ألمانيا تتململ من استغلال نتنياهو لـ«صداقتها»

ألمانيا تتململ من استغلال نتنياهو لـ«صداقتها»

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٤ مايو ٢٠١٦

أثار تقرير نشرته مجلة «در شبيغل» الألمانية حول احتمال تغيير الحكومة الألمانية موقفها المناصر لإسرائيل جراء تعنت رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تجاه التسوية مع الفلسطينيين، نقاشات حادة في تل ابيب.
وقالت المجلة إن «الشكوك تتصاعد في برلين تجاه الصداقة مع إسرائيل» بسبب القلق الذي يعتري المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من الاستيطان الإسرائيلي الذي يجعل حلّ الدولتين مستحيلاً. وردت رئاسة الحكومة الإسرائيلية على التقرير، معتبرة إياه مجرد «تخمينات»، ومؤكدة على صلابة الصداقة مع برلين.
وأشارت «در شبيغل» الواسعة الانتشار والاطلاع إلى أن المستشارة الألمانية قالت بعد لقائها الرئيس الفلسطيني محمود عباس منتصف الشهر الماضي في برلين إنها «تتفهم سبب رغبة عباس طوال الوقت التوجه إلى مجلس الأمن الدولي». وذكرت المجلة أن ميركل قلقة جداً من سياسة الاستيطان التي تنتهجها حكومة نتنياهو، والتي تجعل حل الدولتين مستحيلاً، موضحةً أن ميركل ووزير خارجيتها فرانك فالتر شتاينماير يعتقدان أن أي حل غير حل الدولتين سيجعل من إسرائيل دولة تفرقة عنصرية.
وكانت ميركل قالت خلال لقائها مع عباس، على خلفية الجهد الفلسطيني لعرض مسألة الاستيطان على مجلس الأمن، والجهد الفرنسي لعقد مؤتمر دولي، «إنني أعارض البناء في المستوطنات. وأنا أفهم الرئيس عباس، الباحث دوماً عن طريق إلى مجلس الأمن ويعمل في هذا الاتجاه. وكان أفضل لو أننا أفلحنا في ألا يكون هناك المزيد من البناء في المستوطنات». وكان لافتاً أن كلام ميركل خرج علناً عن مألوف تصريحاتها طوال السنين الماضية، والداعية إلى حل عبر المفاوضات بين الطرفين. ومع ذلك، فإن ألمانيا صوتت في العام 2011 إلى جانب مشروع قرار لمجلس الأمن ضد المستوطنات أسقطته الولايات المتحدة بـ «الفيتو».
والجديد في موقف ميركل، وفق تقرير «در شبيغل»، أن كبار المسؤولين في الحكومة الألمانية لم يعودوا مستعدين لتأييد إسرائيل من دون نقاش في كل المواضيع. ويرى هؤلاء أن سياسة الحكومة الإسرائيلية تجعل حل الدولتين مستحيلاً، وهم قلقون أساساً من محاولة نتنياهو «استغلال» الصداقة مع ألمانيا «لأغراضه» الشخصية. ونقلت المجلة عن عضو البرلمان الألماني رولف موتسنيتش من «الحزب الاشتراكي الديموقراطي» قوله إن «هناك نظرة تزداد رسوخاً في الحكومة الألمانية تقول بأن نتنياهو يستغل صداقتنا لأغراضه».
وأشار موتسنيتش إلى أن إقدام وزارة الخارجية أو ديوان المستشارة في برلين على مراجعة منظومة العلاقات مع إسرائيل «سيكون أمرا مباركاً».
أما رئيس لجنة الخارجية في «البوندستاغ»، نوربرت روتغن، من حزب ميركل، فأشار إلى أن سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية «لا تساعد في بقاء إسرائيل دولة يهودية وديموقراطية. ولذلك فإن من واجبنا إبداء هذا القلق بشكل واضح لحكومة إسرائيل».
وبحسب التقرير، فإن هناك إشارات إلى تغيير الوجهة من جانب وزارة الخارجية الألمانية في برلين في كل ما يتعلق بالعون الديبلوماسي لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي. وهكذا مثلاً، خلال كانون الثاني الماضي، وفي اجتماع وزراء خارجية «الاتحاد» الذي كان مقرراً أن ينتقد الاستيطان وآثارها السلبية على حل الدولتين، اتصل نتنياهو بشتاينماير طالباً التدخل لتلطيف الانتقاد. لكن خلافاً للماضي، تجاهل شتاينماير طلبات نتنياهو، ولم يتدخل لتغيير الصياغة.
وأضاف التقرير أن بعض كبار المسؤولين في الخارجية الألمانية، ممن يعتبرون مؤيدين كبارا لإسرائيل، يغيرون وجهتهم في ضوء سياسات حكومة نتنياهو. وهكذا، فإن السفير الألماني الأسبق في تل أبيب، أندرياس ميخاليس، الذي يعمل حالياً مديراً عاماً سياسياً لوزارة الخارجية الألمانية، قال في مداولات داخلية إنه يعتقد بوجوب عدم الاستجابة لمختلف طلبات نتنياهو. وأوضح التقرير أيضاً أن ديوان المستشارية فقد الأمل بإمكانية التقدم بعملية السلام طالما بقي نتنياهو في منصبه، وأن أحداً في الديوان لم يقتنع بحجج نتنياهو ضد وسم بضائع المستوطنات.
وخلص التقرير إلى أن وزارة الخارجية الألمانية جمعت كل تصريحات الوزراء الإسرائيليين ضد إقامة الدولة الفلسطينية. وفي ضوء واقع رفض معظم وزراء حكومة نتنياهو إقامة دولة فلسطينية، شرعت جهات في الخارجية الألمانية بدراسة بدائل الدولة الفلسطينية، وكانت النتائج غير متفائلة. وخلال كانون الثاني الماضي، درست الخارجية الألمانية إمكانية إلقاء شتاينماير خطاباً يتحدث فيه عن احتمال تحول إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية. وأعدت مسودة للخطاب الذي كان مقرراً أن يلقى في «أكاديمية العلوم والآداب» في مدينة مينتس احتوت على اتهام لإسرائيل بالمسؤولية عن فشل العملية السلمية. ولكن أنصار إسرائيل في الخارجية الألمانية تغلبوا على مؤيدي الفكرة، وأزيلت تلك الفقرة من مسودة الخطاب.
ورد ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية على تقرير «در شبيغل» حول غضب المستشارة الألمانية من نتنياهو بالقول إن «العلاقات بين إسرائيل وألمانيا وثيقة، وستظل كذلك». واعتبر مسؤولون إسرائيليون أن تقرير «در شبيغل» ليس أكثر من «محاولة ألمانية داخلية لمناكفة ميركل بسبب علاقاتها الوثيقة مع نتنياهو». وفي رد على السجال في إسرائيل حول تقرير «در شبيغل»، أعلن مسؤول ألماني كبير أن «الخطوط الموجهة للسياسة الألمانية بشأن الشرق الأوسط لم تتغير».
من جهته، قال وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينت إن الألمان «أنكروا هذه التقارير. هناك علاقات جيدة وعميقة. وموقفهم من يهودا والسامرة لم يتغير. فمنذ سنوات طويلة وهم يعارضون التواجد الإسرائيلي هناك. في العام 2011 صوتوا في مجلس الأمن ضد المستوطنات. هذا ليس جديداً».
وتقريباً، فإن ألمانيا هي الصديق الثاني الأكثر وفاء لإسرائيل بعد الولايات المتحدة. لكن الحكومة الألمانية تميز بين الدعم السياسي والدعم العسكري أكثر من الإدارة الأميركية. وألمانيا تزيد من دعمها العسكري لإسرائيل، وتقلل من دعمها السياسي لها، كما هو الحال مع موقف الاتحاد الأوروبي. ولكن خلافاً للدول الأوروبية الأخرى، تتميز العلاقة بين إسرائيل وألمانيا بذكرى المحرقة النازية، ولذلك فإن كل انتقاد ألماني لإسرائيل يحتاج لجرأة أكثر من تلك التي تحتاجها دول أخرى.
ورأى معلقون إسرائيليون أن تقرير «در شبيغل» يشير إلى استمرار تدهور مكانة إسرائيل السياسية وتزايد العمل ضدها. وأشاروا إلى أن النار أتت هذه المرة من «الصديقة الأفضل في ألمانيا»، وهي حكومة أنجيلا ميركل.
وأشار المراسل السياسي لصحيفة «هآرتس» باراك رابيد إلى تقرير «در شبيغل» موضحاً أن «مقالات من هذا النوع لا تنشر صدفة. ويمكن الافتراض أن معظم المعلومات والاقتباسات قدمت لكاتبيه، المعتبرين من كبار كُتّاب المجلة الفاخرة، بعلم وصلاحية مسؤولين كبار في المستشارية ووزارة الخارجية الألمانية». ولذلك، فإن «الرد الصادر عن جهات سياسية في القدس مثير للسخرية. فالنهار ليل والليل نهار. كما لو أن مواطني إسرائيل كائنات فضائية هبطت للتو من كوكب آخر ولم يكونوا موجودين في السنوات السبع الأخيرة».
وأضاف رابيد أن «كل جملة في التقرير تقريباً تذكر بمكانة إسرائيل لدى حليف مركزي آخر. فأهمية المساعدة السياسية والأمنية الألمانية لإسرائيل تأتي بعد الولايات المتحدة. وعند فحص التآكل في العلاقات بين الحكومتين الإسرائيلية والألمانية منذ العام 2009 وحتى اليوم، نجدها تشبه كثيرا ما يجري بين إسرائيل والإدارة الأميركية. وبوسع الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يوقع على كل واحدة من حجج ميركل ضد نتنياهو».