الجولان وجولة نتنياهو: نهاية "الأرض مقابل السلام"

الجولان وجولة نتنياهو: نهاية "الأرض مقابل السلام"

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٢٨ أبريل ٢٠١٦

حين اجتمع الرئيس الأميركي باراك أوباما بقادة الخليج في الرياض، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في موسكو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. تزامن الاجتماعان ربما من دون قصد، لكن تصريحات نتنياهو، من الكرملين كانت مقصودة ولها أبعادها.

رئيس الحكومة الإسرائيلية قالها صراحةً: الجولان أرض إسرائيلية إلى الأبد. تصريح يبعث برسائل ذات خطوط حمراء للحلفاء والأعداء على حد سواء. أن يتحدث نتنياهو عن الجولان أمام حليف دمشق، يعني أنه يتحدث إلى الحكومة السورية مواربةً. صمت بوتين، والسكوت هنا ليس من ذهب إنما إشارة الى رضىً وإن كان غير معلنٍ صراحةً. رد دمشق كان واضحاً: الجولان أرض سورية وسنحررها بكافة الأشكال.

يعرف نتنياهو اختيار التوقيت المناسب لتصريحاته. فهو قبل ذلك بأيام قليلة كان ترأس اجتماعاً لحكومته في الجولان نفسه في ذكرى الجلاء السورية. إنه الموعد لعدم الجلاء الإسرائيلي عن الجولان، لذلك تبقى سوريا منقوصة الجغرافيا، إذا لم نغفل القضم التركي للواء الإسكندرون. الأهم أن الاسرائيليين يتابعون الملف السوري بتفاصيله أكثر من أي جهة أخرى. يساعدهم في ذلك حال الفوضى والحروب المستعرة ليس في سوريا فحسب بل في أكثر من دولة عربية. لذلك تعمد نتنياهو، استباق المبعوث الأممي إلى سوريا ستافان دي ميستورا، وحديثه عن دستورٍ سوري جديد. الدستور بطبيعة الأحوال يجب أن يتطرق إلى الجولان، وهذا ما يجب حذفه إسرائيلياً. يطمع نتنياهو أن يضغط حلفاؤه على أطراف الحوار في جنيف لنسيان الجولان. فـ"الضعفاء" لا يملكون القرار، هم ينفذون فقط ما خطط لهم.

استطاعت الاستخبارات الإسرائيلية اختراق مفاصل الميدان السوري. لم يكن يحلم أيُ صانع قرارٍ اسرائيليٍ أن تأتي هذه الفرصة. اذاً ليتم تحويل الفرصة الى قصة يحبكها الإسرائيلي وحده. القصة في فصولها تؤكد أن روسيا والولايات المتحدة يقرران الاتفاق السوري - السوري ويضغطان على المعارضة والحكومة. نتنياهو يدرك طريق القرار. زار الكرملين ليشارك في اتخاذ القرار، في حين تسرب خبر يفيد بأن مضادات روسية اعترضت طائرات إسرائيلية فوق الأراضي السورية. وعلى الرغم من نفي الخبر إلا أن الرسالة كانت تشبه صمت بوتين الرهيب.
الجولان: أرض وشعب وموارد

يتبع الجولان إدارياً لمحافظة القنيطرة، تقدر مساحته الإجمالية بـ 1860 كيلومتراً مربعاً، احتلت إسرائيل الثلثين من مساحته خلال حرب يونيو-حزيران عام 1967، ويمتد على مسافة 74 كيلومتراً من الشمال إلى الجنوب من دون أن يتجاوز أقصى عرض له 27 كيلومتراً.

يقع الجولان إلى الشمال من جبل الشيخ وإلى الجنوب من نهر اليرموك وإلى الشرق من سهول حوران وريف دمشق، وتطل على بحيرة طبريا ومرج الحولة غرب الجليل في فلسطين.

بلغ عدد قرى الجولان التي وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي 137 قرية من أصل 164 قرية، إضافة إلى القنيطرة التي أعيدت إلى سوريا عام 1974 في إطار اتفاقية فك الاشتباك.

هجّر الاحتلال الإسرائيلي نحو مئة ألف نسمة من أهالي الجولان. نزحوا بمعظمهم إلى العاصمة السورية دمشق، فيما بقي ما بين 17 و20 ألف نسمة يعيشون في أربع قرى رئيسية وهي مجدل شمس، مسعدة، بقعاثا، وعين قنية. ويعد الموحدون الدروز من السكان الأصليين فيه.

أصدر الكنيست في 14 ديسمبر/كانون الأول 1981 "قانون مرتفعات الجولان" الذي يقضي بضم الجولان. وفقاً لهذا القانون أصبح أهله يخضعون له على الرغم من عدم اعتراف المجتمع الدولي ورفض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (في قرار برقم 497 الصادر في 17 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه) له.

الرفض انسحب على السكان الأصليين للجولان أي دروز الجولان، فمعظمهم امتنع عن حمل الهوية الإسرائيلية وعليه فهم يحملون اليوم مكانة "مقيم دائم" في "إسرائيل"، ما يمكنهم من ممارسة تلك الحقوق الممنوحة للإسرائيليين باستثناء التصويت للكنيست وحمل جوازات سفر إسرائيلية.

وفق القانون الإسرائيلي يمكن للحكومة إلغاء مكانة "مقيم دائم" إذا غادر سوريو الجولان المناطق التي ضمتها إسرائيل لها في تلك البقعة من الأرض.

في موازاة ذلك، عمل الاحتلال الإسرائيلي على تشجيع اليهود على الاستقرار في الجولان حتى تجاوز عددهم 18 ألف مستوطن غالبيتهم من اليهود الروس، وتعد "كتسرين" أبرز مستوطناتهم وهي التي أقيمت عام 1977.

يعتبر الجولان أرضاً استراتيجية ليس فقط من الناحية الجغرافية المتمثلة بموقعه بين سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، ولا بارتفاع هذه المنطقة عن سطح البحر ما يمكنها من السيطرة والإشراف، ولكن أيضاً لتحكمه بمصادر المياه.

ثلاثة مصادر يتغذى منها الجولان، لذلك كان محط أطماع الاحتلال الإسرائيلي إلى يومنا هذا، فجبل الشيخ أو ما يعرف أيضاً بجبل حرمون يعد من أهم المصادر المائية المغذية للجولان بسبب كميات الأمطار والثلوج المتساقطة فوقه. أما المصدر الثاني فيتمثل بالمياه الجوفية والينابيع والآبار التي تشكل روافد أساسية لنهر الأردن وبحيرة طبريا. فيما تعد الأنهار المصدر الثالث للمياه في الجولان، حيث يعتبر نهرا اليرموك وبانياس ووادي الرقاد روافد مهمة له ولمحيطه لما تحمله من كمية مياه تروي وتغذي المناطق المحيطة ونهر الأردن.
"وديعة رابين" والحسم بالقوة
يتبين مما سبق أنه لا يمكن لنتنياهو أن يفرط بالجولان. يتحدث وكأنه أصبح أمراً واقعاً كما المستوطنات في الضفة والقدس. هذا يؤكد أن "وديعة رابين" أصبحت ذكرى.

الوديعة كان أكدها نائب الرئيس السوري فاروق الشرع في مذكراته "الرواية المفقودة"، لكن نتنياهو يروي روايته الخاصة من دون التفكير حتى باستئناف المفاوضات مع الطرف السوري من أجل الجولان. البيان انتهى بالمواجهة المباشرة. لا يهم إن نَفَذَ غارات في أي منطقة سورية، أو اغتال أيَّ مسؤول سوري أو حتى قياديين في المقاومة اللبنانية، كان آخرهم مسؤول ملف المقاومة في الجولان سمير القنطار.

نُسجت أولى خيوط "وديعة رابين" عام 1993 مع زيارة المبعوث الأميركي دنيس روس، حاملاً رسالة الى الرئيس الراحل حافظ الأسد من الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون. أكد روس لمستضيفه أنذاك أن رابين موافق على الانسحاب الكامل من الجولان إذا تمت تلبية حاجاته الأمنية، التي هي الآن أكبر بكثير.

يضيف الشرع في كتابه أن الوديعة ائتمن عليها خلال ثماني زيارات لإسرائيل وسوريا لوزير الخارجية الأميركي السابق وارن كريستوفر، عام 1994. كان وسيطاً وساعي بريد بين الطرفين. في إحدى زياراته حمل جواب رئيس الوزراء الإسرائيلي: "قال لي رابين إن الانسحاب الكامل هو إلى خطوط 4 حزيران/ يونيو 1967، وإن رابين يريد أن يتأكد أن متطلباته أيضاً سوف تتم تلبيتها، كما تمت تلبية طلباتكم". الرد السوري كان بالموافقة "مقابل التزام إسرائيل بالانسحاب الكامل إلى خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967، والذي نقله إلينا الوزير كريستوفر، في 19 تموز/يوليو 1994. إن سوريا مستعدة للاستجابة للمقترحات الإسرائيلية التي تتضمن إنهاء حالة الحرب بين البلدين، وترتيبات أمنية متفق عليها، ورفع المقاطعة، ومشاركة سورية في المحادثات المتعددة الأطراف، مع جدول زمني لتحقيق ذلك"، بحسب الشرع.

خلال القمة الثانية بين بيل كلينتون، وحافظ الأسد عام 1994 في دمشق، "سجّل الرئيس كلينتون في هذا الاجتماع، ولأول مرةٍ، وعلى لسان أعلى سلطة أميركية ممثلةً برئيس الولايات المتحدة، بأنه حصل من رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين على إقرارٍ باستعداد إسرائيل للانسحاب إلى خط الرابع من حزيران/ يونيو 1967 في إطار اتفاق متكامل، شريطة وضع هذا التعهد في جيبه في انتظار توصل الطرفين إلى اتفاقٍ حول بقية عناصر الاتفاق". كل ما كان يتحدث عنه الأميركيون والإسرائيليون والسوريون تغير. الزمان لا يعود الى الوراء، لذلك على السوريين نسيان الجولان حالياً لأنه لن يعود في إطار مفاوضات سلمية. إنه واقع يجب التعامل معه، فليست "وديعة رابين" هي التي ماتت فحسب إنما قُتل معها أيضاً مبدأ "الأرض مقابل السلام".

ما قاله العرب للإسرائيليين حول التسوية واسترداد ما فرطت به "النكسة" ولى الى غير رجعة. لم يقبل نتنياهو، بمفاوضات مع الفلسطينيين لأن فريق المفاوضات الفلسطيني اشترط تجميد الاستيطان قبل بدء المفاوضات. المفاوضات لم تستؤنف إنما كثر البناء في المستوطنات واستحدثت أراضٍ أخرى لاستيطان إضافي. يتضح ذلك من خريطة لتوسيع منطقة المجلس الإقليمي الاستيطاني "كتسرين" والمجلس الإقليمي "جولان".

يقول مسؤولون في مجلس "جولان" لموقع "والا" إنهم كانوا في الماضي يحتاجون إلى حملات لتشجيع الاستيطان في الجولان، بينما يواجهون اليوم طلبات كثيرة للإقامة فيه.

يوضح موقع "والاه" أنه لولا البيروقراطية لكان بالوسع مضاعفة عدد المستوطنين. يعيش في كتسرين، عاصمة الاستيطان في الجولان المحتل حالياً، 8 آلاف نسمة، بينما تتحدث خطة التوسيع عن زيادة عددهم إلى 20 ألف نسمة بحلول عام 2020. رئيس مجلس كتسرين، ديمتري افرتشاب، يقول: "كان من الواضح في الماضي أن إسرائيل لن تعيد هضبة الجولان لسوريا، ولكن الآن، بعد الحرب الأهلية المتوحشة التي تسود في سوريا، بات هذا الأمر واضحاً للجميع. وقررت الحكومة في يونيو/حزيران 2014 تضخيم كتسرين كعاصمة للجولان، ولذلك منحتها ميزانية قيمتها 65 مليون شيكل، سيتم استثمارها أيضاً في استيعاب السكان الجدد.

أما في منطقة المجلس الإقليمي "جولان" يعيش حوالي 16 ألف نسمة. ويستعدون هناك أيضاً لاستيعاب حوالي 2000 عائلة جديدة، ما يعني زيادة عدد السكان بحوالي 8 آلاف نسمة أخرى. هذا يصبح سهلاً لأن الأراضي في كتسرين والجولان توزع على المستوطنين مجاناً، ولا يطلب منهم إلا تحمل تكلفة التطوير وبناء المنزل.

وبعيداً عن الرسائل الداخلية لتصرفات وتصريحات نتنياهو، يبدو واضحاً أن الرسائل الخارجية أهم بكثير. ويبدو واضحاً أيضاً التواطؤ الأميركي في ذلك، لأن على سبيل المثال تعمل شركة "افيك" الأميركية على التنقيب عن النفط في الجولان المحتل رغم تحريم ذلك في القانون الدولي. وهي فعلاً اكتشفت نفطاً هناك.

وعليه، من يفرط بأرضٍ مثل الجولان إلا بالقوة؟