الخطة الأمريكيّة لتوريط السعوديّة واقتيادها أمام المحكمة الجنائية الدوليّة

الخطة الأمريكيّة لتوريط السعوديّة واقتيادها أمام المحكمة الجنائية الدوليّة

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٢١ يونيو ٢٠١٦

ناصر أبو عون
بُعَيد أيام قليلة من موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي على مشروع قانون باسم “العدالة ضد رعاة الإرهاب” يقضي بالسماح لذوي ضحايا هجمات الـ11 من سبتمبر/ أيلول 2001 بمقاضاة المملكة العربية السعودية على الرغم من عدم وجود أدلة ماديّة لا من قريب أو من بعيد تؤكد على (تورّط حكومة المملكة في صناعة الأحداث أو تنفيذها أو تمويلها)، ومن توابع هذا الزلزال الأمريكيّ الذي ضرب العلاقات السعوديّة الأمريكيّة اعتراف الولايات المتحدة بأن “السعودية استخدمت في اليمن القنابل العنقودية في مناطق آهلة بالسكان”، وأنَّ “واشنطن باعت للرياض أسلحة خلال الحرب على اليمن ووفرت لقواتها التدريب ومعلومات الاستهداف، وزودت مقاتلاتها بالوقود عبر الجو” مسبوقًا بإعلان وزارة الدفاع البريطانيّة فتح تحقيق حول مزاعم “استخدام السعودية قنابل عنقودية بريطانية الصنع في اليمن” وفقَ تصريح وزير الخارجيّة البريطاني فيليب هاموند. وعلى ما يبدو فإنّ دائرة الاستدراج الممنهج للسعوديّة تتسع لتضييق الخِنَاق عليها‘ وإحكام دائرة اتهامها قانونيًا وقد زاد الطين بِلّة بإقرار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بـ”استخدام المملكة العربية السعودية ضغوطا على المنظمة” لرفعها ودول التحالف من تقرير المنظمة الأممية المعني بانتهاك حقوق الأطفال.
وعلى خلاف ما تروّج له بعض وسائل الإعلام المسايرة للسياسة السعوديّة باعتبار قرار رفع اسم السعوديّة وحلفائها من قائمة انتهاك حقوق الأطفال انتصارًا ساحقًا إلا أنّه في الواقع جاء ليشكل ضربة قاصمة للسياسة السعوديّة، وسوف تكون نتائجه المستقبلية على (المنظمة الأممية والسعوديّة معًا) جِدُّ خطيرة خاصةً أنّه لا يغيب عن أذهان بسطاء الناس وعامتهم أنّ (الأمم المتحدة) واقعة تحت تأثير الدول الكبرى بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها، ولا يُستبعَد صدور قراري “إدانة السعودية” و”رفع اسمها من قائمة انتهاك حقوق الأطفال” بإيعاز من الولايات المتحدة لتحقيق أكثر من هدف بضربة واحدة نورد بعضًا منها في هذا المقام:
أولا – يبدو أنَّ الأمريكيين يسعون جاهدين إلى توريط أصدقائهم السعوديّين وحلفائهم، وتقديم عرائض اتّهام ضدهم مدعومة بالشواهد والأدلّة القانونية أمام المحكمة الجنائية الدولية تستند إلى وقائع حقيقية وذلك تمهيدًا لنفض أيديهم من عبء هذه الصداقة التي دامت أكثر من 80 عامًا بعد أن استنفدت كل أهدافها وهو توجّه يؤكده اعتراف الولايات المتحدة بأن “السعودية استخدمت في اليمن القنابل العنقودية في مناطق آهلة بالسكان”، وأنَّ “واشنطن باعت للرياض أسلحة خلال الحرب على اليمن ووفرت لقواتها التدريب ومعلومات الاستهداف، وزودت مقاتلاتها بالوقود عبر الجو”، ويدعم هذا السيناريو استنادُ الأمريكيين في اعترافهم وشهادتهم في حق السعوديّة إلى تقارير “منظمة العفو الدولية” و”منظمة هيومن رايتس ووتش” التي أثبتت بالأدلة خلال تحقيقاتها في أكثر من هجوم على أن التحالف العربي ألقى قنابل عنقودية على مواقع عديدة في جميع أنحاء اليمن بما في ذلك محافظة عمران ومديرية سنحان في محافظة صنعاء. وبحسب مجلة فورين بوليسي الأمريكية فإنَّ هذه الخطوة تأتي بعد انتقادات متزايدة من قبل المشرعين الأمريكيين إزاء دعم أمريكا للمملكة في الصراع الدموي الذي تخوضه في اليمن منذ أكثر من عام.
ثانيًا –  يسعى الأمريكيون إلى ترسيخ فكرة (تأثير النفوذ السعوديّ) على المنظمة الدولية في “وعي” الجماهير العربيّة قبل الغربيّة ومن ثَمَّ رَفْع “تهمة حماية جرائم إسرائيل ضد الأطفال الفلسطينيين” من على عاتق الولايات المتحدة الأمريكيّة وتحميلها للعربيّة السعوديّة التي تملك من وسائل التأثير، والضغط على المنظمة الدوليّة والذي تقاعست عن استخدامه في سبيل حلحلة الكثير من القضايا العربيّة.
ثالثًا – يسعى الأمريكيون إلى تأكيد عُمق وتجذّر (العلاقات السعوديّة الإسرائيليّة) في (ذاكرة العقل العربيّ الشعبويَّ) والذي ستطارده الأسئلة كلما مرَّتْ على ناظريه مشاهد قتل الأطفال الفلسطينيين عبر شاشات التلفزة ومن ثَمَّ سيسائل نفسه: “إذا كانت السعوديّة تملك ذاك النفوذ والتأثير القويّ على إسرائيل والأمم المتحدة واستطاعت رفع اسمها من (لائحة انتهاك حقوق أطفال اليمن) فلماذا لم تستخدم النفوذ ذاته في “إدانة إسرائيل”؟، ولماذا لم تهدد وتضغط على المنظمة الأمميّة لإنصاف الفلسطينيين من إسرائيل التي تقتل أطفالهم يوميًا في شوارع وضواحي الأراضي المحتلة، فضلا عن حروبها العبثية المتتابعة تحت عناوين “الرصاص المصبوب” و”الجرف الصامد” التي أبادت خلالها أكثر من ألف طفل فلسطيني”.
رابعًا – إعلان البيت الأبيض قبل شهرين عن استعداده لدعم تحقيق لوصف التجاوزات في سوريا والعراق بـ “الإبادة”.وتصريح المتحدث جوش ارنست بأن “الولايات المتحدة ستتعاون ببذل جهود مستقلة للتحقيق في وقوع إبادة” مضيفا أن واشنطن ترغب في مساعدة المحكمة الجنائية الدولية لجمع الأدلة”. جاء مقدمة تمهيديّة لضم (اليمن لاحقًا) إلى (ملف تحقيقات الجنائية الدولية) وحتى تأتي محاسبة قوات التحالف العربيّ بقيادة السعوديّة في (إطار شبه قانونيّ). وإذا كان الاعتراف هو سيد الأدلة فقد يتمّ توظيف تصريح الناطق باسم قوات التحالف العميد أحمد عسيري على قناة العربية “بأن المجزرة التي ارتكبتها قواته في استهداف “سوق الخميس″ كانت بناءً على معلومات من (الجيش اليمني المتواجد على الأرض) والذي أفاد بأن مقاتلين “للحوثيين” كانوا متجمعين في السوق.
خامسًا – مواصلة الضغط على السعوديّة وابتزازها على الدوام، والتهديد بمصادرة الأرصدة والسندات والاستثمارات السعوديّة في الولايات المتحدة الأمريكية إنْ لم يكن لصالح عائلات ضحايا 11 سبتمبر فلصالح أطفال اليمن وسوريا. وفي الصورة تبييض لسمعة وصورة الولايات المتحدة الأمريكية داخليًا وخارجيًا.
سادسًا – ليس مستبعدًا أن يتم فتح ملفات أخرى تتعلّق بتمويل المعارضة السورية وتسليح الجيش الحرّ – مستقبلا – والتلويح بها كـ(وثائق تهديد) نشطة على مدار الساعة، و(أوراق إدانة) للأطراف المنغمسة من أخمص قدميها إلى رأسها في (الحرب الأهلية السوريّة) وعلى أرسها السعوديّة  إمّا للتخلّص منها، أو إعادتها إلى  (بيت الطاعة الأمريكيّ) وابتزاز حكومتها وقد يصل العناد منتهاه بتقديم (عرائض اتهام) ضدهم أمام المنظمات الأممية والمحكمة الجنائية الدوليّة وتدبيج وثائق إدانة – يتمُّ توثيقها وجمعها وتبويبها على مدار الساعة منذ اندلاع الصراع المسلّح في سوريا – للتأكيد على ضلوعهم بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية.
وعلى ما يبدو فإن وتيرة الأحداث تتسارع، والاتهامات تتابع بما يؤشر  على أن الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بخطوات تمهيدية لإنهاء ثمانية عقود من (الصداقة السعودية الأمريكية) بعد استنفاد أهدافها الاستراتجية، وهو ما حذَّرنا منه في مقالة سابقة بعنوان: “لماذا تُعاقب أمريكا السّعودية.. باسم “العدالة ضد رعاة الإرهاب”؟ وأشرنا إلى أنه سوف يتمّ استخدام (أحداث الحادي عشر من سبتمبر) من جانب الأمريكيين، وتوظيف معلومات (عاصفة الحزم على اليمن) لاحقًا وهو ما حدث بالفعل وقد تمَّ جرّ أرجل البريطانيين أيضًا إلى المستنقع اليمنيّ لتضييق دائرة الخناق والابتزاز الممنهج على السعوديّة، ولابد أن يتفهّم السعوديون أنّ الولايات المتحدة الأمريكية غيَّرت نظرتها إلى العالم وبدَّلت مفاهيمها السياسية تجاه (نفسها) أولا، وتجاه (حلفائها التقليديين في المنطقة) ثانيًا، وتجتهد حاليًا لإعادة ضبط البوصلة بما تقتضيه (المصلحة الأمريكية العليا)؛ وهي تغيرات تستوجب على المملكة الخروج من المستنقع الأمريكي والتطَّهر من أدرانه في (اليمن وسوريا) قبل فوات الأوان وذلك باتخاذ العديد من الخطوات على المدى القصير والتي من أهمها:
أولا- أن تسارع السعوديّة بنفْض يديها من (القضية اليمنيّة) والخروج من المستنقع قُبيل أن تتقوَّض أركان البيت اليمنيّ على (داخليه، قبل ساكنيه)، وينقلب السحر على الساحر، وليست في حاجة إلى تمثيل فيلم هندي أو مسلسل أمريكي لتنسحب رافعة راية المنتصر.. فالحرب ليست نزهة وقد يكون الانتصار الحقيقي بإعلان الانسحاب ووضع قوات التحالف أوزارها.  وهي وجهة نظر قالت بها “إلينا سوبونينا” الخبيرة بمعهد الدراسات الإستراتيجية في موسكو مؤكدةً أنه” كان يجدر بالسعودية التفكير مليًا والتمهل قبل اتخاذ قرار الحرب في اليمن فكهذا قرار كان يحتاج إلى دراسة أكبر لأن نتائجه قد تنعكس سلبًا على السعودية نفسها وعلى استقرار منطقة الشرق الأوسط خصوصا إن طالت هذه الحرب”.
ثانيًا – نأمل أن تتخذ المملكة العربية السعوديّة خطوة جريئة بـ”الضغط على أنصارها”، في مفاوضات الكويت ومحاولة إبرام (اتفاقيّة للمصالحة بين سائر مكونات المشهد السياسي اليمنيّ) على غِرار (الاتفاق الوطني مارس 1970 غير المكتوب) حيث نجحت المملكة آنذاك سريعًا في ضبط البوصلة بعد استشعارها خطورة توغل وانتشار الماركسية على حدودها فضغطت على أنصارها “الملكيين” للتصالح مع “الجمهوريين”. واليوم تملك المملكة كل الوسائل والآليات لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء مرة أخرى بالضغط على شركائها من (جماعة الرئيس هادي، وأنصار الشرعيّة) لإبداء مرونة عالية على طاولة المفاوضات، والتصالح من أجل إنهاء التشابك، وبناء دولة المؤسسات، وإعادة إعمار اليمن.
ثالثًا – يتوجب على السعوديّة الآن أن تعرف موضع قدميها، ولا تزيد عدد الأسماء في قائمة الأعداء والمتربصين لها والتنبّه جيدًا أن الأمريكيين والروس وأعوانهم ينسّقون معًا من تحت ومن فوق الطاولة بهدف تدشين (خارطة سايكس بيكو  جديدة) ستقضم الكثير من الأراضي وصناعة كانتونات طائفية وعرقيّة تتقاتل طوال الثلاثين سنة القادمة دون استثناء أحد  إلا ما رحم ربّي. وقد جاءت عملية إطلاق النار في نادي “بلس″ الليلي للمثليين بمدينة أورلاندو بولاية فلوريدا الأمريكية، كفرصة ليصبّ الغربُ جام غضبه على الإسلام والمسلمين، وأدخلت السيدة هيلاري كلينتون الديمقراطية في سباق النيل من الإسلام والمسلمين مع نظيرها الجمهوريّ دونالد ترامب وكيل الاتهمات بتمويل الإرهاب للسعوديّة ومطالبتها بدفع ثمن حمايتها، والدعوة إلى محاصرة (قطر والكويت) ومنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، ووقف إصدار تأشيرات دخول أمريكا لمواطني المملكة وحلفائها.
رابعًا – يتوجب على السعوديّة بمصارحة الشعوب العربيّة والاعتراف أمام الذات على مذبح الضمير بأنَّ الصداقة مع الولايات المتحدة الأمريكية كانت (براجماتيّة) لخدمة مصالح الطرفين (السعودي والأمريكيّ فقط) وليس من أجل مساندة القضايا العربيّة وأنّ الأمريكيين لن يسعوا جاهدين لحلحلة (أزمات الخليج، أو الشرق الأوسط، أو إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني لا في عهد الجمهوريين، أو إبّان حكم الديمقراطيين)؛ لأن الاستراتيجية الأمريكية تقوم على منهجية (إدارة الأزمات لا حلّها)، والاستفادة من تداعياتها وتجيير أحداثها لخدمة أهدافها، ومصالحها الاستراتيجية ومن ثَمّ سوف لن نستيقظ كل يوم إلا على مزيد من (استحلاب لثروات المنطقة) وإلى أجل غير مسمى.
إنّ المكابرة والاستكبار والمضي قُدمًا باتجاه (حرب مفتوحة) هو بمثابة سير الأعمى باتجاه النهر، وتمهيد للأرض أمام المسؤولين  التنفيذيين عن تطبيق الخطة التآمرية ضد (منطقة الشرق الأوسط) والتي كشف عنها بارك أوباما في تصريحاته للصحافة الأمريكية موضحًا رؤية الأمريكيين للتعامل المستقبلي مع منطقة الخليج وعلى يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية كما ذكرنا في مقالات عديدة سابقة تحاول تقويض النظام الإيراني عبر البوابة السعودية واستخدام الأخيرة كمخلب قط في مواجهة الإيرانيين وفق نموذج “الحرب العراقية الإيرانية” بهدف استنزاف القوى الكبرى في الخليج. ومن ثَمَّ نجد أوباما في تصريحه يعطي ضوءًا أخضر للسعوديين بالاستعداد للدخول في مناوشات مع الإيرانيين لتكون سببًا وجيها لتدخل أمريكا لصالح أصدقائها وهو ما عناه بقوله: “إن الوقوف إلى جانب شركائنا الخليجيين سيجبر الولايات المتحدة على استخدام القوة العسكرية لتعديل النتائج”.
باحث بمركز الدراسات والبحوث – مسقط
رأي اليوم