تركيا ولمسات الحرب الأخيرة

تركيا ولمسات الحرب الأخيرة

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٢٨ يونيو ٢٠١٦

إيهاب زكي - بيروت برس -
على قاعدة أن معركة حلب واقعة لا محالة، فلا يمكن وضع خطوة الاعتذار التركية المترددة تجاه روسيا في سياق تراجع تركي، حيث أن التراجع التركي إن كان صادقاً سيجعل من معركة حلب بلا ضرورة، حيث تمتلك تركيا القدرة على قطع شرايين الإرهاب دون الحاجة لمعارك استراتيجية كبرى، فالتأزم الذي تعانيه الدول لا يعني دائماً البحث عن حلول تراجعية بل يعني العكس تماماً وقد يصل إلى خطوات تهورية، فقد شنَّ الرئيس الأسد في خطابه الأول أمام مجلس الشعب المنتخب هجوماً عنيفاً على الرئيس التركي وبشكلٍ غير مسبوق، وقد بدا واضحاً حينها أن هناك من حاول طرق الأبواب السورية، فأغلق الرئيس الأسد أبواب دمشق أمام أردوغان صفعاً، وهذا يعني أن دمشق لا تثق بأردوغان وبالتالي فإن الرسالة معناها أنه لا سبيل لعلاقات تركية سورية بوجود أردوغان وحزبه في السلطة، وقد تكون هذه الصفعة هي أحد مبررات الخطوة التركية نحو روسيا، حيث المحاولات الحثيثة لإبعاد روسيا عن حليفها السوري أو تحييدها على الأقل في حال اتخاذ خطوات أكثر عدائية في حلب.
بالتزامن مع خطوة الاعتذار التركي المتردد  لروسيا،  تم الإعلان عن اتفاق تطبيع كامل للعلاقات التركية "الإسرائيلية"، وهي علاقات قائمة منذ العام 1949، لذلك فالأصح هو إعادة العلاقات لطبيعتها لا تطبيعها فهي طبيعية بالأصل، والشئ الوحيد الذي سيتغير هو إغلاق أردوغان لفمه الكبير وحنجرته الجبلية، لأن هذه الجعجعات هي أبرز سمات التوتر في العلاقات الطبيعية بينهما، ليس فقط أمام المنابر سيصمت  أردوغان بل حتى أمام المحاكم الدولية حيث تم الاتفاق على سحب جميع القضايا المرفوعة على جنود"إسرائيليين" وعدم رفعها مجدداً، فهذه العلاقات ظلت قائمة بين الطرفين وإن أخفاها الصراخ العثماني لأردوغان وضرورات المرحلة، حيث السعي التركي  لاستقطاب الشارع العربي للسير خلف مشاريع صهيونية بلباس سلطاني عثماني، وهذا يتطلب تعقيد الحاجبين في وجه "إسرائيل"، ولكن الاتفاق يتجاهل الشرط التركي برفع الحصار عن غزة حد التنازل عنه، مقابل بعض المساعدات الإنسانية التي ستفرض تطبيعياً جبرياً مع حماس، فالسلطة الفلسطينية وكما أعلن وزير خارجيتها رياض المالكي، بأنها لن تسمح بإدخال أي مساعدات إلى غزة دون المرور بها، وههذا ما سيتطلب خطوة التفافية لتصل المساعدات بشكل مباشر إلى غزة، وهو بدوره ما سيتطلب وجود مندوبين عن حركة حماس في ميناء اسدود لاستلام المساعدات، ووهو بالتالي ما يتطلب تنسيق مع قووات الاحتلال، أو سيكون المخرج ذكياً فيلجأ لطرق التفافية.
كان دائماً وحين يُسأل  عن الأسباب الحقيقية لإغلاق معبر رفح، وهل هي حاجة "إسرائيلية"، يجيب الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك بأن إعلاق المعبر مصلحة فلسطينية، وذهب الرجل إلى  غيابة الأضواء ولم يكتشف أحد بعد تلك المصلحة الفلسطينية، وهذا ما قام بتكراره بيان الشكر الذي أصدرته حركة حماس لتركيا أردوغان، وتطلعت إلى أن تواصل أنقرة دورها في دعم القضية الفلسطينية، فالمصلحة الفلسطينية في عرف مبارك تقتضي تشديد الحصار على غزة، والدعم للقضية الفلسطينية في عرف حركة حماس يقتضي توقيع الاتفاقيات مع دولة  العدو، والمصلحة التي كان يتحدث عنها مبارك جعلت منه كنزاً استراتيجياً لـ"‘سرائيل"، فأي كنزٍ ستكونه حماس إن ظلت ترى التطبيع والتنازل دعماً، وممن يعرف المراووعات اليهودية منذ"إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة" وحتى اتفاق التطبيع المذكور، فإن الوعود بالميناء ومحطات الكهرباء والمستشفى على هوانها، قد يشيب الولدان و"إسرائيل" لازالت تناقش التفاصيل، وبعيداً عن  الخصوصية  الفلسطينية فإن هذا الاتفاق تتجاوز مفاعيله بيع الأوهام، حيث يبيع أردوغان  أوهام المشي على البساط الأحمر لخالد مشعل فيما يبيع مشعل أوهام الرخاء للمحاصرين، فالاتفاق في جوهره عبارة عن ضرورة أمريكية ملحة لتظهير تحالف إقليمي "‘إسرائيلي" تركي سعودي في مواجهة تحالف إيران سوريا حزب الله، وهنا  تأتي وجاهة الاعتذار التركي لروسيا.
فمن الواضح أن معركة حلب تقترب، وأن هناك إصراراً من قبل سوريا وحلفائها على خوضها، وأمريكا لا تريد مواجهة مباشرة مع روسيا، لكنها لا تمانع في حربٍ إقليمية، ولكن حرباً إقليمية بوجود الطرف الروسي فإن نتائجها سريعة ومحسومة، لذلك  أتت الخطوة التركية بالتزامن مع الاتفاق التركي"الإسرائيلي" في محاولة لأن تكون معركة حلب بين أطرافٍ إقليمية دون تدخل روسي، صراع بين سوريا وإيران وحزب الله من جانب، و"إسرائيل" وتركيا والسعودية من جانبٍ آخر، ويتقاذف الروسي والأمريكي المسؤوليات مرة وديمستورا مرة والدعوات للتهدئة مرات، واللافت هو  التردد التركي بين الاعتذار والتعبير عن الأسف، وبين دفع التعويضات وبلسمة الألم، وقد يكون هذا ناتج عن  الردود الروسية التي طلبت  المزيد، فاعتبرت تركيا أن كل الطرق تؤدي إلى خسارة حلب حرباً أو اعتذاراً، فتراجعت خطوة بعد صفعة روسية كصفعة الأسد حتى ترى سياقاً آخر، والخلاصة إن ما تقوم به تركيا أقرب لأن يكون اللمسات الأخيرة لمسرح الحرب من كونه الخطوات الأولى للتعبير عن التراجع والندم.