تل أبيب تُقّر: جولة قتال أخرى ستؤلم إسرائيل أكثر ممّا آلمتها “الجرف الصامد” ولكنّها ستجلب على غزّة خرابًا

تل أبيب تُقّر: جولة قتال أخرى ستؤلم إسرائيل أكثر ممّا آلمتها “الجرف الصامد” ولكنّها ستجلب على غزّة خرابًا

أخبار عربية ودولية

الأحد، ١٥ مايو ٢٠١٦

 زهير أندراوس:
رأى مُحلل الشؤون العسكريّة في القناة العاشرة بالتلفزيون الإسرائيليّ، ألون بن دافيد، أنّه في الأسابيع الأخيرة الماضية أصابت رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، نوبة الكشف عن إسرارٍ أمنيةٍ، التصريح المتبجح الذي كشف النقاب عمّا كان يُعتبر أحد الأسرار الدفينة لإسرائيل: تطوير تكنولوجيا لاكتشاف الأنفاق، الحق بالدولة العبريّة ضررًا أمنيًا فوريًا، لافتًا إلى أنّ هذا التصريح أضاء كلّ مصابيح التحذير لدى رجال حماس ودفعهم إلى أنْ يفهموا بأنّ كشف النفق قبل بضعة أسابيع لم يكن صدفة، ففتحوا عيونهم ورأوا مائة آلية هندسية للجيش الإسرائيليّ تعمل على حدود القطاع، وجمعوا الواحدة بالأخرى فإذا بهم يفهمون بأنّه يُحتمل أنْ يكون لدى إسرائيل حل تكنولوجي لأنفاقهم.
وتابع قائلاً، نلاً عن مصادر عسكريّة رفيعة، أنّ هذا التصريح أدخل الذراع العسكري لحماس في معضلة: فهل يقعدون جانبًا وينظرون إلى إسرائيل وهي تكتشف واحدًا إثر آخر الأنفاق التي حفروها من غزة؟ أمْ أنْ يسارعوا لاستخدام هذه الأنفاق وتصدير العمليات إلى داخل إسرائيل من خلالها؟
وشدّدّ المُحلل، نقلاً عن المصادر عينها، أنّه في جهاز الآمن يُقدّرون بأنّه منذ الجرف الصامد أنهت حماس حفر عدد لا بأس به من الأنفاق التي تصل إلى الأراضي الإسرائيلية، ورممت بضعة أنفاق أخرى هدمت جزئيًا في الجرف الصامد. ولفت إلى أنّه في حماس وفي إسرائيل على حدٍّ سواء يفهمون بالضبط ماذا سيكون معنى إصدار عملية كهذه: جولة قتال أخرى، تؤلم إسرائيل أكثر مما آلمتنا الجرف الصامد، ولكن ستجلب على غزة خرابًا من المشكوك فيه أن تتمكن من الانتعاش منه.
وأشار إلى أنّه يوجد الآن للذراع العسكري حجة أقوى بكثير: ملايين الدولارات وآلاف ساعات العمل التي بذلت في الأنفاق من شأنها أنْ تضيع هباءً منثورًا إذا كانت إسرائيل تعلّمت كيف تكشفها، وفي هذه الإثناء اختار الذراع العسكري إطلاق الإشارات: إطلاق نار قذائف الهاون بجوار قوات الجيش الإسرائيلي، ليرسم لإسرائيل بأنّها توشك هنا على تجاوز الخط.
أمّا إسرائيل فعلى وعي تام بمعضلة حماس، ولكن ليس للجيش أي نية لوقف الجهود للعثور على الأنفاق.  ولكن، تابع المُحلل، لدى إسرائيل خيارًا آخر: فإلى جانب المقدح الذي يحفر الآن كي يكشف عن الأنفاق يمكن أنْ تمد لغزة يد إنسانية تعطيها أملاً.
بالإضافة إلى ذلك، شدّدّ بن دافيد، على أنّ ميناء في غزة سيُحرر إسرائيل أخيرًا من مسؤولية إطعام سكان القطاع، أوْ توفير الاسمنت والحديد، وهو يُعطي غزة استقلالاً وينتج عزلاً بينها وبين الضفة، الأمر الذي سيخدم إسرائيل فقط، إذْ أنّ الحديث يدور عن مجموعتين سكانيتين، إقليمين ومشاكل مختلفة جوهريًا تتطلب سياسة مختلفة ومنفصلة، على حدّ تعبيره.
وبرأيه، يُمكن للموافقة الإسرائيلية على الميناء أنْ ترفع علاقات تل أبيب مع غزة إلى مسارات أخرى. وأوضح المُحلل أنّه ينبغي التحرر منذ الآن من القول العليل بأنّه لا مجال للحديث مع من لا يعترف بنا، فالناس يتحدثون مع الأعداء ومع الأنذال على حدٍّ سواء، إذا كان هؤلاء هم الجيران الذين ينبغي أنْ تتحقق معهم هدنة.
أما البديل، تابع، فهو مواجهة أخرى تؤدي بنا بالضبط إلى ذات النقطة، باستثناء أنّها ستفعل ذلك مع عددٍ اقل ببضع عشرات من الإسرائيليين ممّن لن يتمكنوا من مواصلة حياتهم. هكذا أيضًا في الضفّة الغربيّة: فالجيش والمخابرات الإسرائيلية، إلى جانب سياسة مكبوحة الجماح يقودها وزير الأمن نجحا في أنْ يخفضا جدًا عدد العمليات.
ولفت إلى أنّه في نيسان (أبريل) انخفض عدد العمليات إلى الحجم الذي كان عليه قبل تشرين الأول (أكتوبر) من السنة الماضية، مُوضحًا أنّ ظاهرة “إرهاب” الأفراد لا توشك على الاختفاء تمامًا، ولكنها في ميل هبوط، وكذلك أجهزة الأمن الفلسطينية، التي بتوجيه من محمود عبّاس عززت التعاون مع إسرائيل، ساهمت في ذلك. ولكن هنا أيضًا، كما يحذر الجيش، لن تكفي جهود الإحباط، فإذا لم تعرف إسرائيل كيف تتصدر خطوات تعطي أيضًا أملاً للفلسطينيين، فسيؤدي الإحباط إلى انفجار متجدد.
ومقابل الجيش الإسرائيلي، فإنّ رئيس المخابرات المنصرف، يورام كوهين، حرص في كلمته الوداعية أمام الحكومة على التقليل من مساهمة أجهزة الأمن الفلسطينية والتعارض مع موقف الجيش.
وخلُص المُحلل الإسرائيليّ إلى القول إنّه كجهاز له مهمة أساسية واحدة، منع “الإرهاب”، اتخذ جهاز المخابرات دومًا صورة من لديه رؤية ضيقة، رؤية تنظر إلى العالم عبر منشور إحباط “الإرهاب”، ويخيل أنّه في سنوات يورام كوهين الخمسة، تقلصت هذه الرؤية أكثر فأكثر، على حدّ تعبيره.