الرسائل النارية من همدان إلى حلب..

الرسائل النارية من همدان إلى حلب..

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٢٨ أغسطس ٢٠١٦

عمر معربوني - بيروت برس -
شهر آب "اللهّاب" لم يكن عالي الحرارة فقط، فهو هذه السنة كان حمّال العديد من الرسائل الناريّة التي كانت واضحة من خلال اشتعال الميدان في المنطقة من اليمن الى العراق الى سوريا وليبيا، لكن الجبهة السورية تميزت بإحتدام الصراع بشكل غير مسبوق تجاوز كل مألوف الحرب على مدار خمس سنوات ونصف إضافةً الى العديد من المتغيرات في المواقف السياسية التي وصل صداها هذه الأيام الى الصين، فهل نحن امام مشهد نهاية الحرب أم بدايتها؟

خلال شهر أو أكثر، كنا أمام تحولات مفصلية ومتغيرات لم تأتِ بالصدفة وانما كانت ترجمة لإتفاقات واستعدادات من جانبي الصراع بمختلف تلاوينهم، خصوصًا أنّ الجميع يعلم أنّ اجتماع وزراء سوريا وروسيا وايران لم يكن اجتماعًا ترفيهيًا أو بروتوكوليًا، وإنما كان للإتفاق على برنامج عمل لحسم الخيارات الإستراتيجية وتوفير الإمكانيات والظروف اللازمة، وهو ما تبدى بشكل واضح من خلال قطع طريق الكاستيلو ووضع الجماعات المسلحة في احياء حلب الشرقية داخل الطوق، وهو الأمر الذي لا يزال حاصلًا رغم الهجمات الكبيرة والتي لا تزال مستمرة بهدف كسر الطوق.

المشهد الميداني في حلب برأيي لم يحمل متغيرات جذرية رغم سيطرة الجماعات المسلحة على منطقة الكليات وبعض اجزاء الراموسة، فالهدف من الهجوم الذي لا يزال مستمرًا كان كسر الطوق عن الأحياء الشرقية ووضع الأحياء الغربية تحت سيطرة الدولة في حالة الحصار، فلا كسر الطوق تحقق ولا الأحياء الغربية محاصرة رغم أنّ الطريق البديل الى هذه الأحياء يزيد بمسافة 32 كلم عن طريق الراموسة، فهو يؤمن لمدينة حلب كامل احتياجاتها المدنية والعسكرية.

بعد أسابيع من الهجوم المستمر للجماعات المسلحة، ورغم سيطرتها على منطقة الكليات، فإنّ هذه الجماعات دخلت في مرحلة الإستنزاف من خلال استعادة الجيش السوري لزمام المبادرة وتحسين شروط المدافعة والإنتقال الى الهجوم المضاد، وما السيطرة على تلة ام القرع الهامة إلّا دليل حول قدرة الجيش السوري على استعادة المناطق التي سيطرت عليها الجماعات المسلحة، وهذا يشكل بدون ادنى شك الرسالة الأولى الأكثر أهمية وهي قدرة الجيش السوري على التكيف مع مستجدات الميدان.

الرسالة الثانية وهي رسالة ترتبط بجوهر المواجهة في سوريا وتتعلق بسيادة سوريا ووحدة اراضيها، حيث قام الطيران الحربي السوري وللمرة الأولى منذ بداية الحرب على قصف مواقع للأسايش في الحسكة بعد محاولات للسيطرة على المقرات الحكومية وطرد الجيش من المدينة.

الرسالة الثالثة كانت رسالة استراتيجية بإمتياز عندما انطلقت القاذفات الروسية من قاعدة همدان الإيرانية ونفذت ضربات ضد داعش والجماعات المسلحة الأخرى، وهو تدبير يحمل الكثير من الرسائل باتجاهات مختلفة اولها للولايات المتحدة وثانيها لدول الخليج وثالثها في البعد العملاني الميداني. ورغم عودة هذه القاذفات للعمل من قواعدها الأساسية جنوب روسيا، ورغم بعض الإعتراض الإيراني الداخلي وتعارض الأمر مع بعض البنود الدستورية بحسب المعترضين إلّا أنّ التجربة يمكن أن تتكرر، حيث توجد معاهدة دفاع مشتركة بين ايران وسوريا وحيث أنّ التصريحات الإيرانية برّرت انطلاق القاذفات الروسية من قاعدة همدان بطلب سوري من ايران وللأسباب ذاتها التي استدعت الأمر او غيرها، مما يعتبر عملًا مشتركًا ضد الإرهاب العدو المشترك لروسيا وايران.

الرسالة الثالثة جاءت مع زيارة الوفد العسكري الصيني ولقائه بوزير الدفاع السوري، وما سينتج عن اللقاء من تدابير واجراءات سيكون قدوم طائرات صينية للمشاركة بضرب مواقع الجماعات الإرهابية وخصوصًا منها جماعة الإيغور الصينية، إضافةً الى تقديم المعونات العسكرية من معدات واسلحة واستشارات وتدريب وغيرها من الأمور التي تجعل من الصين منخرطة بشكل مباشر في الصراع، وهو بحد ذاته سيكون تحولًا كبيرًا.

الرسالة الرابعة وهي قدرة الدولة السورية على ادارة المفاوضات الداخلية مع جماعات مسلحة دون وسيط، والوصول معها الى تسويات مهمة كتسوية داريا التي انتهت بعودة سيطرة الجيش السوري على كامل داريا وخروج المسلحين منها الى ادلب، واختيار البعض منهم تسوية وضعه والإنخراط مجددًا في الحياة المدنية، وهو نموذج سيعطي الدولة السورية الكثير من المصداقية وسيشجع الكثير من الجماعات على سلوك نفس الطريق الذي سلكه مسلحو داريا، وما مطالبة مسلحي المعضمية اليوم بتسوية مماثلة الا دليل على صحة هذا الكلام.

في العام، نحن امام مرحلة اصطفافات جديدة على المستويين الإقليمي والدولي لا تعني نهاية الحرب غدًا، ولكنها ستؤسس لموازين قوى جديدة ومختلفة سيكون انتخاب رئيس جديد لأميركا بداية لمرحلة من الصراع، وهذا ما يفسر الرسائل التي ارسلها الروس والصينيين في هذا التوقيت بالذات، مع الإشارة الى أنّ التحرك التركي باتجاه جرابلس يندرج ضمن محاولة الأتراك حجز مقعد لهم في المفاوضات القادمة إن حصلت لتحسين شروط تموضعهم في الإقليم.