الأسد.. ما بعد ميونخ ونهاية مرحلة المعارضات

الأسد.. ما بعد ميونخ ونهاية مرحلة المعارضات

أخبار عربية ودولية

الأحد، ١٤ فبراير ٢٠١٦

ميشيل كلاغاصي
في زمن ٍ قل َّ رجاله و كَثُرت أنصافهم, وتوارت الكرامة و كَثُرت بدائلها ! و اُنتحل الدين و كادت تتبعثر صحائفه.. و في زمن الأقزام و تدحرج الزعامات المزيفة, ينتعش سارقو الأوطان و منتحلو الجنسية , و تلاحقهم تخمة المال الأسود الحقود .. تبقى سورية عروس قاسيون تشع بنور هامتها و إنتصارها المروي بدماء و تضحيات من أحبها و عَرف قيمتها و دفع مهرها .. هي شام العرب و العروبة , عروس الأوطان التي ما فتئت تنتظر بشارها ليهديها السلام و الإنتصار.
لقد خاض الرئيس الأسد معارك الميدان كما السياسة والإعلام , فعشرات اللقاءات الصحفية واجه فيها زمن التضليل و التشويش و النفاق و التهويل بصدقه و شفافيته و شجاعته المعهودة , وأسمع بكلماته من في أذنيه صمم , عبر وسائل إعلام ٍ غربية ٍ و أوروبية ٍ و عربية ٍ و غيرها .
فمن تابع كافة اللقاءات والحوارات يشعر أن مهندسها شخص ٌ واحد , فدائما ً ذات الأسئلة والإتهامات , و كأنه يبحث عن ثغرة أو كلاما ً يحمل تفسيرا ً مزدوجا ً!.. عبثا ً يحاولون فقد استطاع الرئيس الأسد أن يصل إلى شعوبهم , و نجح في تغيير نظرتهم لما تتعرض له سورية من إرهاب دولي- تكفيري مزدوج , على الرغم من إعلام دولهم المزيف والمسيس , ولكن ماذا عن الحكومات ؟.
يعلم الرئيس الأسد دقة المرحلة وخطورتها , فكان واضحا ًو مباشرا ً, و لم يستبعد جنوح البعض لما وراء المنطق والعقلانية والجنون, في تدخل ٍ بري ٍ سافر غير محسوب النتائج والعواقب , مؤكدا ً أن الهدف الأساسي للدولة السورية هو استعادة كافة الأراضي السورية , وأن محاربة الإرهاب عملية ٌ مستمرة , خاصة ً في حلب و التي تهدف بشكل رئيسي لمنع استمرار العبث وتدفق الإرهابيين و الإمداد عبر الحدود التركية , لقد كان الرئيس الأسد على درجة عالية من الدبلوماسية إذ انتقد مجمل السياسات التخريبية الداعمة للإرهاب للحكومات الفرنسية المتعاقبة في العقد الأخير, و دعا بشكل غير مباشر رئيس الحكومة الجديد جان مارك إيرولت – من المنبر الإعلامي الفرنسي , فرانس برس - إلى تغيير سياسة حكومته تجاه سورية و بمكافحة الإرهاب، خاصة بعد أن دفع المئات من الفرنسيين حياتهم ثمنا ً لهذه السياسات الخاطئة.
أما عن الإدارة الأمريكية , فلم يُظهر إهتماما ً بنتائج الإنتخابات الأمريكية القادمة , و قلل من أهمية فوز أيا ً من مرشحي الديمقراطيين أو الجمهوريين, واعتبر أن لا فرق يُذكر بالنسبة للسوريين فكلاهما متشابهان .
يبدو أن المرحلة التي وصلتها الحرب على سورية بالغة الخطورة و الحساسية, في ظل عدم توفر الإرادة و الرغبة الدولية , وعدم نضوج التوافق الروسي – الأمريكي, واستمرار الحرب الباردة – الساخنة , واستمرار استنزاف الدولة السورية , في ظل فشل الأدوات والأذرع الإرهابية بعد خمس سنوات ٍ للحرب في إخضاع الدولة السورية , و فرض إرادتهم على الشعب السوري , و تكريس سياسة تغيير الحكومات والأنظمة من الخارج وعبر العصابات والتنظيمات الإرهابية التكفيرية.. وأن البحث عن تغيير موازين القوى على الأرض لم يعد هدفا ً ممكنا ً لكافة المجاميع الإرهابية , و بات تحرك الدول الراعية للحرب على سورية أمرا ً معلنا ً, فمع التعنت السعودي – التركي – الإسرائيلي – الأمريكي – الخليجي , و استمرار التحركات المريبة للأتراك والسعوديون , و القصف المدفعي التركي لمواقع انتشار بعض الفصائل الكردية داخل الأراضي السورية , و تأكيد الوزير مولود جاويش أوغلو وصول الطائرات السعودية إلى تركيا (مطار الناتو في قاعدة أنجرليك ) , وبحسب تقارير إعلامية و مصادر مضطلعة ,و تأكيدها وصول 35 طائرة حربية سعودية كدفعة ٍ أولى تستهدف نقل 100- 120 طائرة , واستعداد المملكة لإرسال جيوشها , في ظل استمرار وزير خارجية العائلة الوهابية تأكيده على ضرورة إزاحة الرئيس الأسد عن الحكم بعيدا ً عن الحل السياسي , و قوله :" أن التدخل الروسي لن يساعد الرئيس السوري على البقاء في الحكم" .
هل يدرك الجبير أنه ليس سوريا ً, ولا يمثل الشعب السوري , و ما أظهره من رغبة و إصرار في محاربة الإرهاب عليه ترجمتها برحيله ورحيل اّل سعود , قبل أن يحملّونه نتيجة فشلهم في سورية و يُجز رأسه في ساحات الرياض .
يبدو أن الصراع يدخل مرحلة ً إقليمية جديدة , إذ لم يستطع اتفاق ميونخ أن يقدم نفسه كصاحب حل سياسي , وإن شكّل بداية حل , يبدو أنه لا يعدو أكثر من إتفاق تهدئة مرحلي مؤقت , مع سقوط ما يسمى بدعة المعارضة المسلحة , و التي أنهى الرئيس باراك أوباما بحثه عنها بوصفها ب " الفانتازيا " , و أن الحدبث عن وقف إطلاق نار لم يقنع الوزير لافروف بإمكانية حدوثه خلال اسبوع , وأن حظوظ نجاحه – دائما ً بحسب لافروف – لا تتعدى ال 50% .
لم يعد ممكنا ً الحديث عن أية لقاءات مع معارضات الرياض و تركيا وغيرها , إلاّ إذا فقد العالم صوابه واعتبر الإرهاب ديمقراطيا ً و مسالما ً و أنه يطمح لتحقيق العدالة والسلام ؟, و بات من الحماقة و الغباء انتظار لوائح التنظيمات الإرهابية بيد ٍ أردنية ملطخة بدماء السوريين و غرف العمليات الإرهابية .
و بات على السوريين أن يدركوا أن الحرب على سورية لم تُشن كرمى لعيون البعض أو ضد البعض الاّخر فقط , هي حرب باردة تجري فيها تصفية الحسابات الإقليمية والدولية , وتستهدف سورية و روسيا و إيران وحلف المقاومة مجتمعا ً كما تستهدف سورية بالضبط , فلا يغيب عن أذهانكم الحروب الاقتصادية التي تقودها مملكة الشر ّ الوهابي, والولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا و بريطانبا و تركيا و دول الخليج , وتلك الحروب العسكرية التي استهدفت الدولة الروسية في جيورجيا و يوغوسلافيا و أوكرانيا مؤخرا ً .. فالعالم يولد من جديد , و تُرسم معالمه بمخاض الدم و الحروب والدمار بالضبط كما وعدت " الحسناء " كوندي رايس ..
كما بات عليهم إدراك و تقدير تضحيات الجيش العربي السوري في فرض الأمن و الأمان في المناطق التي تتم استعادتها و دحر الإرهابيين منها , وسط الأكاذيب و التشويه الإعلامي , فأنتم تعلمون علم اليقين أن المساعدات الإنسانية و رواتب الموظفين و لقاحات الأطفال و كل متطلبات الحياة الأساسية , لم تتوقف لحظة ً واحدة , و أن الحكومة لم تأنو جهدا ً في فك الحصار عن المحاصرين .....إلخ , أما آن الأوان لنقول كفى ؟ و تبقى سورية الحضن الدافئ لكل أبنائها , و الأم الرؤوم التي تنتظر عودة من ضل و تاه و أخطأ .. و دائما ً نقول في الرجوع عن الخطأ فضيلة