز مصالحات في حيي برزة والقابون الملاصقين أيضا للعاصمة إلا أنهما يشهدان أحيانا توترا واشتباكات محدودة سرعان ما يصار إلى تطويقها، لتبقى الجبهات الأهم في عمق الغوطة الشرقية بعد إخراج داريا من دائرة الصراع في الغوطة الغربية، فالقسم الشرقي من غوطة دمشق يضم دوما وحرستا وعربين وسقبا وعين ترما، وعددا من البلدات الواقعة تحت سيطرة المسلحين، ويشكل فصيل "جيش الإسلام" الحضور الأكبر للمسلحين فيها، وخلال الأسابيع القليلة المنصرمة حقق الجيش السوري تقدما ملموسا في محيط دوما، باستعادته السيطرة على عدد من المواقع والبلدات في عمق الغوطة الشرقية من اتجاه طريق المطار شرقا وكذلك غير بعيد من دوما والشيفونية شرقا.

عبد الحميد توفيق - دمشق