آل سعود.. واللهاث على هوامش فيينا

آل سعود.. واللهاث على هوامش فيينا

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ١٦ نوفمبر ٢٠١٥

على طاولة السياسية يحضر التأكيد على إن المصير السوري يقرره السوريون، وعلى أرض الميدان ثمة متحولات كبرى تفضي إلى أن الدولة السورية تمتلك اليوم موازين القوى، ومفاتيح العمل الميداني، في حين إن حزب الله الذي ضرب في عقر دراه بخسة من الإرهاب، يؤكد على إن المرحلة القادمة ستشهد حضورا لمقاتلي الحزب على جبهات مفتوحة مع تنظيم داعش في المناطق السورية، في حين إن الأوروبيين مرتبكين على المستوى الأمني بعد هجمات باريس، وثمة متطلبات أمنية من قبل المواطن الذي يمتلك الصوت الانتخابي الهام لكل الحكومات الأوروبية، وفي السعودية وإسرائيل تحديداً، ثمة مايربك الحسابات التي الخاصة بهذا التحالف الذي يبحث عن خروقات أمنية تفضي إلى تحولات على المستوى الجغرافي أولاً، بما يفضي إلى تحولات سياسية راسخة في المنطقة لمرحلة طويلة قادمة، والذهاب نحو وقف إطلاق النار من قبل المجتمعين في فيينا برغم إعلان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على إن كل الأطراف المجتمعة بغياب السوريين أنفسهم، لم يعجب آل سعود، لذا أصر غلامهم عادل الجبير على تأكيد استمرارية دعم الميليشيات المسلحة حتى الرمق الأخير.

عملياً، آل سعود مطلوب منهم التصعيد للحفاظ على الفوضى، فالمملكة لا تمتلك الاستقلالية بالقرار السياسي وإن كانت تمتلك الكثير من الأسباب لاستمرارية الحرب في سوريا حتى إسقاط الدولة، وأهمها الثأر الشخصي من الرئيس الأسد على جملة الإهانات التي وجهها إلى آل سعود في مناسبات عدة، ويحضر في بالهم إن بقاء الدولة السورية في شكلها الحالي سيعزز من الدور السوري في المنطقة مستقبلاً، وكدولة تسعى لتسيد المشعد الخليجي خصوصا، والعربي عموماً، لابد لآل سعود من الذهاب نحو ذروة العنف في المنطقة من خلال ملفي سوريا واليمن بالتزامن، فالهزيمة في أي من الملفين تفضي إلى انهيار للدور السعودي في المنطقة ككل، وبالنظر إلى مسرح الحدث في الملفين يظهر السعوديين تحت ضوء الطرف الخاسر إلى الآن، ففي  سوريا ماتزال الدولة متماسكة اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، إضافة إلى وجود تحالفات قوية لم تؤثر أي من المحاولات السعودية المحمومة لخرقها عبر الملفات الاقتصادية، وأهمها التلاعب بأسعار النفط للضغط على إيران وروسيا للتحول في الملف السوري، وبالتالي لابد من اللعب على الوتر الميداني بنفس طويل قدر الممكن، في حين أن القوى التي تعاديها السعودية في اليمن مازالت متماسكة ميدانية ولا تقف عند حدود الدفاع، فالأراضي الجنوبية من المملكة تشهد وجودا عسكريا لقوات من اليمن، وستتطلب مسألة استعادة السيطرة عليها الكثير من التنازلات السعودية في الملف اليمني، ناهيك عن عدم قدرة القوات الخليجية المسنودة بميليشيات هادي والإخوان المسلمين والمستفيدة من وجود داعش والقاعدة، إن لم نقل تتحالف معهما، على تحقيق أي نتيجة على الأرض في الداخل اليمني، وبالتالي لابد من الذهاب نحو أقصى درجات العنف، وبنفس طويل أيضاً.

إلا أن آل سعود لا يملكون هذا النفس الطويل في القتال سواء في سوريا من خلال دعمهم للميليشيات، ولا في اليمن من خلال التورط المباشر في المعركة الدائرة هناك، ومرد ذلك بحسب ما يفهم من المشهد السعودي العام هو خوف أسرة الملك الحالي من الانقلابات الداخلية في الأسرة الحاكمة عموماً، خاصة وإن التاريخ يشهد بحضور مثل هذه الانقلابات بما يتوافق والسياسة الأمريكية المتحكمة بالمملكة أصلاً منذ عقود، والتاريخ والحاضر العسكريين للمملكة لا يفضي إلى وجود القدرة على الاستمرار في العمل العسكري المباشر ضد اليمن حتى وإن كان هذا العمل تشاركيا مع كل المحور الخليجي فيما عدا عمان، التي تلعب دور الوسيط في جملة من الملفات الدولية في الخفاء وخاصة الملف السوري، وهو دور مؤثر قياسا على ما فعلته عمان في الملف النووي الإيراني، ويلمس من خلال وزير خارجية سوريا إلى مسقط، ورد الزيارة وزير خارجية عمان إلى دمشق، الأمر الذي يفهم منه أنه ثمة حوار خليجي مع دمشق بعيداً عن الإعلام، ومن غير المستبعد أن يكون السعوديين قد حملوا يوسف بن علوي رسالة لم تلقى قبولا من دمشق، فأصر آل سعود على موقفهم التسليحي للميليشيات، وهو دور مؤثر في الملف السوري وبشكل كبير، إضافة إلى بقية أقطاب الخليج.

في الظاهر، تستفيد السعودية في الإصرار على موقفها من جملة مواقف تتشابه وتتلاقى في المصالح الأولية مع الرياض، خصوصا من مواقف قطر وتركيا والإمارات وبشكل أساسي إسرائيل، وعلى ذلك يمكن القول إن منصة فيينا ستبقى منصة مشلولة نسبيا، برغم إصرار العالم على إجراء جولة حوار قبل بدء العام القادم، وهذا الشلل سيكون هو السمة العامة للحوار الذي تقاسم وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف والمبعوث الأممي ستيفان دي مستورا في الإعلان عن موافقة الدولة السورية عليه، وتبليغ الجانب الروسي بقوام الوفد الذي سيمثلها في مثل هذا الحوار، ويبقى على المبعوث الأممي أن يدعوا المعارضات السورية إلى هذا الحوار.

عملياً، سيحاول المبعوث الأممي تهميش المعارضة الداخلية في شكل الوفد المعارض الذي سيدعوه، وسيكون لهيئة التنسيق التي تعمل مع الاطراف الدولية من الداخل السوري الحضور الأكبر في الوفد السوري المعارض، ومرد ذلك أن السعودية ستقنع الطرف الأمريكي بشيء من الإغراءات في الاقتصاد العسكري الذي يعتبر الأساس في الاقتصاد الأمريكي، على ضرورة المماطلة، ناهيك عن الاستفادة الأمريكية أساسا من هذه المماطلة فالاستثمار فيما تسميه واشنطن بالفوضى الخلاقة سمة عامة للسياسة الأمريكية الخارجية خصوصاً في الشرق الأوسط، لذا سيكون حضور هيئة التنسيق بزعامة حسن عبد العظيم هو الغالب على المعارضات الداخلية، كما سيوافق الائتلاف المعارض والإخوان المسلمين وما يعرف باسم "تيار قمح" الذي يتزعمه هيثم مناع والمستقلين الذين سيدعوهم دي مستورا على الحضور، وكل منهم سيحمل ملفا معطلا للحوار، وسيكون هذا التعطيل من باب تقاسم الكراسي في الحكومة التي يراد تشكيلها في سوريا تحت مسمى "الحكومة الوطنية"، ليكون الحوار بطيء النتائج قدر الإمكان برغم إنه من الضروري أن يكون ضمن ستة أشهر لتشكيل هذه الحكومة، ويبدو إن مرحلة الـ 18 شهرا التي حددت لإنجاز كل الاجراءات السياسية التي يعتقد العالم إنها الحل في سوريا ستكون مرحلة مقامرة من التحالف الصهيوسعودي على داعش والنصرة ومع من ستشمله القائمة التي ستعدها الحكومة الأردنية التي بادرت إلى التبرع بتشكيلها ورفعها إلى مجلس الأمن الدولي، وقد يسعى السعوديين إلى ضم كل من "جيش الإسلام" و "أحرار الشام" وميليشيات أخرى تتبع لها إلى هذه القائمة بما يسمح لهذه الميليشيات الخروج من الالتزام بوقف إطلاق النار، والاستمرار في محاربة الدولة السورية، ودعم الأطراف لهذه الميليشيات سيستمر، ومسألة الخوف من القانون الدولي الناظم لتحريم التعامل مع المنظمات الإرهابية ودعمها لا يشكل عائقا بالنسبة للسعوديين، فالقرارات صدرت منذ فترة، وهي لا تشكل هذا العائق لدى كل الأطراف المتدخلة لصالح الميليشيات في الملف السوري في شيء، وسيستثنى من القائمة بضع ميليشيات هامشية لا تؤثر على الميدان السورية لا سلبا ولا إيجابا، ويكون التحالف الصهيوسعودي يضع كل ساقة في طرف من الملف السوري، والمسألة تحتمل الذهاب نحو المزيد من التصعيد الإرهابي في مناطق خارج الحدود السورية للحفاظ على الزخم السياسي الساعي لضرب الإرهاب، ما سيعني المزيد من الزج بالقوات العسكرية في المنطقة، وهذا ما يسعى إليه الإسرائليون والسعوديون، وهو الحفاظ على الفوضى في المنطقة وبقاء مشروع الشرق الاوسط قائماً.