هل يمكن أن تتسبب تدابير ابن سلمان التقشفية في ثورة المجتمع السعودي؟

هل يمكن أن تتسبب تدابير ابن سلمان التقشفية في ثورة المجتمع السعودي؟

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٣١ مايو ٢٠١٦

إن صعود وسقوط الإمبراطوريات كانت سمة ثابتة طوال تاريخ المجتمع الطبقي. وقد كانت الحروب والثورات والكوارث الاقتصادية والتحلل الداخلي للأنظمة هي الأسباب الأكثر شيوعا لسقوط هذه الأنظمة. ولا تزال هزات الانهيار المالي العالمي الذي وقع في 2008 ملموسة إلى الآن في جميع أنحاء العالم. وحتى إن انخفاض أسعار النفط من ذروته التي بلغت 115 دولار للبرميل إلى 35 دولارا للبرميل قد فشل في إنتاج الأرباح المرجوة للاقتصادات الرأسمالية والإمبراطوريات الكبرى. على العكس من ذلك، فقد شعرت الدول المنتجة للنفط بكل تأكيد بتأثير انخفاض الأسعار على معدلات نموها. وقد اضطرت المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص إلى فرض خطة تقشف كما أعلن مؤخرا عن تخفيضات عنيفة للميزانية لمعالجة العجز المخيف الذي بلغ 15% من الناتج المحلي الإجمالي.

ويأتي هذا العجز نتيجة لاتباع سياسة توزيع الريالات في مواجهة أي مشاكل أو صعوبات. في أعقاب اندلاع ثورات الربيع العربي في عام 2011، سعى الملك الراحل «عبد الله بن عبد العزيز آل سعود» إلى تحجيم المعارضة المحلية من خلال حزمة إنفاق بلغت 133 مليار ريال والتي تضمنت المزيد من المساكن والمرافق الطبية، والمزيد من مزايا الرعاية الاجتماعية، والمكافآت لموظفي الحكومة. مع صعوده إلى عرش المملكة العربية السعودية في يناير/كانون ثاني فقد سعى الملك الثمانيني «سلمان بن عبد العزيز آل سعود» أيضا إلى بناء سمعه عبر منح مكافأة شهرين لموظفي الحكومة والمتقاعدين، مما أدى إلى إنفاق 36 مليار دولار من صافي الاحتياطيات النقدية الموجودة لدى البنك المركزي.

وقد أطلق نجل الملك، الأمير «محمد بن سلمان»، استراتيجية صارمة وقاسية تهدف إلى لإعادة هيكلة الاقتصاد المعتمد على النفط في المملكة، تنطوي على تنويع وخصخصة الأصول المملوكة للدولة بما في ذلك شركة الطاقة العملاقة أرامكو، التي تشير التقديرات أنها أكثر الشركات قيمة في العالم، إضافة إلى زيادة الضرائب وخفض الدعم. وتشمل هذه الخطة، التي تمتد عبر 15 عاما، إنشاء صندوق ثروة سيادي بقيمة تريليوني دولار وهو الأكبر من نوعه. وبشكل عام، تهدف هذه الخطة إلى تحويل السعودية إلى أكبر اقتصاد عربي يعتمد على الاستثمارات بدلا من الطاقة لملء خزائن الحكومة في السنوات المقبلة. ووفقا لما أعلنه الأمير فإن الرؤية تمثل: «خارطة طريق تنميتنا وتحقيق أهدافنا الاقتصادية. ودون أدنى شك فإن أرامكو هي واحدة من المفاتيح الرئيسية لهذه الرؤية التي تهدف إلى تحقيق النهضة الاقتصادية في المملكة».

وقد تمت مناقشة قضية الإصلاح الاقتصادي في عدة مناسبات من قبل، ولكن الحاجة الملحة لهذا الأمر قد نمت مع تحقيق الحكومة لعجز اقتصادي بلغ 100 مليار دولار خلال ميزانية العام الماضي. تعتمد 90% من ميزانية المملكة العربية السعودية على عائدات النفط وهذا ما يفسر لماذا كان عليها أن تلجأ إلى الحصول على أول قرض سياسي من البنوك العالمية منذ عام 1991 بقيمة 10 مليارات دولار على خمسة أعوام. خطط زيادة الإيرادات غير النفطية و فرض الضرائب سوف تستغرق سنوات حتى تظهر آثارها ليبقى الاستثمار الأجنبي وخفض الدعم هي السبل الرئيسية لإبقاء موازنة البلاد قيد السيطرة.

العمال الأجانب

من إجمالي عدد السكان البالغ 30.8 مليون نسمة في عام 2015، فإن هناك أكثر من 10 ملايين من العمال الأجانب معظمهم من جنوب وجنوب شرق آسيا الذين يعملون في وظائف منخفضة الأجر نسبيا في صناعة النفط والبناء والخدمات. وتشكل تحويلات هؤلاء العمال أهمية اقتصادية كبيرة لبلدانهم. حول العمال الباكستانيون حوالي 9.1 مليار دولار من المملكة العربية السعودية خلال الربع الثالث من العام 2015. الآن فإن تدفق العمال المهاجرين يسير بشكل حاد في الاتجاه المعاكس. وبلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي أكثر من خمسة في المائة سنويا بين عامي 2006 و 2015، في حين انخفض إلى أقل من 2% خلال هذا العام. ويرجع ذلك جزئيا إلى قواعد العمل التي تجعل من الصعب تسريح السعوديين مما يجعل تسريح العمال في المراحل المبكرة من الانكماش ينعكس بشكل حصري تقريبا على الأجانب.

وقد أخبر مسؤول تنفيذي كبير في أحد الشركات السعودية وكالة «رويترز» في يناير/كانون الثاني أنه لن يفاجأ إذا علم أن مليون أجنبي قد قاموا بمغادرة المملكة هذا العام. وأضاف أن «التغيرات الاقتصادية قد بدأت في الضغط على سوق العمل، وهذا ما تسبب في بداية الهجرة لشريحة كبيرة من العمال الأجانب». وقال الخبير الاقتصادي البارز «الفضل البوعينين» إن «تراجع ربحية الشركات جعل القوى العاملة الأجنبية هدفا للإدارات التي تسعى إلى خفض التزاماتها المالية الثابتة». وحتى الآن، فقد تركزت تسريح العمال في قطاع البناء والتشييد، والذي يوظف نحو 45% من العمال الأجانب. ونتيجة لتأثرها بسبب تأخر العقود الخاصة بها وتأخر المدفوعات الممنوحة لها من قبل الحكومة، فإن شركات البناء قامت بتسريح عشرات الآلاف من العمال منذ العام الماضي.

ولكن حتى في أكثر الأنظمة شمولية فإن اضطهاد العمال المهاجرين يتسبب في نشوب الإضرابات والثورات. هناك أكثر من 55 ألف موظف باكستاني فشلت شركة «بن لادن» في دفع رواتبهم لمدة 3 أشهر قد قاموا بتنظيم احتجاجات خارج مباني الشركة في مكة المكرمة وقاموا بإضرام النار في الحافلات وفقا لما ذكرته صحيفة عكاظ السعودية يوم الأحد الماضي. هؤلاء المحتجين هم من بين 77 ألفا من العاملين في الشركة (البالغ عددهم الكلي 200 ألف عامل) الذين تقرر مغادرتهم للبلاد رغم نهم لم يتقاضوا أجورهم منذ عدة أشهر. قامت «بن لادن» بتخفيض أكثر من 25% من إجمالي قوتها العاملة. الشركة، التي تأسست في عام 1931 من قبل والد الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة «أسامة بن لادن»، هي واحدة من أكبر أرباب العمل في المملكة العربية السعودية، وكانت مسؤولة عن المشاريع الكبرى للبناء في البلاد مثل الجامعات والمطارات والساحات العامة والأبراج في العاصمة الرياض وفي مدينة جدة الساحلية في الغرب. وقد تكون «بن لادن» قد تأثرت أيضا بفعل الكارثة التي وقعت في أحد مشاريعها في العام الماضي، حين سقطت رافعة في المسجد الحرام وأسفرت عن مقتل أكثر من 107 شخصا.

العالم يتغير

وقد انقلب العالم المحيط بالمملكة العربية السعودية والدول الغنية المنتجة للنفط في الخليج رأسا على عقب في الفترة الأخيرة. الثورات العربية في عام 2011 وتصاعد المواجهة بين الإخوان المسلمين والنظام السعودي وصعود الدولة الإسلامية في العراق وسوريا وليبيا والحرب في اليمن وعودة العلاقات بين إيران والولايات المتحدة والمخاوف من أن الولايات المتحدة تحاول فك ارتباطها عن منطقة الشرق الأوسط.

أكثر من نصف الشعب السعودي تحت سن الـ25 عاما. لدى قطاعات كبيرة من هؤلاء الشباب حالة من الهياج الكبير والإحباط من النظام الملكي. بدأت الاضطرابات الاجتماعية تتحرك بشكل واضح في المملكة العربية السعودية. كما أن تطبيق الضرائب حتى لو كانت غير مباشرة سوف يؤدي إلى نمو مطالب التغيير التي من شأنها أن تقوض النظام. وحتى لو حاول ملوك السعودية حينها عكس تدابير التقشف وتقديم تنازلات فإن الأمر سيكون متأخرا بعد أن يتضخم الدين الحكومي. السياسي الفرنسي الشهير «ألكسيس دو توكفيل» قال ذات مرة: «اللحظة الأكثر خطورة للحكومة السيئة هي عندما تشرع في الإصلاح». عندما تفشل الإصلاحات، فإن بإمكانها أن توقد الثورة.