مواجهة أميركيّة ـ روسيّة دون تماس... في حلب!

مواجهة أميركيّة ـ روسيّة دون تماس... في حلب!

أخبار عربية ودولية

السبت، ٣٠ أبريل ٢٠١٦

تشي التطوّرات الميدانيّة المستجدّة في ضوء اشتداد ضراوة المعارك على جبهات القتال في حلب بأنّ ما اتُّفقَ على تسميته تفاهمًا أميركيًّا – روسيًّا حول طريقة إدارة الأزمة السوريّة وسبل تسويتها، لم يكن في الأساس أكثر أو أقلّ من مجرّد مناورة ديبلوماسيّة، أرادت من خلالها واشنطن وموسكو السعي في اتّجاه تحقيق ما يتيسّر من مكاسبَ سياسيّةٍ تدعم مواقفهما المتباينة على طاولة المفاوضات في جنيف، تمهيدًا لانتزاع مكاسبَ استراتيجيّةٍ أكبر وأهمّ في أماكنَ مختلفةٍ من العالم، الأمر الذي أوصل المتفاوضين السوريّين إلى طريق شبه مسدود، ولا يلوح في الأفق أيّ أمل بإمكانيّة تخطّي عقباته ومطبّاته على المدى المنظور، وخصوصًا إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ التصعيد العسكريّ الأخير لم يحصل إلّا في أعقاب بروز حدثين لافتين بعيدًا عن ساحات المواجهات، تمثّل الأوّل في استشعار الروس لـ "نوايا أميركيّة سيّئة" إثر الإعلان عن اعتزام الولايات المتحدة إرسال فرقة من جنودها المتمرّسين إلى الأراضي السوريّة من أجل تدريب فصائل المعارضة هناك على محاربة تنظيم "داعش"، وذلك على خلفيّة ما يحمله هذا الإعلان من "نذائر" ترى روسيا أنّ من شأنها فتح الباب السوريّ أمام قيام دول إقليميّة، مثل تركيا، بالإقدام على خطوات مماثلة، بينما تمثّل الثاني في توجّس الأميركيّين من الطلب الذي تقدّمت به روسيا إلى الأمم المتحدة من أجل إدراج تنظيميْ "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" في قائمة التنظيمات الإرهابيّة، وهو الطلب الذي قال المندوب الروسيّ الدائم لدى المنظّمة الدوليّة فيتالي تشوركين إنّه يأتي على خلفيّة الانتهاكات المستمرّة التي ثبت أنّ هذين التنظيمين يقومان بها لوقف إطلاق النار في سوريا، وكذلك على خلفيّة ارتباطهما الوثيق بـ "داعش" و"القاعدة".

وإذا كانت تجلّيات العلاقات الأميركيّة – الروسيّة قد أظهرت لغاية الآن أنّ واشنطن ظلّت على مدى العامين الماضيين تختبر قوّة روسيا في سوريا بينما ظلّت موسكو خلال الفترة نفسها تختبر قوّة الولايات المتحدة في أوكرانيا، فإنّ ارتفاع حمأة لهيب الحريق السوريّ في الوقت الراهن لن يخرج عن إطار هذا الصراع بين طرفين يدّعي كلٌّ منهما أنّه يريد محاربة الإرهاب، ولكن على طريقته الخاصّة، علمًا أنّ عميد الديبلوماسيّة الأميركيّة المخضرم هنري كيسنجر، وفي أعقاب لقاء جمعه بالرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين في بلدة نوفو – أوغاريوفو قرب موسكو خلال شهر شباط (فبراير) الماضي، كان قد كتب لدى عودته إلى واشنطن مقالًا جريئًا لصحيفة "ناشيونال إنترست"، تضمّن نصائحَ وتوصياتٍ للإدارة الأميركيّة بضرورة النظر إلى روسيا كعنصر رئيسيّ في أيّ توازن عالميّ جديد عوضًا عن اعتبارها الخطر الوحيد والمطلق الذي يهدّد الولايات المتحدة، وتشديدًا على أنّه في ظلّ تكوّن عالم متعدّد الأقطاب، فإنّ من شأن تنسيق الجهود الروسيّة والأميركيّة، وبالتشاور مع الدول الكبرى الأخرى، إيجاد هيكليّة لصياغة الحلول السلميّة في منطقة الشرق الأوسط، وربّما في غيرها من مناطق العالم، بما في ذلك أوكرانيا التي يُفترض أن تتركّز الجهود المبذولة من أجل فضّ أزمتها على ضرورة دمجها في إطار هيكليّة الأمن الدوليّ والأوروبيّ، بحيث تصبح جسرًا يربط بين روسيا والغرب، عوضًا عن أن تكون منطلقًا لهذا الجانب أو ذاك ضدّ الآخر.

هذا الكلام المسؤول، وعلى رغم أهميّته البالغة، وخصوصًا من جهة تطابقه مع الموقف الذي عبّر عنه الرئيس بوتين لدى انتخابه للمرّة الأولى في آذار (مارس) عام 2000 عندما قال إنّ بلاده ترغب في استعمال قوّتها مع الآخرين وليس ضدّهم من أجل بناء عالم متعدّد الأقطاب، فإنّ التوقّعات الحاليّة تشير إلى أنّه سيبقى كلامًا ممنوعًا من الصرف حتّى إشعار آخر، ريثما تنتهي معركة الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة المقبلة وتتحدّد هويّة وتوجّهات سيّد البيت الأبيض الجديد... اللهم إلّا إذا ظهرت معجزة تنصر فينا قوّة الحبّ على حبّ القوّة، فتتوقّف حمّامات الدم المسفوك هدرًا، وتليق بنا الحياة أكثر، ونحياها بسلام