تطور جديد... عثرات تُعقد المسار السياسي السوري

تطور جديد... عثرات تُعقد المسار السياسي السوري

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ١ ديسمبر ٢٠١٥

د. خيام الزعبي – كاتب سياسي

دخلت المسألة السورية بعد إسقاط طائرة السوخوي الروسية بواسطة مقاتلة تركية مرحلة جديدة تتراوح بين التصعيد على الصعيد العسكري والتراجع على المستوى السياسي, هذا الحادث وتداعياته يضع مستقبل الأزمة السورية الممتدة منذ أكثر من خمس سنوات في نفق مظلم، حيث أنه جاء ليخلط أوراق اللعبة السياسية في سورية، ويجعل مصير اجتماعات فيينا مجهولاً، فالمتتبع لتطورات الأحداث الحالية التي تتفاعل على الساحة السورية يدرك جيداً وجود تحالف غربي تركي لتحقيق مصالحه وأهدافه في سورية، لذلك لم نتفاجأ مما تخطط له هذه الدول لتلعبه في المنطقة، فيبدو أن هذه الأطراف الدولية لا تريد للأزمة السورية أن تنتهي، فعملت على إشعال فتيل الصراعات وإثارة المشكلات بين الدول الكبرى لصرف نظرها عن هدفها الرئيسي المتمثل في القضاء على داعش والمجموعات المسلحة الأخرى، وحل الأزمة السورية بأسرع وقت ممكن بما ينهى مرحلة سفك الدماء، على نحو يحافظ على الدولة السورية ووحدتها السياسية.

صعّدت موسكو لهجتها ضد أنقرة ووصفت تصرُّف سلاح الجو التركي بأنه جنون وسط مؤشرات إلى ربط المسار السياسي في سورية بتقدّم العمليات العسكرية،وفي هذا الإتجاه أعلن الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن "الحديث عن إجراء إنتخابات في سورية أو حتى دفع التسوية السياسية يبدو غير واقعي في ظل وجود المنظمات الإرهابية على الأراضي السورية"، وهذا الحديث ينسجم ويتناغم مع موقف دمشق الذي عبّر عنه الرئيس الأسد عندما كرر أن الحل السياسي لا يمكن أن يحصل قبل إجتثاث الإرهاب وإستعادة المناطق التي يسيطر عليها داعش، هذا ما أعلنه الأسد خلال لقائه مع أكبر ولايتي في دمشق، وقال أن "تصميم سورية وأصدقائها على المضي قدما في مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله لأنهم واثقون أن القضاء على الإرهابيين سيشكل الخطوة الأساس في إرساء استقرار المنطقة والعالم كما سيشكل المدخل الحقيقي لنجاح أي حل سياسي يقرره السوريون".

سعت روسيا منذ تدخلها العسكري المباشر في سورية، تجنب إثاره المشاكل والأزمات مع تركيا، رغم اختلافهما حول طرق معالجة الأزمة السورية، ودعم تركيا للجماعات المسلحة هناك في مقابل دعم روسيا لنظام الأسد، إلا أن الخلافات كانت تتوقف عند تبادل الاتهامات والانتقادات، لكن الخطوة التي أقدمت عليها تركيا وإسقاطها للمقاتلة الروسية، جعلت الأمور أكثر خطورة، بداية من وصف الرئيس بوتين الحادث بأنه طعنة في الظهر لمن يرعى إلارهاب وصولًا إلى موافقة الرئيس الروسي على نشر مقاتلات s400 الروسية في قاعدة حميميم السورية، إضافة إلى إرسال الطرّاد "موسكو" المجهّز بمنظومة دفاع صاروخية "فورت" الى الساحل السوري، مرور بتهديد الكرملين بإعلان الحرب، كل هذه التطورات ستلقي بظلالها على مستقبل عملية التسوية السورية التي تمسك روسيا بخيوطها وتُشرك معها بعض القوى الدولية الفاعلة في الأزمة، وبالتالي فإن التصعيد في الموقفين الروسي والتركي سيجعل سورية ميدان المعركة، وهذا سيضر بعملية السلام السورية ويؤخر مسار الحل السياسي للمسألة السورية ويعقد الأمور خاصة بأن الجهود لا تزال مستمرة على تأمين ظروف إنجاح المؤتمر المفترض عقده في الرياض في الأيام المقبلة بهدف توحيد صفوف المعارضة، إستعداداً لمفاوضات جديدة مع الحكومة السورية.
ونظراً للمتغيرات السريعة في المنطقة التي صبت في مصلحة النظام في دمشق خاصة بعد أن وصل حريق داعش الى دول مختلفة بدأت أغلب هذه الدول بتحفيز سياسية الحوار بدل سياسية السلاح في سورية وهذا ناتج عن قناعة تلك القيادات بأن خطوتها الدموية تجاه سورية قد فشلت وإن صناعتها للإرهاب قد كشفت، لذلك ليس أمامهم إلا الخضوع الى الإرادة السورية، وبالتالي فإن بعض الدول التي كانت سابقاً شريكاً أساسياً بالحرب على الدولة السورية بدأت بالإستدارة والتحول بمواقفها وقامت بمراجعة شاملة لرؤيتها المستقبلية لهذه الحرب المفروضة على الدولة السورية.

مجملاً... يبدو أن تركيا حالياً على أبواب سيناريوهات"مرعبة" لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في ظل إسقاط الطائرة الحربية الروسية، ومن هذا المنطلق يجب على تركيا أن تتأهب لمرحلة جديدة، فإضطراب الأوضاع في تركيا مسألة وقت، خاصة بعد أن وضع أردوغان الجيش التركي في مشكلة ومأزق كبير بتوريط الدولة التركية بتبني إسقاط الطائرة الروسية، بالإضافة الى وجود إضطرابات بين الجيش التركي وأردوغان كون الجيش التركي لا يريد ان يقع مع روسيا في مشكلة، ويرفض سياسية أردوغان في سورية، وبإختصار شديد إن سورية اليوم بحاجة إلى التقاط الأنفاس، وتحقيق الأمن والاستقرار وحل أزمتها المعقدة، ولكن هناك من يريد سفك الدماء، وإغراقها فى الفوضى وتحويلها إلى دولة فاشلة، فالشعب السوري شعب واعي وأكثر الشعوب إيماناً بالتعايش، سيتجاوز هذه المحنة والأزمة حتماً مثلما تجاوز محنا وأزمات كثيرة على مر العصور والأزمان