«جيش الشام»: ولادة تحت «عاصفة السوخوي»

«جيش الشام»: ولادة تحت «عاصفة السوخوي»

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ١٣ أكتوبر ٢٠١٥

ليس حدثاً عابراً، الإعلان عن تشكيل «جيش الشام»، ولا ينبغي التقليل من أهميّته وربما خطورته.
فمن جهة، «جيش الشام» هو الولادة الأولى بعد فترة مخاض طويلة نسبياً مرّت بها الفصائل الإسلامية المتشددة، وكان المميّز فيها تصارع التيارات والأجنحة داخل الفصيل الواحد. ومن جهة ثانية، تأتي هذه الولادة مع بداية مرحلة حسّاسة في الأزمة السورية، عنوانها الأساسي هو «عاصفة السوخوي» الروسية التي تسعى إلى سحب البساط من تحت أقدام «التحالف الدولي» في مجال مكافحة الإرهاب.
وإذا أخذنا بالاعتبار طبيعة الأسماء الكبيرة في العالم «الجهادي» التي تقف وراء «جيش الشام»، يغدو من السهل أن نخمّن أن المشهد «الجهادي» في سوريا قد دخل مرحلة جديدة ستتوالى فيها الولادات التي لن تبقى محصورة في منطقة الشمال، بل الأرجح أنها ستشمل مختلف المناطق السورية.
ففي القلمون الغربي على سبيل المثال جرى الإعلان، قبل أسبوعين، عن تشكيل «سرايا أهل الشام»، التي ضمّت غالبية الفصائل العاملة في المنطقة، لكنها استثنت «جبهة النصرة» التي أصدرت بدورها بياناً أكدت فيه عدم مشاركتها في التشكيل الجديد. وفي الجنوب السوري بعد توقف «غرفة عمليات ألموك» عن تمويل الفصائل هناك، تصاعدت وتيرة الاستقطاب في المنطقة، حيث تسعى الفصائل الإسلامية جاهدةً لجذب فصائل «الجبهة الجنوبية» وإقناعها بمبايعتها. وهناك فصائل بايعت بالفعل «جيش الإسلام»، وفصائل أبقت بيعتها لجهات أخرى سريةً بانتظار الوقت المناسب للإعلان عنها. وثمة تسريبات بأن «جيش اليرموك» و «جيش السنة» يخوضان مفاوضات مع «أحرار الشام» لإعلان الاندماج في ما بينهم. ولم تستثن هذه التحولات «جبهة النصرة» من تداعياتها، فقد أعلن «أمير فرقة الانغماسيين» في الجنوب السوري أبو هريرة الأميركي انشقاقه عن «النصرة» والانضمام إلى «لواء شهداء اليرموك»، الذي يُتّهم بمبايعة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، وكان سبقه إلى ذلك أحد قيادات «جبهة ثوار سوريا» أبو تحرير الأردني.
يُضاف إلى ذلك «البيعات» التي حصلت عليها «جبهة النصرة» من بعض الفصائل الأوزبكية والطاجيكية مؤخراً، علاوة على التعيينات الجديدة التي قام بها زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني في كل من حلب وإدلب، حيث نقل أبو هاجر الحمصي المعروف بتشدّده من إمرة إدلب إلى إمرة حلب، بدلاً عن الشيخ حمود، وتعيين أبو حسين الأردني أميراً على إدلب، وتعيين أبو أحمد السوري مسؤولاً مالياً عاماً بدلاً عن أبو أحمد زكور الذي اختفى، وغابت أخباره منذ عزله.
كل ذلك يشير إلى أن مرحلة جديدة من إعادة الهيكلة وإنشاء تحالفات تقوم على أسس إيديولوجية واضحة تمنع الخلافات الداخلية، قد بدأت وستستمر حتى تكتمل صورة المشهد. ومن الجدير بالذكر أن أبا هاجر الحمصي، واسمه أسامة نمور من مواليد إدلب، يُعتبر من «صقور النصرة»، ومن النادرين الذين يملكون صلاحية التصرف من دون العودة إلى الجولاني. وكان الحمصي يتزعم تنظيم «القاعدة» في لبنان قبل الأزمة السورية، وتشير المعلومات إلى أن دخوله من لبنان إلى سوريا تمّ بمساعدة من تنظيم «داعش» في ذلك الوقت، وهو يحمل أسماء مختلفة، مثل أبو أحمد البنشي وأبو محمد الحمصي.
ومما لا شك فيه، أن التأثيرات الإقليمية والدولية تلعب دوراً بارزاً في إعادة تشكيل المشهد وصياغته من جديد. وقد يكون تظهير هذه التأثيرات وأحجامها وخلفياتها وأبعادها غير ممكن حالياً، بسبب الضبابية التي تخيّم على المشهد في فترة التشكّل، إلا أنه تمكن ملاحظة سمة عامة، وهي وجود إرادة إقليمية ودولية تسعى إلى إحياء «تراث الجيش الحر» ودفعه إلى الواجهة من جديد، كمحاولة للضغط على روسيا وتقليص مساحة تحركها، بذريعة أن الفصائل الجديدة ليست «داعش» و«جبهة نصرة» وبالتالي ليست إرهاباً، وعليه فإن استهدافها يدخل في خانة «الخطأ الاستراتيجي» الذي ألمحت إليه الولايات المتحدة.
ومن اللافت أن هذه الفصائل تشدد على أن هدفها هو قتال النظام وقتال «داعش» بشكل متوازٍ، وهي معادلة تعكس وجهة نظر العديد من الدول الإقليمية، التي تحاول عبر تكريس هذه المعادلة ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول نزع ذريعة محاربة «داعش» من يد النظام وتالياً روسيا، بحجة أن الفصائل التي تدعمها هي التي تتولى هذه المهمة. والثاني، إقامة حائط صدّ أمام الدول التي أصبحت لا تخفي رغبتها في اتباع سياسة أكثر مرونة مع النظام السوري بسبب المخاوف من تفشّي الإرهاب، والإيحاء لهذه الدول أن هناك «اعتدالاً» يمكن التعامل معه لإيجاد بديل عن النظام.
وبالعودة إلى «جيش الشام»، يمكن القول إن تشكيله يعكس فشل «أحرار الشام» في إيجاد صيغة لتلافي الصراعات داخلها بين تيار يميل إلى «القاعدة»، ويمثله حتى الآن «المفتي العام» للحركة أبو محمد الصادق، وتيار آخر يريد خلع عباءة «القاعدة» والانفكاك عن «السلفية الجهادية» بشكل نهائي، ويمثل هذا التيار «الأمير العام» الجديد للحركة أبو يحيى المصري.
كما لا يمكن تجاهل العوامل الشخصية في تشكيل «جيش الشام»، فأبا العباس الشامي، واسمه الحقيقي محمد أيمن أبو التوت، وجد نفسه بعد مقتل قادة «الأحرار» الجماعي أواخر العام الماضي، خارج إطار التأثير الرسمي في الحركة، بعد أن عُزِل من منصبه كمفتٍ عام، وتمّ تعيين أبو محمد الصادق مكانه. ورغم أن أبي التوت استمرّ في تأييد «أحرار الشام» طوال العام الماضي، ولم يسجل عليه أي انتقاد لأداء الحركة، إلا أن مسارعته إلى تشكيل فصيل جديد والجلوس على مقعد الأبوة الروحية له، بعد أن كان المحرّك الفعلي لقيادة «الأحرار» القديمة منذ أيام سجن صيدنايا الذي كان يجمعهم سوياً في مهجع واحد، يعكس بما لا يدع مجالاً للشك أن الرجل قرر القطيعة مع حركته السابقة، وإعادة بناء حركة جديدة بمواصفات معدّلة تناسب التطورات الميدانية والسياسية التي تمر بها سوريا والمنطقة.
ولا يمكن الجزم حالياً في مدلولات هذه القطيعة وأبعادها محلياً أو إقليمياً، فحركة «أحرار الشام» تحظى بدعم تركي، سياسي وعسكري وإعلامي، معلن وبدعم مالي شبه معلن من شخصيات كويتية، ومن المستبعَد أن تتخلى تركيا عن توظيف واستثمار «أحرار الشام» بعد سنوات الدعم الطويلة. ولكن مما لا شك فيه أن المولود الجديد، بقيادته الروحية التي تتقاطع عندها العديد من الخطوط الإقليمية والدولية، سوف تحاول أن تشقّ طريقها لكسب تأييد ودعم تركيا قبل غيرها.
وإلى جانب أبي العباس الشامي، هناك أسماء كبيرة ضمن قائمة مؤسسي الجيش الجديد، من أبرزهم يامن الناصر، وهو من قيادات «أحرار الشام» المعروفة بعدم ميلها إلى «القاعدة»، وسعيها إلى اقتباس تجربة «حركة طالبان الإسلامية» وتطبيقها في سوريا. ومن نافلة القول إن خروج هذه القيادات من كنف «الأحرار» سيؤدي إلى حالات انشقاقات داخل الحركة، نظراً لما يمثله هؤلاء من ثقل معنوي كبير ووجود المئات ممن يحملون أفكارهم نفسها.
ولم يقتصر الخروج من الحركة على بعض القيادات الشرعية، فهناك قادة عسكريون قرّروا الانضمام إلى «جيش الشام»، وعلى رأس هؤلاء أبو حمص رتيان الذي انشق بكامل فصيله «أنصار السنة» عدّة وعتاداً وأفراداً وانضمّ إلى التشكيل الجديد. ويُعتبر أبو حمص من القادة العسكريين البارزين في «أحرار الشام»، وشارك في قيادة عمليات مهمة عدة، وكان القيادي الراحل في «أحرار الشام» أبو خالد السوري يصفه بأنه «أسد الشام» في تعبير واضح عن أهمية الرجل ومكانته.
يُشار إلى أن محمد فارس مروش، الذي اختطفه تنظيم «داعش» العام 2013 من أحد المستشفيات في حلب وهو جريح وقام بقطع رأسه، كان يعمل تحت إمرة أبي حمص رتيان. ومن القيادات التي انشقّت عن الحركة أيضاً وانضمت إلى «جيش الشام» «الأمير الشرعي» أبو أنس سراقب (محمد حجّي من قرية مجينة في سراقب).