آل سعود منهكون: ينسحب الحوثيون فنوقف الحرب

آل سعود منهكون: ينسحب الحوثيون فنوقف الحرب

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٣٠ نوفمبر ٢٠١٥

خلال زيارة وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند للرياض في الشهر الماضي، أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، لأول مرة منذ بدء الحرب على اليمن، عن مؤشرات لإنهاء العدوان. آنذاك برّر الجبير هذا القول بتأكيده أن أهداف الحملة العسكرية على اليمن «تحققت»، حين «وافق أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي العام على قرار مجلس الأمن 2216»، وأن «الشرعية باتت تسيطر على معظم الأراضي اليمنية».

منذ ذلك الحين، بدا واضحاً أن مسارين متوازيين سيحكمان تطور الأحداث في الحرب على اليمن؛ أولاً، المسار السياسي الذي انطلق فوراً من خلال تحديد موعد «مؤتمر جنيف» للحوار بين المكوّنات اليمنية والذي كان مقرراً في 15 من الشهر الجاري. ثانياً، اشتعال الميدان، حيث تم التحشيد العسكري من قبل «التحالف» لما سمّاه «معركة تحرير تعز»، في سباقٍ مع الوقت وكسب ورقة يمكن استثمارها على طاولة المفاوضات، بوجه «وفد صنعاء» ممثلاً بحركة «أنصار الله» وحزب «المؤتمر».
وعندما اقترب موعد انعقاد المحادثات في جنيف، فيما بقيت مجريات الميدان على حالها، جرى تأجيل موعد المؤتمر إلى آخر الشهر الحالي، ليمدّد لاحقاً إلى أجل غير مسمى، في مسعى لإعطاء مهل زمنية إضافية للعدوان من أجل تحقيق إنجاز في تعز. حشدت الميليشيات والمرتزقة من داخل تعز ومن الجنوب ومن البحر، وأشعلوا أكثر من محور في وقتٍ واحد، غير أن الجيش اليمني و«اللجان الشعبية» لم يكتفوا بالصمود وبكسر هجوم قوات «التحالف»، بل تقدّموا وسيطروا على مدينتي الشريجة وكرش في محافظة لحج الجنوبية، بغية تحسين مواقعهم الدفاعية.
مبعوث الأمم المتحدة، اسماعيل ولد الشيخ، نشط ضمن هذه المهلة، باحثاً عن قواسم مشتركة يمكن أن تقرّب مطالب الطرفين. فكان وصوله المفاجئ إلى طهران وتصريحه عن «دور إيران الإيجابي في حلّ النزاع في اليمن» مؤشراً إلى تنازلات من الطرف الآخر، ليتبيّن لاحقاً أن ولد الشيخ قدّم، خلال اجتماعه بـ«وفد صنعاء» في مسقط وقبلها في طهران، طرحاً يقضي بوقف إطلاق النار مقابل انسحاب «أنصار الله» إلى الحدود بين اليمن والسعودية مع منطقة عازلة بين «الطرفين» ورفع الحصار البحري بشكلٍ تدريجي، إضافة إلى ضمان بقاء حكومة عبد ربه منصور هادي في عدن، الأمر الذي يُعتبر تنازلاً من قبل السعودية، إذ إنه في جولة المفاوضات السابقة بحضور وفد الدول الخمس مع «وفد صنعاء» في مسقط، جرى تقديم مقترح بوقف إطلاق النار في محافظة صعدة فقط مقابل انسحاب «أنصار الله» إلى الحدود اليمنية السعودية.
وقد حصلت «الأخبار» على معلومات من مفاوضات مسقط مفادها أن ولد الشيخ يحاول تقسيم المسار السياسي إلى محورين. الأول يتعلق بالعدوان، الذي تجري بشأنه مشاورات دولية، إقليمية ويمنية. وهذا المحور هو الأساس، لأنه في حال حلت عقده، فإن المحور الثاني، وهو داخلي بين المكونات اليمنية، يصبح تفصيلاً يخضع لميزان القوة التي تحكم المحور الأول. وفي الأساس، لقد كانت المكونات اليمنية قبل العدوان بأسابيع قد اتفقت في ما بينها وبرعاية الأمم المتحدة على اتفاق سياسي وصيغة حكم مرحلية لإدارة البلاد، لولا «الفيتو» السعودي في اللحظات الأخيرة، بحسب تعبير المندوب السابق للأمم المتحدة إلى اليمن، جمال بن عمر، في مجلس الأمن.
وبالعودة إلى المحور الأول في إطار المسار السياسي، فإن الأطراف الاقليمية والدولية أصبحت على اقتناع بأن السعودي عاجز عن تحقيق أي منجز يقدمه كورقة تعطيه القدرة على إرغام اليمن على تقديم تنازلات، وبأن الصمود الشعبي والميداني اليمني جيّر أوراق كثيرة وقوية بيد «وفد صنعاء»، إضافةً إلى أن الخيارات الاستراتيجية التي كانت موضع سخرية في الماكينة الاعلامية والسياسية في الخليج، بدأت بتحقيق إنجازات داخل الأراضي السعودية، والتي كان آخرها السيطرة على موقع النهوقة المشرف على مدينة نجران، أول من أمس. هذا المجموع التراكمي أصبح ورقةً استراتيجية، وجعل انسحاب «أنصار الله» إلى الحدود في صلب كل المناقشات والاتصالات الجارية اليوم.
كذلك علمت «الأخبار» أن ولد الشيخ سيحمل إلى الرياض ورقةً جديدة وافق عليها «وفد صنعاء»، تتركز على وقف إطلاق النار على مستويين: بين الجيش و«اللجان الشعبية» من جهة، وقوات العدوان السعودي من جهة ثانيةٍ، أما المستوى الآخر فهو وقف إطلاق النار المحلّي بين الأطراف اليمنية.
على أن يعقب ذلك انسحاب الجيش و«اللجان الشعبية» من الاراضي السعودية مقابل انسحاب كلي للقوات المحتلة السعودية والاماراتية وتلك السودانية والكولومبية وغيرها من الجنسيات الموجودة في الجنوب اليمني.
وتقول المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار» إن المفاوضات الدائرة حالياً في العاصمة العمانية «تسير بشكلٍ جدّي»، وإن دول العدوان لا تخفي تعبها من استمرار العدوان وتبدي خيبة كبيرة إزاء المأزق التي وضعت نفسها فيه، خصوصاً دولة الإمارات التي أنهكتها حالة الاستنزاف والغرق في الوحول اليمنية. فقد وجدت الامارات نفسها في مواجهة معظم أطياف الشعب اليمني (حزب «الإصلاح»، وحزب «المؤتمر الشعبي العام» وحركة «أنصار الله»)، وهذه المكوّنات الثلاثة هي أكبر الأحزاب في البلد.
وترتكز النقطة المحورية في هذه المفاوضات، وفقاً لما علمت به «الأخبار»، على الضمانات والجهات الضامنة التي تلزم الأطراف وترعى تطبيق الاتفاق، والجداول الزمنية لتنفيذ ذلك، إلى جانب كيفية رفع الحصار البحري. وقد نصّ الطرح السعودي على الرفع التدريجي من خلال التفاوض بالتزامن مع المسار السياسي الوطني كمحاولة لإبقائه ورقة ضغط على صنعاء.
أما المحور المحلّي للمسار السياسي، فقد لخّصته مسودة ولد الشيخ المؤلفة من ثلاثة محاور رئيسية هي: خارطة طريق لعودة اليمن إلى الانتقال السياسي، آليات بناء الثقة والبرامج التنفيذية، والتي سيجري التفاوض بشأنها في جنيف.


ما الذي يجعل السعودية توقف عدوانها على اليمن؟
أولاً، فشلها في تحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة، ما عدا تدمير اليمن، وهي ستجد نفسها، مرغمة، على دفع تعويضات كاملة. ثانياً، فشلها في منح عملائها من اليمنيين أي شرعية شعبية تكفي ليعودوا إلى إدارة الدولة، أو حتى إلى حياة سياسية عادية. ثالثاً، فشلها في بناء عقيدة قتالية تجعل جيشها قادراً على حماية قرية، فكيف على اقتحام مدن الغير.
رابعاً، فشلها في إقناع يمني واحد، بأنها تعمل لأجل مصلحته، بل فشلها، في خفض مستوى الكراهية عند اليمنيين لحكمها، حتى عند الذين يتعاونون معها. خامساً، فشلها في إقناع العالم بأنها قادرة على تحقيق شيء بمفردها. وفشلها الأكبر في جرّ هذا العالم إلى مشاركتها جنونها الدموي. سادساً، فشلها في إدخال أي تعديل يسمح لها بأي مكسب فعلي، سياسي أو مدني أو حتى معنوي. سابعاً، فشلها في وضع استراتيجية تنظيم حتى خسائرها. ثامناً، فشلها في إقناع أي من الدول العربية الأخرى، التي تعيش تحت مظلتها أو المتحالفة معها، على التقدم خطوة معها في مشروعها الدموي. تاسعاً، فشلها في إقناع مواطنيها، بأن لديهم قيادة ناضجة وحكيمة وقادرة على حفظ الأرض والثورة والعباد.
ولأن كل هذا الفشل هو من نصيب السعودية، فإن الوسطاء الدوليين الذين يعملون على ملف اليمن، باتوا يتحدثون صراحةً عن «تعب السعودية»، وعن حاجتها إلى من ينقذها ويخرجها من هذا المأزق. وهو أمر ممكن، لكن، ليس على قاعدة: الله المسامح!
أما الإمارات العربية المتحدة، فهي تحتاج إلى عقد على الأقل، حتى تستفيق من صدمتها، وتعود إلى وعيها، بعدما عاشت الوهم بأنها قوة جبارة، وبأن الأناشيد التي يضجّ بها إعلامها المحلي، حقيقية وتعبّر عن شيء موجود، وحتى تعي أنها دولة صغيرة، لا يمكنها ادعاء أدوار أكبر منها. وأنها بلد يقاد بالإيجار، ومتى قرر المقيمون فيها، من الذين يبنون ويشغلون وينفقون، أن يتمردوا، لانتهت هذه الحكاية.
اليوم، تظهر ملامح فرصة لوقف الجريمة العالمية المرتكبة في اليمن. لكن السؤال سيكون ملحاً عند الذين توهموا الإنجازات من أبناء اليمن، ولا سيما أبناء الجنوب، وإذا لم يبادروا إلى خطوات نوعية، فإن الجنوب سيظل مسرحاً لجنون، لن يوقفه حتى تدخل «الشمال».