التهديد الداعشي لمصر.. الجذور والأبعاد

التهديد الداعشي لمصر.. الجذور والأبعاد

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٢ سبتمبر ٢٠١٥

القاهرة – فارس رياض الجيرودي :

تأتي تصريحات الرئيس بوتين في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال زيارة الأخير لروسيا، والتي شدد فيها على «أهمية تشكيل جبهة واسعة لمحاربة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش»، في وقت تنشغل فيه الأوساط الإعلامية في مصر، ومنذ أشهر بأنباء مسربة تتعلق بإمكانية أن يعلن تنظيم «داعش» عن ولاية جديدة له في صعيد مصرلتشمل محافظات جنوب الوادي، إذ لم يكن من قبيل المصادفة أن يمنح داعش تنظيم أنصار بيت المقدس المصري اسم «ولاية سيناء»، وليس ولاية «أرض الكنانة» مثلاً، مما يستدل به على احتمال أن يكون التنظيم راغباً بوجود أكثر من تابع له في مصر.
وتجد القيادة المصرية الجديدة المتشكلة عقب ما يعرف بـ«ثورة 30 يونيو» خططها لتحقيق الاستقرار في البلاد مهددة بقوة من الجماعات الإرهابية التي نمت بسرعة خلال سنوات ما عرف بـ«الربيع العربي» في كل من سيناء شرق البلاد وفي ليبيا على حدود مصر الغربية، حيث نشأ فرع لتنظيم داعش يتخذ من مدينة سرت الليبية مركزاً، هذا في وقت تخوض فيه قوات الجيش والأمن المصريين ما يشبه حرباً مصغرة شمال سيناء مع التنظيم الذي كان يسمي نفسه إلى أمد قريب تنظيم بيت المقدس، قبل أن يعلن مبايعة أبي بكر البغدادي خليفة داعش، ليطلق عليه منذ ذلك الحين اسم تنظيم «ولاية سيناء».
لقد عثرت التنظيمات الإرهابية في سيناء على بيئة ملائمة لنموها، فاستفادت من ظروف التهميش التي تعاني منها شبه الجزيرة تاريخياً، كما استفادت من الفراغ الأمني الذي تشكل فيها كنتيجة لبنود معاهدة كامب ديفيد، كما أدى إجهاز حركة حماس على حركة أنصار اللـه الوهابية المتشددة في غزة المحاذية لسيناء، إلى حدوث موجة نزوح لقيادات وهابية فلسطينية لسيناء عام 2009، حيث امتزج كبار المحاربين من الجماعات الفلسطينية مع المجموعات الجهادية في سيناء في عملية أشبه بتبادل الخبرات، ومع موجة الفوضى الإقليمية التي تشكلت عقب ما سمي «الربيع العربي»، وصلت ليد القبائل السيناوية ( المسلحة أصلاً) كميات هائلة ونوعيات جديدة من الأسلحة القادمة من ليبيا.
وهكذا قدمت شبه جزيرة سيناء ملاذاً آمناً طبيعياً للتنظيمات الجهادية السلفية، كما أن وجود إسرائيل على الحدود شكل فرصة دعائية مهمة بالنسبة للقاعدة يمكن أن تساعدها على استعادة الزخم إعلاميا بعد الخسائر الثقيلة في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان، لذلك كان السعي للتواصل مع هؤلاء الجهاديين من أمير القاعدة المصري الجنسية المقيم في أفغانستان أيمن الظواهري أمرا منطقيا.
ولم تنتقل الجماعة المسماة «أنصار بيت المقدس» في سيناء للعمل بشكل علني على الساحة حتى ما بعد «ثورة 30 يونيو» عام 2013 التي تدخل فيها الجيش إثر مطالبات شعبية للإطاحة بحكم الإخوان المسلمين، ومن تلك اللحظة بدأت عملية الجهاد الانتقامي ضد الدولة.
ورغم أن الجهاديين لم يكونوا في أي وقت متحمسين في بياناتهم وإصداراتهم وأدبياتهم لجماعة الإخوان المسلمين ولم يصفوها بالردة الديمقراطية، لكن وجود الإسلاميين في السلطة وفر لهم فرصة ذهبية لإعادة بناء شبكاتهم، ولاختراق عدد من الأجهزة الأمنية، ومع وقوعهم مع جماعة الإخوان المسلمين في موقف المطارد، وذلك عقب فض تجمع أنصار الإخوان في رابعة العدوية بالقاهرة، أعلنت جماعة «أنصار بيت المقدس» أن الجيش والشرطة في مصر مرتدون يجب قتالهم، وحتى يومنا هذا يقدر عدد من قتلتهم الجماعات الإرهابية المختلفة من أفراد القوات الأمنية المصرية بأكثر من 700 في جميع أنحاء مصر، 60% على الأقل من هذه الوفيات وقعت في شمال سيناء، وهذا المستوى من الخسائر يعد الأضخم الذي نجح الجهاديون في إيقاعه في صفوف القوات النظامية المصرية طوال عقدين كاملين من تاريخ إعلانهم التمرد المسلح ضد الدولة المصرية.
هكذا بدأ اتجاه جماعة أنصار بيت المقدس «ولاية سيناء» كما أصبحت تسمى بعد مبايعتها داعش» لتحويل اهتمامها نحو بر مصر الرئيسي، ولكن من دون وجود قواعد لها في هذه المناطق، لم تتمكن الجماعة في البداية من تنفيذ هجمات مؤثرة، إلى أن استيقظ سكان القاهرة في ساعة مبكرة من صباح يوم السبت الموافق 11 تموز 2015 على وقع انفجار ضخم، كان ذلك بعد مرور 12 يوماً فقط على عملية اغتيال النائب العام المصري «هشام بركات» وبعد مضي 10 أيام على الهجوم واسع النطاق على حواجز الجيش المصري في الشيخ زويد والذي تبنته «ولاية سيناء»، الفرع المحلي التابع لتنظيم «الدولة الإسلامية»، ما أثار خشية السكان المحليين من ارتفاع وطأة عمليات التمرد الإرهابي وفقا لزعم أحد المسؤولين رفيعي المستوى في قلب الأراضي المصرية. وسرعان ما أصبح واضحاً أن الهجوم قد استهدف القنصلية الإيطالية، وهي أحد أهداف الدبلوماسية الناعمة الأكثر دلالة من الهدف ذاته ورغم كل شيء كان البيان الذي أصدره التنظيم وأعلن من خلال مسؤوليته عن الحادث بدلاً من أي يوقع البيان باسم «ولاية سيناء» فقد نسبه للمنظمة الأم، «الدولة الإسلامية»، المسؤولية عن الأمر.
في الشهر التالي، وفي الساعات الأولى من صباح يوم 20 آب الفائت، استيقظ سكان شمال القاهرة مرة جديدة مذعورين على وقع انفجار مرعب، هذه المرة كان الهدف مبنى جهاز أمن الدولة على الأطراف الشمالية لمدينة القاهرة، ومرة أخرى أعلنت «الدولة الإسلامية» مسؤوليتها عن الهجوم بدلا من «ولاية سيناء».
وينذر تطور عمليات التنظيم في القاهرة بالإضافة للمعركة التي تزداد ضراوة في شمال سيناء بتهديد كل خطط القيادة المصرية لتحقيق الاستقرار والنهوض الاقتصادي بالبلاد، وذلك في ظل تنامي الفوضى في ليبيا المجاورة التي تعتبر الخزان الأساسي المغذي لإرهابيي مصر بالسلاح، ومع الأخذ بعين الاعتبار رفض حلفاء مصر الغربيين والخليجيين لطلبها تشكيل تحالف دولي يحد من الفوضى في ليبيا، نستطيع أن نفهم مغزى تشكل الرؤية المصرية الروسية المشتركة، التي أعلن عنها في موسكو مؤخراً بشأن جبهة إقليمية موسعة لمواجهة الإرهاب في المنطقة، تضم دولاً لا يزال الحليف السعودي لمصر يصر على عدم الاعتراف بإخفاق مخططاته لإسقاطها.