سورية تتفق مع أعدائها والسعودية تطلب التدخل

سورية تتفق مع أعدائها والسعودية تطلب التدخل

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٧ فبراير ٢٠١٦

إيهاب زكي - بيروت برس -
مذ أطلق المتحدث العسكري السعودي أحمد العسيري تصريحاته باستعداد بلاده إرسال قوات برية إلى سوريا، دأب إعلام النفط ومن باب الاحتفاء والافتخار على وصف تلك التصريحات بالمثيرة، ورغم أني ومن باب الموضوعية جاهدت في البحث عما تثيره أو مثيرة لماذا، فلم أجد لديهم جوابًا شافيًا، فقد اكتفوا بتجليلها بالإثارة، وأما إذا أضفنا لتلك التصريحات "المثيرة" ما تم تداوله عن استعداد البحرين أيضًا للمشاركة بقواتها البرية، فتصبح الإثارة حصرية بالضحك، كما اعتبرها الوزير المعلم مجرد مزحة، رغم أنه لم يستبعد وقوعها قياسًا على جنون القرارات المستمر منذ خمسة أعوام، فيما أرجأت واشنطن -بعد الترحيب بالمقترح السعودي- تقدير الموقف لما بعد اجتماع الناتو في بروكسل، على اعتبار أنها ومنذ تولي سلمان العرش السعودي دائمة التفاجؤ حد الاندهاش بالسياسات السعودية.

تأتي هذه الإثارة السعودية الغامضة بالتزامن مع إثارة أخرى لكنها واضحة، فقد اعتبر أردوغان أن التصريحات الروسية حول نوايا تركية لغزو سوريا مثيرة للضحك، فيما هو لا يعتبر تصريحاته حول دويلة ساحلية تقيمها روسيا على مقاس الأسد مثيرة للضحك، كما لم يعتبر شكله المهين والمزري في الإكوادور مثيرًا للضحك، ويبدو أن الكوميديا تأبى إلّا أن تكون لاعبًا أساسيًا على مسرح السياسة الدولية.

تأتي التصريحات السعودية في أحسن أحوالها على شكل أطيط، لشدة القسوة التي أظهرتها الآلة العسكرية لسوريا والحلفاء شمالًا وجنوبًا، فعلى أي وجه من وجوه المنطق قلَّبت تلك التصريحات فلن يطابقها، فالتدخل البري يحتاج لتنسيقٍ مسبق مع الحكومة السورية بشكل منفرد ومباشر، وهو أمر متعذر حد الإستحالة، أو جماعي وغير مباشر عبر روسيا تحت لافتة التحالف الدولي. وهنا تثور الأسئلة حول عديدها ومهامها وصلاحياتها وصلاحيتها ومدتها، والأهم مدى حاجة الحلف السوري للعنصر البشري، خصوصًا وأن العرض يأتي باعتباره لمحاربة "داعش" وفي ظل تقدم الجيش السوري وتراجع لكل التنظيمات الإرهابية، وبما أنه في ظاهره وحسب الإعلان لا يستهدف الجيش السوري ففيما الحاجة إليه، وبما أن المملكة تدرك أنها أوهن من محاربة داعش فضلًا عن محاربة الجيش السوري، وفضلًا عن مقارعة سلاح الجو السوري والروسي معًا، فتصبح التصريحات من هذا الجانب بلا معنى ولا تملك أي إثارة ولا حتى للضحك. وعليه، فإنّ هذه التصريحات لها جانبان مرجحان، أولهما هو التهويل في قابل الأيام لتحسين الوضع التفاوضي لممثلي العدوان على سوريا من جهة، ومن جهة أخرى دعم معنوي للعصابات المسلحة ودعوة سافرة فارغة للاستبسال في القتال وعدم الفرار الذي أصبح استراتيجيًا بعد أن راوح طويلًا وهو مجرد تكتيك دائم.

أما ثانيهما وهو الأخطر، هو الرغبة الأمريكية بالسعي لإشعال المنطقة بحرب مذهبية، فتوفر الغطاء "الشرعي" للملكة بالتدخل البري تحت لافتة التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، فتعمد المملكة إلى سياسة "يا خيل الله اركبي" للتجييش المذهبي، فيتم توفير غطاء "شرعي" لداعش والنصرة وأخوانهما، باعتبارهم قوات سعودية أو مقاومة أو جيش وطني كما يجري في اليمن. وفيما صرح مصدر وصفته "CNN" عربية بالسعودي الرفيع، فإنّ الاستعدادات تجري على قدمٍ وساق لتجهيز 150000 جندي سعودي ومصري وسوداني لهذا الغرض، أسِفَ الوزير المعلم لأن هؤلاء سيعودون إلى بلادهم في توابيت خشبية، وقد يكون هذا ردٌ مخففٌ حيث أنه اعتبر الأمر برمته مجرد مزحة، ولكن بكل الأحوال فإنّ هذا التصريح يشي بأنّ عقل الدولة السورية لازال يستثني عينه العسكرية في النظر إلى خارج الحدود، بما يعني أن حربًا إقليمية ليست من مسعاها، ولكن السؤال المهم، قال الوزير المعلم بأن التقدم الأخير للجيش السوري وضع سوريا على خطى الانتصار شاؤوا أم أبوا، فهل تُترك سوريا تحقق انتصارها إن أيقنوه وتلمسوه، دون المحاولة لخلط الأوراق وتوسيع جغرافيا الحرب.

رغم أنّ سوريا وأعداءها غزيرو التاقضات، إلا أنهم يتفقون حد التطابق على مفاعيل النصر السوري، فالجميع يدرك أن انتصار سوريا يعني خروج أمريكي من المنطقة أو أقله بقاء على وهن، كما يدرك الجميع أنه يعني اندثار للعائلة السعودية نظرًا لانتفاء دورها الوظيفي أولًا وارتفاع الغطاء الأمريكي ثانيًا، لصالح قاطرة سورية نهضوية تحررية، كما يعني فشل وتلاشي الأحلام الأردوغانية بأمجاده السلطانية البائدة، والأخطر أنه يعني بقاء "إسرائيل" في العراء هي وقبابها الحديدية، ويعني أن أعداءها باتوا يمتلكون كل مقومات إزالتها ولو بعد حين، كما يعني تقدم إيراني تمتلك إيران كل مقوماته السياسية والثقافية والعلمية، وهذا الاتفاق في وجهات النظر هو الذي يجعل الحل السياسي بعيدًا، ويجعل من كل المغامرات ومن أي مغامرات وإن بدت جنونية وانتحارية وجيهة وعقلانية قياسًا بمآلات النصر السوري، وعليه فإن الميدان ضاق أم اتسع، فلن تختلف النتائج سوى على مستوى الوقت.