هل يمكن أن يكون إسقاط المقاتلة سوخوي عود ثقاب يشعل الحرب العالمية الثالثة؟

هل يمكن أن يكون إسقاط المقاتلة سوخوي عود ثقاب يشعل الحرب العالمية الثالثة؟

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٢٧ نوفمبر ٢٠١٥

يقلم: الدكتور خيام الزعبي*
على مر العصور دخلت العلاقات الروسية التركية بموجات من الصعود والهبوط إرتباطاً بتوجهات القيادة السياسية في الدولتين من ناحية وبطبيعة القضايا الخلافية بينهما من ناحية أخرى، وأهم أسباب تصاعد الأزمة الحالية بين الروس والأتراك هي قضية التدخل الروسي في سورية، ولعل الأهم من ذلك هو حادث إسقاط تركيا لطائرة روسية مقاتلة فوق الأراضي السورية ليصب الزيت على النار فى الأزمة المشتعلة بين روسيا وتركيا الرافضة للضربات الجوية الروسية للقوى المتطرفة في سورية. جاء حادثة سقوط الطائرة الروسية بعد أيام قليلة من نجاح المقاتلات الروسية والسورية في ضرب مواقع تكرير وخطوط تصدير البترول التى يديرها تنظيم داعش في شرق سورية والتي يعتمد عليها التنظيم إعتماداً أساسياً فى تمويل عملياته وشراء الأسلحة والمعدات والحربية وتعد هذه الحادثة الأول من نوعها من قبل دولة عضو في حلف الناتو منذ خمسينيات القرن الماضي لذلك فأن هذا التصرف له تداعيات خطيرة على المنطقة، فقد أكد الرئيس الروسى بوتين أن ما حدث هو ضربة فى الظهر من دولة يفترض أنها حليفة لروسيا وتشارك فى الحرب على الإرهاب، معلناً بأن روسيا لن تتسامح مع هكذا جرائم، وهذا يشير إلى الإتهام الروسي المتكرر لتركيا بأنها هي من تساعد تنظيم داعش وتدعمه اقتصادياً وعسكرياً، محذراً تركيا بالقول: "ستكون هناك عواقب وخيمة على العلاقات بين موسكو وأنقره"، وفي المقابل جاء الرد على لسان رئيس الوزراء التركي أوغلو بأن "من حق تركيا الرد على إنتهاك مجالها الحيوي" لذلك ستطلبت من حلف الناتو اجراء مشاورات حول حادثة إسقاط الطائرة الروسية. في سياق متصل لا بد ان يكون هناك تداعيات لهذه الحادثة ربما تتمثل في التقاطع الدبلوماسي بين الدولتين، إذ كان أول تداعياتها هو إلغاء وزير الخارجية الروسي لافروف زيارته إلى تركيا، والطلب من المواطنين الروس بالتوقف عن السفر إلى الأراضي التركية، بالإضافة الى التقاطع التجاري والإقتصادي بين البلدين التي قد يؤدي إلى إلغاء بعض المشروعات المشتركة المهمة بين البلدين وأهمها الغاز والتبادل التجاري، ومحطة الطاقة النووية التركية، والسياحة الروسية إلى تركيا، والإستثمارات المتبادلة بينهما. في ظل هذه التطورات قد تتصاعد الأحداث فى الأيام المقبلة بشكل مفاجىء خاصة بعد محاولة أنقرة تدويل تلك الحادثة وتوريط حلف الناتو فى الأزمة، وهو ما يعني مواجهة محتملة وصدام مباشر بين الطرفين في حالة تكرار الحادث بين روسيا وتركيا ومن خلفها حلف الناتو لا سيما في ظل الموقف المتأجج والمتشنج بين البلدين، وهو ما يعني إندلاع مواجهة عسكرية قد تكون شرارة لحرب إقليمية في الأيام المقبلة، وفي حال حصول ذلك فإن تركيا ستدفع ثمناً باهظاً، سيرتد مباشرة على الإقتصاد التركي، نظراً لحاجة الحرب إلى تمويل، بمعنى إن هذا التدخل سيتسبب بحريق يلتهم المنطقة ويزيد من تأزمها، وأولها تركيا نفسها. وهنا ربما أستطيع القول إن الحرب القادمة بين روسيا وتركيا ستكون مختلفة تماماً، وستؤلم تركيا وستغير هذه الحرب الكثير من النظريات والعقائد العسكرية في العالم، كما أنها ستدفع بالقوى الدولية لإعادة النظر في حقيقة موازين القوى وسبل قياسها، فروسيا لن تفاجئ تركيا وحلفاؤها في حجم ترسانة صواريخها وتنوعها فحسب، بل ستفاجأها أيضاً بأسلوبها وجهوزيتها القتالية على مستوى العدة والعديد، فالتحركات الروسية الأخيرة وزيارة بوتين إلى طهران والتنسيق مع العديد من الدول العربية المؤثرة فى المنطقة أهمها مصر يبّشر بأن هناك مشهد جديد قادم فى المنطقة، وربما يكون هذا الحادث عامل تسريع بما تخطط له روسيا لإنهاء الأزمة السورية وتوجيه ضربة حاسمة للقوى المتطرفة والدول الراعية لها فى المنطقة . مجملاً... يجب على تركيا وحلفاؤها أن تحسب لهذه السياسة التي أنتجتها وعززتها وأن تداعياتها خطيرة جداً وأن أي إنتكاسة في سياستها يعني أن أمريكا على شفا جرف هار لا يؤمن عواقبه، فلا تحسب تركيا أنها في المرمى البعيد مما يحصل في المنطقة، بل أنها هي الأكثر تعرضاً للخطر من غيرها وستكشف الأيام القادمة أن الدماء التي سالت بسبب تدخلاتها في المنطقة لن تذهب سُدى وأن النيران التي أشعلتها سوف تُرد عليها وستكتشف أنها ضعيفة لا تقوى على الصمود بوجه التقلبات في المنطقة، لذلك لا بد لتركيا بدلاً من اللعب بكرة النار التي قد تحرق أصابعها قبل غيرها، أن تبتعد عن لغة التهديد وأن تجنح الى لغة العقل والسلام التي تدعوا اليها الحكومة السورية بإستمرار، وبإختصار شديد إن الأيام المقبلة حاسمة، خاصة في الميدان الذي يميل لمصلحة الدولة السورية فقد إستطاعت أن تنتقل من دائرة الدفاع عن النفس، إلى ساحة الهجوم وأخذ المبادرة، والتحكم في خيوط اللعبة إقليمياً ودولياً رغم قوة النيران والمجازر المتواصلة التي تودي بحياة المزيد من الشهداء والجرحى على مدار الساعة، لذلك يبقى الرهان دوماً على المقاومة في الميدان، وقد حسمت دمشق أمرها في التصدي للقوى المتطرفة ومواصلة القتال حتى تحقيق النصر الذي يُبنى على نتائجه الكثير في المشهد الإقليمي والدولي.