تحديات ليبرمان في «الدفاع»: من فلسطين إلى مصر ولبنان

تحديات ليبرمان في «الدفاع»: من فلسطين إلى مصر ولبنان

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٢٥ مايو ٢٠١٦

سبق لإسرائيل أن تولى وزارة الدفاع فيها رجال مدنيون من دون سابق خبرة عسكرية مميزة. ولكن هذه هي المرة الأولى في تاريخ الدولة العبرية يثور فيها سجال حاد، بهذه الدرجة، جرّاء انعدام الخبرة العسكرية عند من سيتولى وزارة الدفاع. ومن الجائز أن هذا السجال لا يعود أساساً إلى افتقار أفيغدور ليبرمان للخبرة العسكرية وإنما لمواقفه المتطرفة ومزاجه الساخن.
فأول وزير عسكري للدفاع في إسرائيل كان موشي ديان، الذي فرضه الجيش على رئيس الحكومة في العام 1967 تمهيداً لشن حرب حزيران. وطوال سنيِّ وجودها التسعة عشر، حتى ذلك الحين تولى الوزارة رئيس الحكومة نفسه دافيد بن غوريون أولاً ثم ليفي أشكول لاحقاً. والفترة الوحيدة حتى ذلك الوقت التي تولى فيها شخص غير رئيس الحكومة وزارة الدفاع كانت قصيرة في عهد موشي شاريت، وهو بنحاس لافون الذي سُجلت باسمه «فضيحة لافون».
وبعد حرب 67 تولى وزارة الدفاع مدنيون، بينهم موشي أرينس من «الليكود» وعمير بيرتس من حزب «العمل». بل إن شمعون بيريز، وهو مدني من دون خبرة عسكرية، تولى الوزارة بعد اغتيال اسحق رابين. ولذلك من المثير جداً للاهتمام تركيز السجال الداخلي في إسرائيل على هذا البعد في كل ما يتعلق بليبرمان وتجاهل مواقفه السياسية بعض الشيء. وليس مستبعداً أن السجال يعود أصلاً إلى واقع الانقسام الذي صار أكثر بروزاً بين المستويين العسكري والسياسي، وإلى التخوف من تعمّق هذا الانقسام بوجود ليبرمان في هذا المنصب.
وأياً يكن الحال، من المؤكد أن تعيين ليبرمان كان خلّف جانباً من النزاع حول مكانة وصلاحيات المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) ومطالبة زعيم «البيت اليهودي» نفتالي بينت بتعيين سكرتير عسكري لكل واحد من أعضائه. وبديهي أن هذه المطالبة لا تترك الجيش بيد وزير الدفاع حصراً، بل تفتح لكل أعضاء الكابينت أبواباً على الجيش. ومن شبه المؤكد أن مثل هذا المطلب يعني تقليص صلاحيات ودور وزير الدفاع، وهي صلاحيات حالت حتى الآن دون بلورة مجلس أمن قومي حقيقي في إسرائيل.
عموماً، وبعيداً عن هذه المسائل، على أهميتها، ورغم أن الاتفاق الائتلافي الجديد لم يوقَّع بعد، إلا أن التحديات التي تنتظر ليبرمان في الوزارة باتت واضحة. وأول هذه التحديات الإمساك أولا بوزارة الدفاع عبر عدد من أهم أدواتها وأبرزهم المدير العام للوزارة. ومعروف أن المدير العام الحالي الجنرال دان هارئيل استقال على عجل، وينهي مهام منصبه غداً. وقد تم تعيين الجنرال أودي آدم الذي أطيح به أثناء حرب لبنان الثانية من منصبه كقائد للجبهة الشمالية. وليس مستبعدا أن يعمد ليبرمان إلى تغيير آدم وتعيين شخص آخر، لأن منصب المدير العام هو منصب ثقة. وإذا قام ليبرمان بتغيير آدم فقد تشكل هذه بداية المشاكل في الوزارة.
وبديهي أن المدير العام للوزارة يسهّل على الوزير التعاطي مع هيئة الأركان العامة في كل الشؤون الإدارية. ولذلك فإن هذه البوابة ستحدد ما إذا كان ليبرمان ذاهب إلى صدام مع هيئة الأركان ورئيسها الجنرال غادي آيزنكوت أم إلى توافق ومصالحة.
ومعروف أن ثمة خلافاً علنياً بين ليبرمان ورئيس الأركان على الأقل بشأن الجندي مطلق النار على الجريح الفلسطيني في الخليل، والموقف من المستوطنين. وستنتظر رئاسة الأركان، التي قدمت الجندي للمحاكمة، ما سيكون عليه موقف الوزير، وهل سيصرّ على موقفه السابق أم سيتماثل مع موقف الأركان. وبعد ذلك ستكون بين أول المسائل التي ستحسم بالتوافق بين ليبرمان ورئيس الأركان الاتفاق على نائب رئيس الأركان المقبل.
ولكن إشكالات ليبرمان والتحديات التي تواجهه ليست قصراً على الشؤون الإدارية والشخصية في الوزارة. فهناك وبشكل سريع حاجة لإبرام اتفاقية المعونة العسكرية الأميركية لإسرائيل للعقد المقبل. ومعروف أن علاقة الإدارة الأميركية الحالية مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو متوترة، ومن غير المعروف إن كان وجود ليبرمان يزيدها توتراً أم لا. هناك من يعتقد أن ليبرمان سيحاول ترك هذه المسألة للعلاقات بين المؤسستين الأمنيتين في أميركا وإسرائيل، ويقلل من تدخله بها، على أمل أن تسهم علاقة المؤسستين في تحقيق مكاسب أكبر لإسرائيل.
وبعد ذلك تأتي مسألة الأمن، وخصوصاً في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة والقطاع، وعلى الجبهة اللبنانية. وتقريباً ليس بوسع ليبرمان تجاهل أن الجميع ينتظر موقفه الحالي، هل سيصمت ويترك الجيش يواصل التصرف بطريقته السابقة أم سيفرض رؤيته المعلنة. واليوم لم يعد ليبرمان مراقباً من جانب ولا معارضاً يستطيع قول ما يشاء. اليوم صار وزير دفاع يمكن لموقفه أن يقود إلى مواجهة شاملة، سواء في الضفة أو في القطاع أو في المنطقتين، وكذلك على الحدود مع لبنان.
وموقف وزير الدفاع مطلوب في الشأن الفلسطيني، ليس فقط رداً على عمليات، وإنما في بلورة السياسة الواجب انتهاجها مع أكثر من أربعة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة والقطاع. وشهر رمضان على الأبواب، وهو يستدعي، كما جرت العادة، إدخال تسهيلات على حياة الفلسطينيين وتقليص التقييدات بحقهم. وهذا قرار سيكون مطلوباً من ليبرمان اتخاذه في أقرب وقت.
ولكن ليبرمان، وهو نفسه مستوطن، سيعمل على إظهار سخاء في التعامل مع المستوطنين أكثر من سواه. وهذا ينطوي على مجازفة قد تفضي إلى زيادة غضب الفلسطينيين، أو إلى خيبة المستوطنين، ما يخلق عواقب قد تكون مدمرة.
وطبيعي أن هذا ليس فقط كل ما سيضطر ليبرمان لمواجهته قريباً. فهناك تطلعات رئيس حكومته بنيامين نتنياهو لتطوير علاقات مع ما يسمى «الدول العربية السنية» في مواجهة إيران. وهناك أيضاً العلاقات التي تبلورت في العامين الأخيرين مع المؤسسة الأمنية في مصر على خلفية ما يجري في سيناء وحكم «حماس» لقطاع غزة. ومعروف أن لليبرمان مواقف معلنة سابقة ضد مصر، ما يعني أن مكانته ستكون أشد حساسية في هذه النقطة من أي وقت مضى. وعدا ذلك معروف أن ليبرمان قاد في الماضي الخط الصقري ضد تركيا.
في كل حال تتضارب الآراء حول ما يمكن أن تكون عليه شخصية ليبرمان في وزارة الدفاع. صحيح أنه فظ وطويل اللسان، ولكن المسؤولية ستقصّر لسانه على الأقل تجاه من يمكن أن تضر مواقفهم بإسرائيل. وهنا يعتقد كثيرون أن ليبرمان هو أحد أذكى السياسيين في إسرائيل، وهو يفهم أن سلوكه وعلاقاته مع رئيس الأركان وجنرالات الجيش ستشكل مفتاح نجاحه أو فشله.