بدائل جنيف 3: «صولد» سعودية

بدائل جنيف 3: «صولد» سعودية

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٩ فبراير ٢٠١٦

 عبد المنعم علي عيسى

في اللحظة التي تم الإعلان فيها عن تحرير نبل والزهراء في الساعة السابعة من مساء 3/2/2016 كان المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا يدخل إلى اجتماع مطوّل مع وفد المعارضة السورية ليخرج منه في الساعة التاسعة والنصف معلناً تعليق المفاوضات لثلاثة أسابيع تنتهي في 25 شباط الجاري.
كان من الواضح أنّ ما حدث في الريف الحلبي أكبر من أن يحتمله سياق جنيف3 حتى إذا ما تأكد النبأ سارع المبعوث الأممي إلى إنقاذ الموقف إيماناً منه بأن من شأن الإعلان عن فشل ذريع لتلك المفاوضات التي لم تبدأ أن تكون له تداعيات يصعب تخمينها أقله في المدى الذي يمكن أن تصل إليه.
وفي الآن ذاته كان من الواضح أيضاً أن هناك تناقضاً صارخاً فيما بين وفد الرياض والفصائل الداعمة له وهو ما أمكن تلمسه في البيان الذي أصدره 35 فصيلاً مسلحاً في 31/1/2016 ثلاث وثلاثون منها من المشاركين في لقاء الرياض 10/12/2015 أما الاثنان الباقيان فهما حركة أحرار الشام ولواء صقور الجبل (مجموعة مسلحة تابعة لميليشيا الجيش الحر أغلبية عناصرها من التركمان وهي تنتشر في أرياف حلب وحماة واللاذقية) الذي كان قد أعلن عن انسحابه من الهيئة العليا للمفاوضات في بيان نشر في 29/1/2016.
يُقرأ البيان الذي أصدرته تلك الفصائل على أنه تحديد للمسافة فيما بينها وبين وفد الرياض إلا أن المدهش في الأمر أن تلك الفصائل قالت إنها تعتقد أن الهيئة العليا للمفاوضات التي تنضوي تحت رايتها كانت قد ذهبت إلى جنيف للتفاوض مع الأمم المتحدة من أجل تنفيذ القرار 2254 (18/12/2016) خصوصاً ما يتعلق بالشق الإنساني منه لتخلص في نهاية البيان إلى التساؤل حول دواعي وجود وفد النظام السوري في جنيف بالتزامن مع المفاوضات التي يجريها وفد الرياض مع الأمم المتحدة!!
سقط جنيف 3 باختصار لأن السياق السياسي (والعسكري الرافع له) لم يكن يسير في مصلحة الدول الإقليمية الداعمة لفصائل المعارضة السورية ولذا فإن تلك الدول (تحديداً السعودية وتركيا) كانت تضع في اعتبارها أن تكون معنية بإيجاد بدائل لذلك السياق الأمر الذي لم يطل انتظاره ليخرج أحمد العسيري 4/2/2016 معلناً استعداد المملكة «لإرسال قوات برية إلى سورية ضمن التحالف الأميركي الستيني في سورية».
قبيل أن ينعقد جنيف3 كانت كل من الرياض وأنقرة قد دفعت بالفصائل الداعمة لها نحو القيام بخطوات استباقية تهدف لإعادة هيكلتها (تحديداً في الشمال السوري) بما يتلاءم مع احتياجات المرحلة المقبلة (أي ما بعد جنيف3) ففي 8 كانون الأول 2015 كان قد أعلن عن اتحاد الغرفة 101 (تأسست 17/3/2014) مع لواء فرسان الحق (تأسس 1/2/2014) لتشكيل الفرقة الشمالية، وفي اليوم ذاته أعلن عن اندماج كل من لواء السلطان مراد + لواء السلطان محمد الفاتح + لواء زكي التركماني + لواء أشبال العقيدة لتشكيل فرقة السلطان مراد ومن المهم هنا الإشارة إلى أن الفصائل الأخيرة يغلب عليها العنصر التركماني الذي يشكل أكثرية ساحقة فيها، وقبل ذلك بحوالي الأسبوعين كان لواء الفتح (أحد أبرز الفصائل المسلحة في حلب) قد أعلن في 25 تشرين الثاني 2015 عن انضوائه تحت راية حركة أحرار الشام.
أما المرحلة الجديدة من تلك العملية (إعادة الهيكلة) فقد حملت اندماج لواء ثوار الشام مع الجبهة الشامية في 27 كانون الثاني 2016 ثم اندماج ثمانية فصائل صغيرة (منها كتيبة جند الرحمن + كتيبة علاء أبو زيد + كتيبة الفجر الصادق) في 29/1/2016 لتشكيل لواء الشمال وانضمام هذا الأخير إلى فيلق الشام، وفي الآن ذاته فإن العديد من التقارير تشير إلى احتمال قيام المزيد من عمليات الاندماج بين فصائل أخرى ونظائر لها.
قد يقول قائل إن البيان الذي أصدرته تلك الفصائل كان يهدف إلى تدعيم موقف وفد الرياض كتعويض عن النقص الحاصل في الميادين العسكرية، إلا أن الأمر من الصعب له أن يكون كذلك فهو لو كان لما ذهبت تلك الفصائل إلى إظهار حالة فقدان الثقة فيما بينها وبين ممثليها في وفد الرياض ولما كانت قد أكدت في بيانها القول إن شرعية هذا الأخير هي لحظية ومشروطة ولذا فإن من الممكن الجزم بأن ذلك البيان يأتي في سياق مختلف تماماً عن الترجيحات السابقة.
في اليوم التالي للإعلان عن تعليق مفاوضات جنيف 3 تتالت التصريحات السعودية التي كانت تحتوي على إمكان قيام الرياض بإرسال قوات برية للتدخل في سورية الأمر الذي تعاملت معه دمشق بقسط وافر من الجدية ما دفع بوزير الخارجية وليد المعلم 6/2/2016 إلى القول إن «أي اعتداء على الأراضي السورية سيعود من يعتدي إلى بلاده بصناديق».
وإذا ما أردنا مناقشة تلك التصريحات وتبيان مدى جديتها أو حظوظها التي يمكن أن تجعل منها واقعاً على الأرض فإن من المهم هنا استعراض الظروف الداخلية والخارجية للقائم بالفعل (المفترض) مع الإشارة هنا إلى أن أنقرة سوف لن يكون لها القدرة على تقديم دعم مباشر أو قوات مساندة لأن الأمر يعني ببساطة عندئذ مواجهة روسية– تركية مباشرة فما زالت قواعد العلاقة بين أنقرة وموسكو تحددها تصريحات الرئيس الروسي التي تحدى فيها الأتراك بأن يقوموا بانتهاك المجال الجوي السوري في أعقاب حادثة إسقاط الطائرة الروسية 24/11/2015، خرجت فكرة إرسال قوات برية إلى سورية إلى العلن للمرة الأولى في 11 أيلول 2014 وهو ما لاقى آنذاك دعماً أميركياً مطلقاً إلا أن الفكرة قد وئدت بفعل الموقف المصري الذي كان قد امتنع عن إرسال قوات مصرية للقتال في سورية تحت أي شعار كان، إلا أن الموقف المصري الآن يشوبه الكثير من الغموض فهو يذهب بعيداً في تنسيقه مع الروس فيما يخص سورية من جهة، ومن جهة أخرى كان قد أعلن في القاهرة قبل أيام عن إرسال قوات مصرية للمشاركة في مناورات رعد الشمال التي ستجري في الأراضي السعودية لعدة أيام، وبين هذا وذاك فإن من الصعب الجزم بما يمكن أن تقرره القاهرة فيما يمكن أن تذهب الرياض إليه.
يدرك «صانع القرار السياسي السعودي» أن من دون تلك الخطوة عوائق قصوى داخلية وخارجية وفي الذروة منها أن السعي إلى توسع العمليات العسكرية خارج حدود المملكة هو أمر يحتاج إلى غطاءين الأول سياسي ولا تبدو الرياض فيه مطمئنة للغطاء الأميركي كثيراً والثاني اقتصادي مما لا يتوافر للسعوديين في هذه الآونة بل إن المملكة تعيش أزمة اقتصادية خطرة ومن المقدر لها أن تتصاعد في ظل استمرار أسعار النفط بالانخفاض وفي ظل استمرار العدوان على اليمن، كما يدرك (صانع القرار السياسي السعودي) أن التمدد السعودي (المفترض) هو أمر يفوق بكثير قدرات المملكة العسكرية في الوقت الذي يمكن أن يؤدي إليه ذلك التمدد إلى اهتزاز كبير في الوضع الداخلي السعودي نتيجة اضطرار القيادة السعودية إلى التركيز عليه (على التمدد الخارجي) مهما بلغت تكاليفه المالية والبشرية الأمر الذي يمكن أن ينعكس زعزعة للأمن الداخلي السعودي الذي سيكون في حينها ثانوياً أما في المناخات السعودية الداخلية فمن المهم هنا الإشارة إلى أن القيادة السعودية تحاول الظهور بمظهر المبادر والقادر وهي كانت قد أعلنت عن عاصفة الحزم 25/3/2015 انطلاقاً من مقولة قالت إنها للملك المؤسس عبد العزيز آل سعود «الحزم أبو الظفرات والترك أبو الحسرات»، وما يمكن أن يخشى منه الآن هو أن النظام السعودي يعاني في العمق من أزمة خلافة حادة وهي تنعكس انقسامات داخلية وسط تنام ملحوظ لقدرات الخصوم الداخليين (من خارج آل سعود) ولذا فإن من الممكن القول إن ذلك النظام يعيش اليوم حالة تخوف قصوى لا يجد سبيلاً للخروج منها سوى المقامرة بغض النظر عن الحسابات وما يمكن أن تؤدي إليه من نتائج كارثية ستكون عليه بالدرجة الأولى قبل أي أحد آخر، فهو يدرك أن انهياراً يمكن أن يصيب سياساته الخارجية سيكون أمراً من شأنه أن يؤدي إلى انتقال الاضطرابات إلى الداخل السعودي.
ستتوقف الفكرة السعودية وتتحدد إذا ما كانت طلقة في الهواء أم طلقة في الملآن كما يقال على اجتماع وزراء الدفاع لحلف «ناتو» نهاية هذا الأسبوع في بروكسل حيث من المقرر أن يناقش المجتمعون إرسال قوات برية إلى سورية ووضع الخطط حول كيفية التعاطي مع التغير الحاصل في موازين القوى لمصلحة النظام السوري.
من الممكن الآن اعتبار إسقاط مشروع (سور بغداد) الذي رفضه رئيس الوزراء العراقي 6/2/2016 والذي كان من الممكن أن يؤدي إلى طلب عراقي لقوات تدخل خارجية خطوة أولى ومؤشراً على إفراغ التصريحات السعودية من محتواها.