كندا تفتح الباب أمام تغيرات استراتيجية في محاربة "داعش"

كندا تفتح الباب أمام تغيرات استراتيجية في محاربة "داعش"

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ١٠ فبراير ٢٠١٦

 يطرح إعلان كندا عن إيقاف غاراتها الجوية على "داعش" أسئلة حول جدوى التحالف الدولي، وجديته، ومستقبله. وقد يفتح الباب أمام تغيرات استراتيجية في مقاربة العالم لخطر الإرهاب.

ويتجاوز إعلان رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو، عن إيقاف غارات سلاح الجو الكندي على مواقع تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، تنفيذ وعود انتخابية قطعها على نفسه.. ويُحدث الإعلان نفسه ضجة أكبر بكثير من تأثير نتائج طلعات كندا الجوية، التي كانت محدودة بنحو ست مقاتلات فقط، ويرقى إلى مراجعة شاملة لدور "التحالفات الدولية" في أفغانستان والعراق وسوريا، وفعاليتها في القضاء على الإرهاب.

ترودو لفت إلى أن الخطوة تأتي في إطار سياسة جديدة "ذات فاعلية" لمكافحة "داعش"، وكشف أنها تتضمن تخصيص أكثر من 1.5 مليار دولار لدعم جهود التنمية والمساعدات الإنسانية، ومضاعفة الجهود الكندية لتدريب القوات العراقية؛ ما يشي بازدياد القناعة بأن أفضل طريقة للوصول إلى استقرار طويل المدى هي مساعدة السكان المحللين على القتال لاستعادة أراضيهم. ومُحقَّـًا، شدد ترودو على أن الناس، الذين يرهبهم هذا التنظيم كل يوم لا يريدون "انتقامنا، بل يحتاجون إلى مساعدتنا".

ويكشف توقُّف كندا عن توجيه ضرباتها الجوية ضد أهداف "داعش" عن عدم نجاعة هذا الأسلوب إذا لم يترافق مع تنسيق مع قوى مدربة على الأرض، وعن أن الضربات الجوية مفيدة للحصول على مكاسب عسكرية على الأرض في المدى القصير، لكنها لا توفر استقرارا للسكان المحليين على المدى الطويل.

وربما كان اكتظاظ سماء العراق وسوريا بالطائرات بمختلف الأعلام سببا في اختيار أوتاوا النزول إلى الأرض، والعمل مع القوى المحلية عبر رفع عدد المستشارين والمدربين إلى نحو ألف عنصر، والتركيز على بعض الجوانب الانسانية، واستقبال مزيد من اللاجئين ورعايتهم.

بيد أن انسحاب كندا من سماء العراق وسوريا يطرح أسئلة كثيرة حول أهداف ومستقبل التحالف الدولي في محاربة "داعش" في سوريا والعراق، ونتائج هذا التحالف على الأرض.

ويبدو أن استراتيجية "التحالف الدولي"، الذي بدأ غاراته الجوية في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2014، كانت تهدف أساسا إلى الحدّ من خطر انتشار "داعش" والحد من توسعه، ولم تطرح موضوع "اقتلاع" التنظيم الإرهابي وتنظيمات أخرى لا تقل خطورة منه على شعوب المنطقة ونسيجها الاجتماعي. وربما رغبت بعض القوى بإطالة أمد الصراع حتى تأتي على ما تبقى من مقدرات سوريا والعراق، وتدمير بنيتيهما التحتيتين، وإثارة النعرات الطائفية والعرقية في البلدين.

 وعلى الرغم من الدور المحدود لكندا في اطار التحالف، فإن توقفها عن الطلعات الجوية قد يفتح الباب أمام انسحاب بلدان أخرى، وتغيرات جذرية في مقاربة العالم للتعامل مع خطر "داعش" والإرهاب في منطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا.

وأغلب الظن أن العالم مقدم على مراجعة شاملة، وربما تبني استراتيجية أكثر وضوحا في طريقة تعامل لا تقتصر على الحّد من مخاطر انتقال "داعش" إلى بلدان أخرى، وتوطنه فيها بسبب الفوضى الأمنية، ولا تنظر إلى القضية السورية فقط من منظور وقف تدفق اللاجئين إلى بلدان الجوار وأوروبا.

ومن المؤكد أن نجاح أي استراتيجية جديدة لدحر "داعش" واجتثاثه يتطلب التنسيق مع روسيا، التي فرضت نفسها لاعبا أساسيا في أرض وسماء سوريا، بعد أربعة أشهر من بدء عمليتها العسكرية بالتنسيق مع الحكومة السورية والقوى المتحالفة معها على الأرض.

كما يجب الاستفادة من تجربة العراق بايجابياتها المتمثلة بتقليص مساحات نفوذ "داعش"، وسلبياتها على بعض العراقيين، وخاصة أولئك الذين عانوا من إرهاب التنظيم الإرهابي ويتم تصنيفهم كبيئة حاضنة له.

ولعل أهمية الخطوة الكندية، وتزامنها مع التغيرات الميدانية الكبيرة في سوريا، تكمن في أنها تمهد لمفاجأة من العيار الثقيل، قد تكون تشكيل تحالفات جديدة بمشاركة فرقاء على الأرض والسماء، تتضافر جهودهم لاقتلاع "داعش"، وإنهاء خطر الإرهاب على المنطقة والعالم، والانطلاق إلى تسوية سياسية للأزمة السورية، تكون مقدمة لإعادة الإعمار وعودة اللاجئين، والتوصل إلى حل جذري لأقسى كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية.