الرقة.. برلين الحرب العالمية الثالثة؟؟

الرقة.. برلين الحرب العالمية الثالثة؟؟

أخبار عربية ودولية

الأحد، ١٤ فبراير ٢٠١٦

عمر معربوني - بيروت برس

اردوغان هذه الأيام كما محمد بن سلمان والجبير فقدوا نعمة الصبر تمامًا، يصرّحون يمينًا وشمالًا تهديدًا ووعيدًا، ويكشفون تحت تأثير الغضب عن نواياهم الحقيقية بما يخص التدخل البري السعودي - التركي المحتمل. حيث اعلن الجبير البارحة أنّ هدفهم الحقيقي هو ازاحة الرئيس الأسد وانهم سيعملون على تحقيق هدفهم، بينما يصرح اليوم رئيس الوزراء التركي بأنّ تركيا ستشن عملية عسكرية ضد الكرد في سوريا، وهو ما حصل بعد ظهر اليوم حيث استهدفت المدفعية التركية مواقع لقوات سوريا الديموقراطية في بلدة مرعناز وفي مطار منغ التي سيطرت عليهما هذه القوات منذ ايام، بالتوازي مع اعلان الحكومة التركية ان طائرات حربية سعودية وصلت الى قاعدة انجرليك التركية.

رئيس الوزراء الروسي ميدفيديف اعلن بوضوع انه لا يجب تخويف الناس من العملية البرية، وان اي تصعيد قد يأخذ الأمور الى حرب عالمية ثالثة في ظل انقطاع التواصل مع حلف الناتو وتوقف الحوار مع الغرب، وان المرحلة هي ما يشبه مرحلة الحرب الباردة مع تأكيده ان الحل في سوريا هو حل سياسي، وهو كلام يُفهم كما انه التحذير الأخير.

ان يصدر هذا الكلام عن ميدفيديف، الأقل تشددًا، يعتبر بمثابة رسالة واضحة حول توحد القيادة الروسية على موقف واحد في النظرة والسلوك حول كل القضايا الصراعية في العالم.

سوريا التي تتحضر خلال وقت قصير للإنضمام الى منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تضم روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وطاجيسكتان وقيرغيزستان وارمينيا، كعضو في المنظمة ولتكون شريكًا فاعلًا لهذه الدول في كل النواحي الإقتصادية والعسكرية والأمنية، ما يمكّنها من طلب المساعدة العسكرية والأمنية عند الضرورة، وهذا ما يعني ان قدرات عسكرية وامنية وبشرية لدول المنظمة ستكون بتصرف سوريا اذا ما طلبت ذلك.

اميركا ومعها السعودية وتركيا لم تكن بهذا التوتر وهذا المستوى من الغضب قبل ان يبدأ الجيش السوري عملياته الشاملة بالتعاون مع القوات الجوية والفضائية الروسية، حيث بات واضحًا لأميركا وحلفائها أنّ الإنجازات التي حققها الجيش السوري اصبحت كافية لتعديل ميزان القوى وإلحاق الهزيمة بالإرهاب المدعوم حتى اللحظة من هذه الدول. وما تهرّب اميركا وغيرها من موضوع تصنيف الجماعات المسلحة، ومطالبة جون كيري اليوم بالتوقف عن ضرب قوات "المعارضة" حسب ما سمّاها، إلّا محاولة لإعطاء هذه الجماعات الفرصة لإلتقاط انفاسها، رغم معرفة كيري أنّ هذه الجماعات ما هي إلّا النصرة ومن يشبهها في الفكر والسلوك، متناسيًا أنّ اميركا نفسها اعلنت فشل برنامج تدريب "المعارضة المعتدلة" الذي وصل عديد المشاركين فيه الى 55 مقاتلًا فقط، انضم 50 منهم مع اسلحتهم بعد دخولهم الأراضي السورية الى جبهة النصرة.

في ظل هذا التصعيد، وحده الجيش السوري يصرّح في الميدان عبر استكمال العمليات التي اطلقها في كل الجبهات، دون أن يلتفت الى كل هذا الضجيج الإعلامي والضوضاء، منفذًا بثبات اوامر القيادتين السياسية والعسكرية القاضية بتحقيق انتصار على الإرهاب.

وإن كنا لا نزال على مسافة من بدء معركة الوصول الى الرقّة، إلّا أنّ ملامح تشكل هذه المعركة بدأت تظهر بشكلٍ واضح من خلال عمليات الجيش في ريف حماه الشرقي بالقرب من بلدة اثرية، حيث يبدو واضحًا مع استعدادات اخرى قرب بلدة القريتين واخرى على مشارف تدمر أنّ عملية ربط يتم التحضير لها لتأسيس نقاط ارتكاز قوية تنطلق منها العمليات القادمة.

تحضيرات الجيش السوري وحلفائه هذه المرّة تعتمد اكثر على الأسلحة النوعية والتنسيق العالي بين صنوف القوات، حيث بات مؤكدًا أنّ قدرات الرصد والمتابعة الإلكترونية وصلت الى مرحلة ممتازة، وأنّ منظومة القيادة والسيطرة على القوات العسكرية انجزت كل ما يلزم من الجهوزية، وما العمليات التي حصلت قرب إثرية والسيطرة على التل 5 إلّا مقدمة لتأسيس نقطة ارتكاز للإنطلاق جنوبًا نحو بلدة السخنة ما يعني السيطرة على عقدة الكوم بين إثرية والسخنة كتدبير مؤكد.

إنّ الأهمية السياسية لوصول وحدات الجيش السوري تتجاوز الأهمية العسكرية في هذه المرحلة، فكل من اميركا والسعودية وتركيا تستهدف منطقة الرقّة لتغيير معالم السيطرة فيها، من خلال ضرب داعش وإحلال قوات اخرى بديلة تمكن هذه الأطراف من العودة الى المفاوضات بأوراق اكثر قوة، رغم ان تداخلات وتعقيدات كثيرة تحيط بالأمر لجهة الموقفين التركي والسعودي من الوحدات الكردية، حيث تمّ استبعاد ممثلين عن هذه القوى في "معارضة الرياض" بطلب تركي وتجاوب سعودي، ما يجعل الأميركي في موقف ليس بالمريح ازاء الأمر، بانتظار موقف واضح من اميركا حول قصف المدفعية التركية اليوم للقوات الكردية قرب اعزاز.

في الجانب العسكري، لا شك أنّ الجيش السوري يمتلك زمام المبادرة، وهو قادر من خلال الدعم الجوي الروسي والمعدات والأسلحة النوعية الحديثة التي حصل عليها ان يكون اكثر سرعة في الإنتقال من الثبات الى الحركة في ارض صحراوية مفتوحة، بعد انجاز السيطرة على عقد الجغرافية في هذه المساحات، وهو امر يمكن للطوافات الهجومية الروسية ان تساعد فيه بشكل كبير، اضافة الى الطائرات بدون طيار التي سيكون لها دور كبير في تأمين قاعدة معلومات واسعة إن لجهة الإستطلاع او متابعة عمليات الرمي من المدفعية وتزويد وحدات الزج بما يلزم من معلومات سواء في حالة الثبات او الإنتقال الى الحركة.

المهم ان يتم انجاز السيطرة على عقد الجغرافيا بسرعة واحداث عمليات ربط سريعة تؤمن للجيش امكانية ادخال داعش في الطوق، على غرار العمليات التي تحصل في باقي الجبهات، علمًا ان عمليات ضرورية يجب ان تُنجز في محيط منطقة شاعر للتسريع في تدمير البنية الأساسية لمسلحي داعش.

وعليه، تبدو الرقة في وضع يشبه مدينة برلين زمن الحرب العالمية الثانية، فمن يصل اليها اسرع؟ الجيش السوري مدعومًا من روسيا، او تركيا والسعودية واميركا التي تحتاج السيطرة على مدينة بأهمية الرقة، وتقديم الأمر على انه انتصار على داعش وليس على تنظيمات يعتبرها حلف اميركا تنظيمات ثورية يمكنه من خلالها الدخول مجددًا الى المفاوضات.

ويبقى ان عقدة الأكراد ستكون على رأس المصاعب التي ستواجه الحلف الأميركي اذا ما دخلت القوات التركية في نزاع مع هذه القوات.

المسألة الأخطر هي أنّ الدولة السورية وروسيا تعتبران أي تدخل دون موافقة الدولة السورية عدوانًا وسيتم التعاطي معه على هذا الأساس، ما يجعل الأمور مفتوحة على كل الإحتمالات وأسوئها.