من ” كيميائي الغوطة ” …إلى إسقاط السو 24 ..الناتو … يكمن لنفسه مجدداً !

من ” كيميائي الغوطة ” …إلى إسقاط السو 24 ..الناتو … يكمن لنفسه مجدداً !

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٢٩ نوفمبر ٢٠١٥

بقلم حسن شقير

بعد مضي 5 أيام على حادثة إسقاط القاذفة الروسية السو 24 ، على مقربة من الحدود التركية – السورية في ريف اللاذقية الشمالي من قبل ال ف 16 التركية ، تأرجحت التحليلات حول الأهداف والأبعاد ، التي حذت بتركيا لتقوم بهذه المجازفة الخطيرة في هذا التوقيت بالذات من عمر الحرب على سوريا … فمن رادٍ لهذه الفعلة ، إلى الداخل التركي الصرف ، غاسلاً يد أمريكا والأطلسي منها ، مستنداْ باستنتاجاته تلك ، إلى المواقف الأطلسية التي تلت تلك الحادثة ، والتي نادت بضرورة إحتواء القضية ، والعمل سريعاً على معالجة وحصر أثارها بين الدولتين، بحدودها الدنيا .. إلى أخرين ، ردوا تلك الحادثة إلى كمين أطلسي ، يتخطى تركيا ، وحجتهم في ذلك ، بأن هذا الأخير ، قد سارع – ومنذالساعات الأولى – إلى تبني الرواية التركية حول ” الأسباب الوجيهة ” التي ساقتها تركيا لفعلتها تلك .
هذه وجهة النظر الثانية – والتي كنت قد تبنيتها في حينه – وذلك تعليقاً على تلك الحادثة ، دفعتني لإحصاء حوالي الثمانية من الأسباب والدوافع ، والتي جعلتني أصبغ هذا الكمين ، بصبغةً أطلسية صرفة ، وليست تركية بحتة على وجه الإطلاق …

١- تسريع العمليات الروسية في سوريا وقضم جغرافيا أوسع لصالح الدولة السورية قبل الاتفاق على تصنيف الجماعات الإرهابية ..

٢-كلام الرئيس بوتين من طهران حول الاستراتيجية الإقتصادية الروسية بعيدة المدى في العمل على الخلاص من نير التبعية والحاجة الإقتصادية لدول الأطلسي …

٣- اعلان بوتين عن نيته خلق بيئة أمنة في المنطقة لإنعاش الإقتصاد والاستثمار العالمي .. خصوصاً في مناطق مد أنابيب الغاز ( الانبار وحمص)

٤- كلام بوتين بشكل غير مباشر حول العمل لإسقاط سلاح النفط من يد الخصوم وذلك بتوجيه الاسواق نحو الغاز كطاقة بديلة

٥- كلام بوتين حول النية في ضرورة اعتماد العملات الوطنية بدلا ً من الدولار كاساس في التعاملات ..

٦-دفع روسيا للرد بشكل متهور على العمل العدائي التركي ، وذلك سيدفع تركيا الى قطع العديد من العلاقات الاقتصادية مع روسيا ، وبشكل فوري مما يخنق الاقتصاد الروسي اكثر فاكثر في هذه المرحلة قبل وصول خطط بوتين الاستقلالية والتأثيرية الى مبتغاها في المدى المنطور ( كمين إعاقي ).

٧- وضع روسيا وحلف الناتو وجهاً لوجه في امكانية حدوث صدام عسكري بينهما ، وعرقلة التقارب الغربي – الروسي في مواجهة الارهاب وتحديداً بين روسيا وفرنسا …

٨-عرقلة انطلاق تحرير ريف اللاذقية ومن ثم سهل الغاب وريف حماة وذلك لابقاء الساحل والقواعد الروسية في مرمى تهديد الارهاب سواء المعتدل المرشح لاحقاً او الارهابي الحالي في تلك المنطقة .

إذاً تراوحت الدوافع لهذا الكمين الأطلسي ، بين فئاتٍ ثلاث : ميدانية ، إقتصادية وسياسية بين الثالوث ، التركي ، الأوروبي والأمريكي ، وذلك في عملية تكاملٍ للأدوار ، بهدف دفع القيصر إلى اتخاذ خطوات ردٍ متسرّعة ، تجعله يقع في الكمين الذي أعد له ، مما سيصيب في تداعياته الميدانية والإقتصادية والسياسية ، ليست فقط روسيا وسوريا فقط ، إنما النظام العالمي الجديد برمته ، والذي حيكت خيوطه ، ووضعت اللمسات شبه النهائية عليه في اليوم الذي سبق حادثة السوخوي ، وذلك تمثل في القرارات والتوصيات التي صدرت عن منتدى الدول المصدرة للغاز ، ومفاعيل لقاء الساعتين ( الإستثنائي على حد وصف مستشار السيد خامنئي د ولايتي ) بين القيصر والمرشد في طهران ….

لقد أعتقد الناتو – ووفقاً لدراسته لسيكولوجية الرئيس بوتين – بأن القيصر لن يحتمل ذاك الندب الذي أصابه مباشرة ، وللمرة الثانية ، في فترة ليست ببعيدة عن إسقاط داعش للطائرة الروسية في سيناء … والذي – أي ثالوث الناتو – اعتقد أن بوتين ، سيرد سريعاً هذه الصفعة العسكرية ، بصفعةٍ مماثلة ، لا بل أقوى منها على الأرض التركية ، مما سيجعل من حلف الناتو ، يتداعى سريعاً لنجدة إحدى دوله ، وذلك في المجالات الثلاث أعلاها ( العسكرية والسياسية والإقتصادية ) ، فلعل الأول يكون بإعادة نشر الباتريوت على الحدود التركية ،والثاني قد يتمثل بقطع الطريق على خريطة طريق روسيا في فيينا ، بمراحلها الثلاث ، والتملّص من تعهدات فيينا … أما المجال الثالث ، فهو الإقتصادي -وهو الأهم على ما اعتقد – ، والذي سيكون عبر الطلب من تركيا بالعمل تدريجياً على فض الإتفاقات والعقود الإقتصادية والتجارية مع روسيا ، وأهمها في مجالي الغاز والإستثمارات في مشاريع الطاقة الروسية في تركيا ، مما سيُثقل كاهل روسيا أكثر فأكثر ، وذلك في توقيت لم تصل فيه روسيا والمنظومات الحليفة معها في العالم ، إلى مرحلة التكامل والتحرر من نير التبعية للغرب ،إضافة إلى أن روسيا تخوض حرباً مكلفة وشرسة ضد الإرهاب في المنطقة .

ما لم ينتبه إليه ذاك الثالوث ، بأن ” القيصر المتمرّد ” كان قبل يومٍ واحد من تلك الحادثة عند ” حائك السجاد ” ، صاحب الباع الطويل في الصبر الإستراتيجي الحقيقي …هذا فضلا ً عن مسألة ٍ مهمة جداً ، والتي اعتقد أن الكمين الجديد للأطلسي ، ربما يكون قد سها عنها ، والتي تتمثل في إيقاع القيصر نفسه لذاك الثالوث في كمين سابق ، كانوا قد أعدوه له في شهر أغسطس من العام ٢٠١٣ ، والذي عُرف حينها ب ” كيميائي الغوطة ” .

للتذكير فقط ، فإن ” كيميائي الغوطة ” ، والذي كاد أن يطلق حرباً أطلسية على سوريا ، والتي أحبطها – على ما اعتقدته حينها – ، نسجُ ثالوث ( القيصر – المرشد – السيد ) ، استراتيجية ً ،سبقت ذاك الهجوم الوشيك ، والتي تمثلت بحصر جغرافيا الرد الصاروخي المتجمّع لهذا الثالوث الأخير على ذاك العدوان المحتمل ، من خلال الجغرافيا السورية حصراً ، دون باقي الساحات ، مما أفقد الثالوث الأول ، الحجة في استهداف ساحات إيران ولبنان ، والتي كان يعتقد أولئك ، بأن هاتين الساحتين ستنتصر من جغرافياتها ابتداءً للساحة السورية ، والتي كانت ستخلق الكثير من المشاكل فيهما ، وتحديداً في الساحة اللبنانية ، وذلك جرّاء انطلاق أبواق ٍ داخلية تلعب على أكثر من وترٍ حساس للمقاومة في الداخل اللبناني ..

هذا التكتيك العسكري ، فرض على ذاك الثالوث الرضوخ لطبخة القيصر ، فيما عُرِف لاحقاً بإتفاق الكيميائي الشهير ، والذي حفظ فيه القيصر ماء وجه الناتو ، لنزع فتيل الحرب يومها ..

تلك الإستراتيجية العسكرية التي أعدها الثالوث الثاني ، مضافة إلى الطرح بنزع السلاح الكيميائي ، والذي تحول لاحقاً إلى اتفاق …جعل من الثالوث الأول يقع في الكمين الأول ، وخصوصاً بأن التهديد بالحرب يومها ، كانت بهدف فرملة الإندفاعة العسكرية للجيش السوري في معركة الغوطتين الشرقية والغربية ، والتي وصفتها في حينه بأنها ” القُصير الجديدة ” ، والتي علا صراخ الثالوث الأول خوفاْ من تداعياتها الإستراتيجية علي أهداف دوله في سوريا -فيما لو اكتمل النصر فيها يومها – ، وذلك كما جرى مع سابقتها، القصير – حمص ..

لقد فصّلت في حينه (وذلك في مقالة نُشرت بتاريخ 04-09-2013 ، والتي عنونتها : فتش عن القصير .. الرسالة وصلت ) ، بأن المطلوب يومها ، لم يكن حرباً ، ولا من يحزنون ، إنما فرملة الإندفاعة السورية في الغوطتين … لأن النظام العالمي الجديد لم يتم اقتسام مناطق النفوذ بين أقطابه الأساسيين ، حتى تاريخه …

خلاصة القول ، إذا كان كمين الأطلسي الكيميائي في الغوطة في العام ٢٠١٣ ، قد نجا منه الثالوث الثاني ، بنصف انتصار ، وذلك بإيقاع ثالوث الناتو في منتصف حفرته … فإن كمين السو 24 في ريف اللاذقية الشمالي ، جعل من من هذا الثالوث الأخير، يهوي بنفسه في أسفل حفرته …لأن كل ما أملّه من كمينه المتجدد ، فاقت خسائره بنتائجه المتدحرجة ، أضعافاً مضاعفة على أمريكا ( في السياسة ) ، وعلى أوروبا ( في الإقتصاد ) ، وعلى تركيا ( في الميدان ) …

هذا ، وهذا فقط – باعتقادي – هو الذي يُفسّر تلك التناقضات المضحكة – المبكية ، لكيفية تعاطي تركيا في تبرير كمين السوخوي ، والذي يتقلّب بين الفينة والأخرى ..

باحث وكاتب سياسي