ساندرز مصممٌ على أجندته... فهل يستفيد ترامب؟

ساندرز مصممٌ على أجندته... فهل يستفيد ترامب؟

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١ يوليو ٢٠١٦

يعلم المرشح الديموقراطي «الاشتراكي» إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية بيرني ساندرز أنّ مآل حملته بات الفشل، لكنه لم يعد يأبه بالفوز أو الخسارة منذ أن حصلت منافسته هيلاري كلينتون على العدد الكافي من المندوبين للفوز بترشيح الحزب، بقدر ما بات سعيه يرتكز على ترسيخ برنامجه المعارض لأسواق المال والنخب السياسية والتفاوت الطبقي من بوابة الديموقراطيين، في تطور لا ينفصل عن ظهور خطاب جديد متعلق بطرح الملفات الاجتماعية في الغرب. و «الحديث هنا عن حركة ليس مبالغاً فيه» في الولايات المتّحدة، بحسب ما تشير صحيفة «الغارديان» البريطانية، في تقرير علق على فوز ساندرز على كلينتون في نيوهامشير في شباط الماضي.
يعتمد ساندرز الواقعي على استقلاليته، لكنّه يحافظ على مسافة قريبة من الحزب الديموقراطي في ظل نظام انتخابي لا يسمح باختراق حزب ثالث، هادفاً إلى ترسيخ حركة تقدمية.
وبات أول أهداف ساندرز اليوم يتمثل، في منع المرشح الجمهوري اليميني دونالد ترامب، المعاكس لكل تطلعاته، من الوصول إلى البيت الأبيض. ولم يكن إعلانه بأنه سيصوت لكلينتون في الانتخابات الرئاسية، بغية دعمها بالدرجة الأولى، إنما بهدف وضع حجر عثرة في طريق ترامب، لأنّ أي قرار من قبل أحد مندوبي الهيئة الانتخابية بعدم التصويت لأحد المرشحين، ترامب أو كلينتون، سواء صوت لساندرز أو امتنع عن التصويت، سيكون بمثابة مساعدة لترامب عملياً في الانتخابات التي ستجري في الثامن من تشرين الثاني المقبل، بحسب ما يشير وزير العمل الأميركي السابق روبرت رايش، لأنّ خطاب ترامب الفظ، يمكنه، في ظل تنامي الخطاب المحافظ، حصد ثمار زرع ساندرز وتحويل القضايا التي يطرحها لمصلحته، على قاعدة السيئ والأسوأ، «فهو مثلاً، يثير حساسية الأكثرية الأميركية البيضاء التي باتت تتحسس من برامج ساندرز للرعاية الاجتماعية، من خلال إبراز قضية المهاجرين والأقليّات في الولايات المتّحدة».
استعدّ ساندرز أخيراً لإخلاء الساحة لكلينتون على الرّغم من أنّ الكثير من مؤيديه لا يريدون ذلك، لكنّه أراد بذلك أن يكون واقعياً وأن يستفيد مما حققه بإجراء مفاوضات مع معسكر كلينتون للتوصل إلى برنامج يعكس جدول أعماله «التقدمي»، لكنه لم يقدم دعمه لها رسمياً، لأنّه لم يسمع منها كلاماً يعتقد أنه «يجب أن يقال»، بحسب ما قال الجمعة الماضي لقناة «سي بي أس» الأميركية، فهو يريد الحصول على تأكيد من كلينتون بالتزام أولوياته، في حين يبقى مستمراً في حملته ليترك لنفسه مجالاً في مؤتمر الحزب في تموز المقبل لتجديد حملته. وعيّن ساندرز لذلك نشطاء بارزين في اللجنة التي تتولى صياغة برنامج القضايا، ليضمن بذلك صوتاً قوياً في تلك العملية لمصلحة حركته.
شكّل ساندرز ظاهرة غير مسبوقة في السباق كـ «واحد من الغرائب في انتخابات مليئة بالغرابة»، كما وصفه المحرر في مجلة «ذا ويك» بيتر ويبر، واستطاع بخطابه الذي لاقى تجاوباً كبيراً لدى الناخبين اليافعين، التمهيد لما يقول حلفاؤه إنه سيكون حركة باقية لها نفوذ في الحزب، من خلال استقطاب قطاع واسع من الأميركيين وإثارة حماسهم لأفكار مناهضة للمنطق النيوليبرالي والامبريالي في معقل الليبرالية، خصوصاً عند الشباب، لا سيما دعوته إلى جعل التعليم الجامعي مجانياً في أميركا، وهي إحدى القضايا التي ركز عليها خلال حملته.
لكن فرص ساندرز للنجاح ستظل ربما ضعيفة في ما يتعلق بدفع الحزب الديموقراطي وكلينتون إلى سياساته المشابهة للأحزاب الديموقراطية الاشتراكية في أوروبا، لكنّه على الرّغم من ذلك نجح إلى حد ما في زرع بذور جناح موازٍ للرأسمالية الأميركية، مستفيداً من تجربتين: الأولى أميركية، تمثلت بوصول أوباما إلى البيت الأبيض، الذي يواجه حملة انتقادات واسعة عشية انتهاء ولايته الثانية. وفي هذا الإطار، شق ساندرز طريقه بين الحشود في السباق إلى البيت الأبيض، بدعم من قاعدة شعبية جيدة في الجناح الليبرالي من الحزب الديموقراطي، ومن المانحين الصغار على الإنترنت، كما فعل أوباما في انتخابات العام 2009.
أما التجربة الثانية، فبنكهة بريطانية تمثلت باكتساح السياسي البريطاني جيريمي كوربن انتخابات رئاسة حزب «العمال» في أيلول الماضي، والذي يطالب نواب اليوم في الحزب بتنحيه خلال مرحلة استفتاء غير ملزم جرى الأسبوع الماضي، بعد أن جاءت نتيجة التصويت لحجب الثقة عنه كاسحة.
بدأت مفاهيم «اليمين» و «اليسار» التقليدية تفقد أهميتها في الغرب، بعد أن انتزع نظراء ساندرز الأوروبيون الذين يتخذهم قدوة، العباءة الاشتراكية التي يلبسها اليوم، فالمطالب التي يطالب بها ساندرز بشأن التعليم والضرائب وتفكيك المصارف لا تمثّل الفكر الاشتراكي عملياً.
ويبدو وزير الاقتصاد الإصلاحي الفرنسي الشاب إيمانويل ماكرون، الذي أطلق حركة سياسية جديدة «لا تنتمي إلى اليمين ولا إلى اليسار» قبل عام من الانتخابات الرئيسية في فرنسا، في منحى ساندرز.
وينقسم اليسار الغربي إلى معسكرين: «أحدهما يخسر الانتخابات، والآخر لا يبدو مُهتماً بالفوز بها»، وفقاً للكاتب بيير بريانسو في صحيفة «بوليتيكو يوروب»، وذلك ربما أحد أسباب صعود الجناح اليميني في أوروبا وأميركا. يحاول أمثال ساندرز الاستفادة من التشنّج الذي ينتاب الأنظمة السياسية الحالية في الغرب جراء تدهور الوضع الاقتصادي العالمي وتنامي الإرهاب والعنف، فضلاً عن الأزمات السياسية وما نتج منها من أزمة اللاجئين وتنامي الإسلاموفوبيا.
وخلقت هذه العوامل جواً من الاستنفار للبحث عن أجوبة لأسئلة كبيرة ومعقّدة لم تلقَ جواباً لدى ساندرز أو زعماء ومفكري أوروبا اليساريين، الذين يرفضون وجود أي قوة تنافس الحكومة، لا شركات، لا مدارس خاصة، لا مؤسسات دينية، لا آباء، ولا حتى الضمير الإنساني.. لكن مثل هذه المفاهيم التي من شأنها تضخيم دور السلطات، لم تعد مقبولة في الشارع الأميركي في ظل سياسات حكومات سابقة ساهمت في تعقيدها، ما دفع الأميركيين للبحث عن بديل أفضل.. يعتقدون أنهم سيجدونه في اليمين المتطرف.