هل ستنتقل أميركا من «حالة الضياع» إلى «حالة الإنصياع» ؟

هل ستنتقل أميركا من «حالة الضياع» إلى «حالة الإنصياع» ؟

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٣١ أغسطس ٢٠١٥

 م. سامر عبد الكريم منصور
في لقائه الأخير مع قناة المنار, وخلال ردّه على سؤال عن تدريب واشنطن لمجموعات مسلحة "معتدلة", قال الرئيس الأسد: « ما يقلقنا هو عدم رؤية الغرب، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة لخطر الإرهاب, وماذا يعني أن ينتصر الإرهاب في منطقة مثل منطقتنا. عندما لا يفهمون هذه المخاطر علينا أن نقلق، أكثر من هذا الحدث بحدّ ذاته». ربما كانت الكلمات الأكثر أهمية, خلال لقاء المنار. كانت جواباً على تساؤلات عديدة. فهي الجواب على غياب معالم «ربع الساعة الأخير»، وكذلك على «حالة الضياع» في القرار الأمريكي. ولكن لماذا لا يقلق الغرب من الإرهاب؟
بعد أيام قليلة, سيقف الرئيس الأمريكي بعيون دامعة, دقيقة من الصمت, حدادا على ضحايا الحادي عشر من أيلول. في الذكرى الرابعة عشر, ستصمت أمريكا من المحيط إلى المحيط, وهي تتذكر بحزن بالغ, طائرات الإرهاب التي حلقت في سمائهم ذات خريف. هذه الإحتفالية الجنائزية، ستكون حاضرة بكلّ قسوتها, في كلمات ورسائل كثير من القادة في العالم، وهم يواسون الولايات المنكوبة, ويجددون مساندتها في "حربها" المستمرة على الإرهاب. سترى حزن الإعتلال العربي، وستسمع من الرثاء ما يفتت الصخر نحيباً, وهم يؤكدون إستمرارهم بـ «إغاثة الملهوف» الأمريكي. دموع رجب طيب أردوغان في تلك اللحظات, ستكون في جزء كبير منها, على الحلم المفقود في إعادة بناء «هيكل عثمان». الذاكرة الأمريكية من طبيعة رملية. لا تحتفظ بدموع اليابان وقنبلتهم الذرية، أو الدموع الفيتنامية والعراقية, وبحور الدمع اللاتينية. سيصمتون لدقيقة من الزمن، ويستعيدون سؤال بوش: «لماذا يكرهوننا!؟».
من ميزات الديمقراطية أنها تتيح للعالم أن يسمع فضائح السياسة الأمريكية. تخرج الحقائق من نطاق التحليلات السياسية إلى اعترافات معلنة. عرف العالم بأسره، خديعة البيت الأبيض لتبرير احتلال العراق، بإعتراف مباشر من وزير خارجية الإحتلال الأمريكي «كولن باول». كذلك سمع العالم، ومن مدرسة الخارجية الأمريكية أيضا، اعتراف «هيلاري كلينتون» بأنّ «تنظيم القاعدة» كان صناعة أمريكية، لمواجهة الخطر الشيوعي على الأرض الأفغانية. لقد كان اعترافاً واضحاً بأن الولايات الديمقراطية الأمريكية، أنشأت أداة إرهابية تساعدها في تبرير سياستها الخارجية العدوانية. كثيرة هي التحليلات التي تؤكد أن الحادي عشر من أيلول كان صناعة أمريكية أيضاً، عبر أداتها الإرهابية «القاعدة». كان خداعاً أمريكياً، لتبرير مرحلتها العدوانية الجديدة تحت شعار: «مكافحة الإرهاب» وتعميم الثقافة الديمقراطية. الواقع يقول، وبعد سنوات من النضال الأمريكي، بأنها كانت تكافح الشعوب وتنشر الإرهاب في كل مكان دنسته أقدام جنود الديمقراطية، أو حلت به الفوضى البناءة والربيع الخلاق.
التصريحات الأمريكية كانت تعلن بوضوح حاسم، العداء الشديد للتنظيمات الإرهابية، والعمل بشكل منفرد أو مع «ائتلاف الراغبين» على اجتثاث الإرهاب من العالم. موجة التصريحات التي رافقت العداء للقاعدة، انتهت باحتلال افغانستان والعراق. طائراتهم كانت تحلق من الممالك المنتجة للإرهاب، وتلقي اليورانيوم المشع بالديمقراطية على الشعب العراقي. سنوات الربيع العربي، ترافقت أيضاً مع تسونامي من التصريحات المؤيدة لحقوق الشعوب في التعبير عن نفسها، وتحقيق حلمها في الديمقراطية، والتخلص من الديكتاتوريات الحاكمة. كذلك تصريحات تؤكد العداء للنسخة الجديدة من الإرهاب الدولي: «داعش»، وتتبنى تحالف جدة الدولي لمحاربة التنظيم الإرهابي بقيادة الولايات المتحدة. نتائج التصريحات كانت: بروز تونس كدولة مصدرة للإرهاب. غرق ليبيا في واحة الإرهاب. مزيد من الغياب المصري مع حضور كثيف للإرهاب. اليمن يواجه حربا داخلية على "الشرعية" وعدواناً وهابياً وإرهابياً. العراق يضيف إلى ما ورثه عن الإحتلال الديمقراطي، حضورا داعشيا على أقسام واسعة من أراضيه. أما سوريا التي باتت ساحة جهاد رئيسية لكل فكر إرهابي، والتي تجمعت فوق أرضها كل جنسيات الإرهاب الدولي، ليتمكن من التعبير عن نفسه بحرية مطلقة، بعيدا عن الرقابة التي تحدّ من الإبداع الإرهابي. فظهرت مشاهد لا يمكن محوها من الذاكرة الإنسانية، تبدأ من وسائل وأشكال احترام الرأي الآخر والأديان والمذاهب المختلفة, وحماية الإختلاف والتنوع الثقافي حتى آخر رقبة, والوقوف على أطلال الحضارات السابقة لتحديد الوسيلة المناسبة، لتدمير يليق بما اختزنته من "حاكمية لغير الله". كل ذلك كان يجري برعاية التصريحات الأمريكية وتحالفها الدولي، الذي وسّعت ضرباته المركزة، من رقعة انتشار الإرهاب الداعشي، فباتت بعثاته الإرهابية المحملة بكل تخلف وحقد وجهل التاريخ القديم، على ضفاف البحر الذي يتوسط قارات العالم القديم.
بات من المسلم به، أن التنظيمات الإرهابية التي تتنافس على قتل الشعب السوري، أدوات تتلقى دعما ماليا وتسليحيا ولوجستيا, من دول أقليمية تدور في فلك السياسة الأمريكية. الغاية الحقيقية لحرب "المجتمع الدولي" على الشعب والدولة السورية، ليست الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. المناطق التي نكبتها قطعان الديمقراطية باتت ربعا خاليا. هو صراع على دور سوريا في رقعة الشطرنج الإقليمية والدولية.
السياسة في الغرب وخاصة في الولايات المتحدة، تبدو واثقة من ضبط ايقاع الإرهاب بحسب مصالحهم، مع بعض الخسائر الجانبية التي يمكن احتمالها. لا خطوط حمراء للإرهاب، فكل ما يضمن استدامة الفوضى واستنزاف مزيد من دم الشعب السوري ويضعف الدولة السورية, هي من الأمور التي يقدم لها "المجتمع الدولي" كل الدعم الممكن للإرهابيين والمشروط بعدم انتصارهم، الذي يعني تحول المنطقة إلى منارة إشعاع إرهابي، وتهديد حقيقي لمصالح الغرب. حالة الضياع الأمريكي، هي في الواقع سياسة الإنتظار، حتى تنضج المنطقة على نار الفوضى الخلاقة، ويصبح من السهل جرّها نحو الضفة الأمريكية. لكن الحلم الأمريكي ليس قدرا. الشعوب التي تملك الحق والقوة والإرادة، قادرة على فرض خياراتها، وتحقيق اقدارها الخاصة المنسجمة مع مصالحها.
بين كلمات الأسد: «ما يقلقنا هو عدم رؤية الولايات المتحدة للخطر الإرهابي», وتساؤل بوش: «لماذا يكرهوننا؟». تبرز «نا» الدالة على الجماعة. القلق كان على الإنسانية من خطر إرهاب يتمدد, بينما كان الكره مرتبط بجماعة البيت الأبيض، التي كانت إدارة لنكبات الإنسانية، عبر تاريخ طويل من الإحتلال والقتل ونهب الشعوب وتدمير الدول، وتصنيع الإرهاب ونشره بحسب مصلحة البيت الأسود. فحيث يوجد الإرهاب، فتش عن الأمريكي. هكذا قال التاريخ في العقود الماضية, وهكذا يقول في زمن "الضياع" الأمريكي