صفعة روسية لتركيا: لا شراكة استراتيجية!

صفعة روسية لتركيا: لا شراكة استراتيجية!

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٢٦ نوفمبر ٢٠١٥

قبل عام، حطّت طائرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أنقرة. كانت الزيارة تتمحور حول آفاق تفعيل «شراكةٍ استراتيجيّة» مع تركيا. النتيجة هي أنَّ «علاقات الجوار الطويلة بين روسيا وتركيا تصدَّعت»، والتعبير لرئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف.
اعتباراً من صباح الثلاثاء، بات الحديث يدور حول «عواقب وخيمة» تنتظر أنقرة. المباشرة المحتملة منها، ستؤدّي إلى التخلّي عن عددٍ كبير من المشاريع المهمّة المشتركة بين البلدين، فضلاً عن فقدان الشركات التركيّة لموقعها في السوق الروسيّة.
قبل الذهاب إلى فرضيّة أو احتمال تجاوز هذه الشراكة لأيّ اعتبارات كانت، من المفيد الإشارة إلى أنَّ العلاقات بين الجانبين الروسي والتركي تحكمها روابط اقتصاديّة وتجاريّة ذات أهميّة كبيرة بالنسبة إلى الطرفين. لكنّ تعمّد تركيا إسقاط المقاتلة الروسيّة «سوخوي ـ 24» فوق الأراضي السوريّة، فتحت الباب أمام أسئلة كثيرة، خصوصاً في ظلّ التصعيد الذي بدأت ملامحه تظهر، إن كان تهديد روسيا بمعاقبة تركيا عبر إلغاء مشاريع مشتركة، أو الطلب من الروس عدم السفر إلى تركيا.
ديمتري ميدفيديف قال أمس، إنَّ إسقاط الطائرة الحربية الروسيّة له عواقب ثلاث: «أولاً، التصعيد الخطير في العلاقات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، وهو أمر لا يمكن تبريره بأيّ مصالح قومية، بما في ذلك الدفاع عن الحدود. ثانياً، أظهرت تركيا بتصرفاتها، أنّها تحمي مسلّحي تنظيم «داعش»، وثالثاً، تصدّعت علاقات حسن الجوار القديمة بين روسيا وتركيا، بما في ذلك في المجالين الاقتصادي والإنساني».
بعد تأسيس مجلس للتعاون بين البلدين يشرف عليه الرئيسان الروسي والتركي، في العام 2010، بدا أنَّ هناك رغبةً مشتركة لدى الطرفين بتعزيز العلاقات الاقتصاديّة، بالرغم من عمق الخلافات السياسيّة بينهما.
هذا التوجّه كان واضحاً خلال زيارة الرئيس بوتين إلى تركيا في الأول من كانون الأول العام 2014. يومها، وقَّع الطرفان اتفاقات في مجالات اقتصاديّة عدّة. أشاد كل من بوتين وأردوغان، بعد انتهاء أعمال مجلس التعاون في أنقرة، بمتانة العلاقات بين البلدين، وأكَّدا ضرورة العمل على زيادة حجم التبادل التجاري بينهما، ليصل إلى مستوى 100 مليار دولار بحلول العام 2023، بعدما بلغ في العام الماضي 31 مليار دولار، ووصل إلى 18.1 مليار دولار للأشهر التسعة الأولى من العام الحالي.
العلاقات الروسية ـ التركية بدأت تتّخذ طابع التقارب منذ العام 2004، حين بدأ البعد الاقتصادي، وتحديداً في مجال الطاقة، يلعب دوراً مهماً في التأسيس لعلاقات استراتيجيّة، كان من المتوقع، حينها، أن تقود إلى تقارب سياسيّ.
يُعدُّ المسار الاقتصادي، الرافد الأوّل لعمليّة التقارب الروسيّ ـ التركيّ، فضلاً عن أنَّه الركن الذي يمنع تأزّم العلاقات أو تدهورها تماماً بين البلدين.
أهميّة هذا المسار تكمن في نقاط عدّة، أبرزها أنَّ روسيا تُعتبر أهمّ مورِّد للغاز الطبيعي لتركيا (أكثر من نصف وارداتها من الغاز الطبيعي، و12 في المئة من الواردات النفطية)، كما أنَّ تركيا تُمثِّل ثاني شريك تجاري لشركة الغاز الروسية «غازبروم» بعد ألمانيا وخامس شريك تجاري لروسيا بحصة تبلغ 4.6 في المئة من إجمالي التجارة الخارجية الروسية (بحسب بيانات إدارة الجمارك الروسية ما بين كانون الثاني وأيلول من العام الحالي)، فضلاً عن أنَّ تركيا تُعدُّ الوجهة الأولى للسيّاح الروس، إذ وصل، في العام 2014، حوالي 3.3 ملايين سائح روسي إلى تركيا. ذلك إلى جانب مشروع محطة «أك كويو»، أوَّل مشروع محطة نووية في تركيا، يتضمن بناء أربعة مفاعلات بقدرة 1200 ميغاوات.
في 23 أيلول الماضي، أي قبل أيّام على بدء الغارات الجويّة الروسيّة فوق سوريا، استقبل الرئيس الروسي نظيره التركي، الذي كان يزور موسكو للمشاركة في افتتاح مسجدها الكبير. لم يغفل أردوغان عن الإشارة إلى أنَّ روسيا تُعدُّ أحد أكبر شركاء تركيا التجاريين، خصوصاً أنَّها ورَّدت، في العام 2014، حوالي 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي عبر خطّ أنابيب «السيل الأزرق» إلى تركيا، التي يبلغ استهلاكها السنوي حوالي 50 ملياراً.
وبرغم الخلافات الكبيرة على صعيد السياسة الدولية بين البلدين، إلَّا أنَّ تركيا استطاعت أن تحافظ على علاقات اقتصاديّة جيّدة مع روسيا، كان أبرز معالمها الامتناع عن الانضمام إلى العقوبات الغربية ضدّ موسكو على خلفيّة الأزمة الأوكرانية، وهي كانت قبل ذلك التزمت الحياد خلال حرب الأيام الخمسة بين روسيا وجورجيا في العام 2008.
وخلال زيارته إلى أنقرة، العام الماضي، في خضمّ أزمة العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، أعلن الرئيس الروسي إلغاء مشروع مدّ خط أنابيب «السيل الجنوبي»، الذي كان يهدف إلى نقل الغاز الروسي إلى أوروبا الشرقية والوسطى، عبر خط أنابيب يمرّ بالبحر الأسود وبلغاريا والمجر وصربيا والنمسا وسلوفينيا، معلناً، في الوقت ذاته، البدء بمشروع مدّ «السيل التركي»، الذي يهدف إلى بناء خطوط أنابيب لنقل الغاز الروسي إلى تركيا عبر قاع البحر الأسود ومنها إلى الحدود التركية ـ اليونانية، ما يسهّل إمداد دول الاتحاد الأوروبي بالغاز الروسي.
حتى هذا المشروع الذي كان ينتظر توقيع الحكومة التركية الجديدة - التي أُعلن عنها أمس الأول ـ يبقى مصيره مجهولاً، وهو، في حال ما تمّ إلغاؤه، سيقوّض مساعي تركيا في التحوّل إلى مركز إقليمي لتوزيع الطاقة، إذ من المتوقع أن تبلغ القدرة التمريرية لـ «السيل التركي» نحو 63 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى تركيا، لتعيد الأخيرة ضخّ 47 مليار متر مكعب منها سنوياً إلى أوروبا.
أما القطاع السياحي الذي بذلت تركيا جهوداً كبيرة لتنميته، وألغيت لذلك تأشيرات الدخول بين البلدين في العام 2010، فيبدو أنَّه بات مهدداً اليوم، خصوصاً بعد توصيات السلطات الروسية لرعاياها بعدم السفر إلى تركيا. وهو ما عاد وأكَّده بوتين أمس حين قال: «ما العمل بعد وقائع مفجعة كهذه، تدمير طائرتنا ومقتل طيار؟ إنه إجراء ضروري ووزارة الخارجية أحسنت بتحذير مواطنينا من مخاطر» زيارة تركيا.