عنصرية تركية تطارد السوريين: «اذهبوا إلى الجحيم»

عنصرية تركية تطارد السوريين: «اذهبوا إلى الجحيم»

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٢٥ يوليو ٢٠١٦

لم يكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعلن نهاية شهر رمضان الماضي عن خطته لتجنيس السوريين، حتى بدأت تتضخم ظواهر عنصرية في الشارع التركي عموماً وانعكست بأفعال شغب وهجمات على محلات وبيوت يقطنها سوريون، إضافة إلى اعتداءات بالضرب وبالأسلحة الحادة تعرض لها عدد كبير من اللاجئين السوريين في تركيا، الأمر الذي بدأ يهدد مستقبل أكثر من 2.5 مليون لاجئ في ظل استمرار الحرب السورية.
يروي محمد، وهو لاجئ سوري مقيم في أنقرة، تفاصيل ليلة «مرعبة» عاشها السوريون يوم 17 من الشهر الحالي في حي أوندر في العاصمة أنقرة، عندما شن عشرات الأتراك هجمات عنيفة على منازل ومحلات السوريين في المنطقة وقاموا بسرقتها وحرق بعض أثاثها، بالتزامن مع هجمات أخرى تعرض لها سوريون في غازي عنتاب وأورفة وحتى اسطنبول، حملت بمجملها طابعاً «عنصرياً». يقول محمد وهو من مدينة إدلب لـ «السفير»: «في تلك الليلة كان الشارع مكتظاً بالمتظاهرين الذين خرجوا تلبية لدعوة أردوغان، وكان بينهم عدد كبير من السوريين، فجأة تهجّم عشرات الأشخاص من المشاركين في التظاهرة على محلاتنا، وقاموا بسرقة محتوياتها وتحطيم الأثاث وضربنا، كما ألقوا قنابل مولوتوف (زجاجات حارقة) يدوية الصنع على المحلات، ما أدّى إلى اشتعال بعضها».
بدوره، يشدد سعيد، وهو لاجئ سوري في تركيا، خلال حديثه إلى «السفير»، على أن «هذه الاعتداءات جرت أمام أعين رجال الشرطة الذين انتظروا حتى انتهى المخربون من اعتداءاتهم ليتظاهروا بأنهم يتدخلون لفض النزاع»، موضحاً أن «الأتراك كانوا يصرخون ويهددوننا بالقتل. أحدهم كان يصرخ: اذهبوا إلى الجحيم، رغم ذلك لم ننجرّ للقتال معهم، تركنا محلاتنا وجلسنا في منازلنا ننتظر».
وشمل الاعتداء في تلك الليلة أكثر من ثلاثين محلاً في الحي الذي يشكل السوريون نسبة مهمة فيه، كما تناقل عشرات الناشطين صوراً للمحلات بعد تعرضها للسرقة والتخريب، إلا أن هذه الصور لم تجد طريقها إلى الإعلام وسط حالة الفوضى التي تعيشها تركيا إثر الانقلاب الفاشل.
بعد الحادثة، رفض معظم السوريين الذين تضررت متاجرهم الإبلاغ عما حصل معهم خشية «زيادة الاحتقان، خصوصاً أننا نعرف بعض الأشخاص الذين تهجموا علينا»، وفق تعبير سعيد، الذي أوضح أن «الهجوم على محلاتنا لم يكن اعتباطياً فقد دعا الأتراك إليه بشكل علني، وحصلوا على موافقة للتظاهر ضدنا نتيجة خلافات سابقة بيننا، ثم جاء الانقلاب وما تبعه من فوضى ليفسح المجال لهم للاعتداء علينا».
وفي أنقرة أيضاً، يروي أنس، وهو لاجئ سوري من مدينة حلب، تفاصيل ما واجهه في المستشفى بعد تعرضه لحادث سير تسبب له بكسور عدة، يقول: «نقلت إلى المستشفى بسيارة إسعاف، جاء أحد الأطباء المسعفين وألقى نظرة عليّ قبل أن يتركني ويذهب، بقيت بمفردي أكثر من نصف ساعة، كنت أنزف من جروح في يديّ وقدميّ»، ويتابع: «بعد ذلك جاء أحد الأطباء وقام بتضميد جراحي ولفّ الكسور وقام بتجبيرها من دون أن يستعمل أي مسكنات برغم أني كنت أصرخ من الألم».
يشير أنس خلال حديثه لـ «السفير» إلى أن الأطباء كانوا يرمقونه بنظرات غريبة، بعضهم كان ينظر ببغض شديد، «عندما وصل أقربائي رفضوا إدخالهم لزيارتي بحجة أنني في غرفة العمليات، بعد ذلك وبسبب النزف الشديد الذي أصابني طلب أحد الأطباء كيس دم لي، إلا أن أحداً لم يحضر الدم رغم أنني ذكّرت الممرض وطبيباً آخر بالأمر، كانوا يرمقونني بنظرة كره في كل مرة ذكّرتهم فيها أن الطبيب طلب لي الدم».
وفي مدينة قونية جنوب غرب تركيا، سجلت حالات طعن عدة تعرض لها سوريون من قبل «مجهولين»، كذلك سجلت حالات مشاجرات عديدة بين السوريين والأتراك خلال الأسبوع الماضي، أصيب إثرها أيضاً عدد من الأتراك.
ويربط معظم السوريين الذين تعرضوا لعمليات الاعتداء بين تنامي هذه الظاهرة والقرار الذي أصدره الرئيس التركي ببدء تجنيس السوريين. «كنا نتعرض لمضايقات في الماضي، كانت مضايقات طبيعية نتيجة اختلاف بعض العادات واختلاف اللغة والثقافة، إلا أنه بعد إعلان بدء تجنيس السوريين تغيرت الأحوال وأصبحت المضايقات اعتداءات حقيقية»، وفق حديث أنس.
في هذا السياق، يشرح الصحافي السوري سركيس قصارجيان المتابع للشأن التركي، أنه «بالنسبة للمناطق ذات الأغلبية المؤيدة لأردوغان (مثلاً ولايات عنتاب وأورفة...) أعتقد أن الدافع الرئيسي هو جرائم وجنح ارتكبها لاجئون سوريون لا تتعدى عدد أصابع اليد، لكن تم التركيز عليها من قبل الإعلام وبالأخص في وسائل التواصل الاجتماعي لتأجيج مشاعر الكراهية وعدم قبول السوريين، خصوصاً أنهم زاحموا الأتراك في سوق العمل وبأجور زهيدة مقارنة مع متوسط الأجر التركي».
إضافة إلى ذلك، يرى قصارجيان أنّ «تورط سوريين بشبكات تابعة لتنظيمات إسلامية متشددة وبالأخص داعش، أمر بدأ المجتمع التركي يتلمس خطورته، وخاصة بعد الهجمات الأخيرة التي تبناها التنظيم داخل تركيا، الأمر الذي زاد من التوتر والريبة».
أما بالنسبة للولايات التي لا يتمتع فيها أردوغان بشعبية كبيرة، يشير الصحافي السوري إلى أن «الموضوع يتعلق بنظرة المجتمع المحلي المعارض لتوجهات أردوغان الداخلية وسياسته الخارجية وبالأخص تجاه سوريا، نظرتهم لهؤلاء النازحين على أنهم معارضون للحكومة السورية وبالتالي فهم مؤيدون لأردوغان، أو كهاربين من واجب الدفاع عن وطنهم في حالات حسن الظن القصوى، هي أمور بمجملها زادت من ردود الأفعال الغاضبة من السوريين»، ويضيف: «كذلك لا ننسى أن المجتمع التركي بطبيعته مجتمع متطرّف قومياً ومعروف بنظرته الدونيّة للشعوب العربية عبر التاريخ، ولعل الأمثال التاريخية التي يرددها الأتراك لهي خير مؤيد لهذه الفكرة، فتسمعهم يقولون: «لا سكر الشام ولا وجه العربي» أو «الملة العربية الملة الأجرب».
هكذا وخلال خمس سنوات مستمرة حتى اليوم، عاش اللاجئون السوريون في تركيا تجارب عديدة متضاربة، من استقبال حافل بخلفيات دينية طائفية بداية، إلى استغلالهم لابتزاز أوروبا عن طريق المهاجرين غير الشرعيين، وصولاً إلى تشغيلهم بأجور بخسة، ناهيك عن بدء عمليات التجنيس الانتقائية الأخيرة التي لن تشمل إلا ذوي الخبرات وأصحاب رؤوس الأموال، ليبقى مصير معظم اللاجئين السوريين في تركيا مرهوناً بالمزاج السياسي التركي والأوضاع الميدانية في سوريا، على وقع ازدياد مطّرد في العنصرية التي خبرها السوريون بشكلها الفج مؤخراً.