الكل يهرول إلى موسكو.. هل من حلٍّ يلوح في الأفق؟!

الكل يهرول إلى موسكو.. هل من حلٍّ يلوح في الأفق؟!

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٢٨ أغسطس ٢٠١٥

 رولا يازجي

يبدو واضحاً أن عودة التفاهم الأميركي-الروسي الأخير والذي حدث على خلفية إنجاح توقيع الإتفاق النووي مع إيران، قد وصل لباقي الملفات العالقة ولا سيما ملف الأزمة السورية، وإن كان التفويض الأميركي لقيام روسيا بهذه المهمة ليس تفويضاً كاملاً، فالسعودية التي فاجأت موسكو بالتراجع عن موقفها المستجد، إثر الوساطة الروسية للجمع بين السوري والسعودي، عبر تصريح الوزير الجبير الأخير، يقوض مساعي موسكو للحل حالياً، والهدف غير المباشر هو تقويض دور إيران في الحل.

لكن بإمكان المراقب أن يلحظ الهرولة بإتجاه روسيا. منذ يومين كانت هناك زيارة لملك الأردن وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد إلى موسكو تناولا خلالها وعلى هامش معرض الفضاء والطيران الروسي، أهمية تشكيل حلف لمحاربة الإرهاب، وبالأمس كانت زيارة الرئيس السيسي والتي لم تكن الأولى وخاصةً بعد عودة روسيا إلى مصر من خلال بوابة القمح والسلاح بعد طول قطيعة، وتم التأكيد على ضرورة تشكيل جبهة لمحاربة الإرهاب بمشاركة سورية، وكان أن سبق ذلك منذ أسابيع زيارة لولي ولي عهد السعودية كتمهيدٍ لزيارة الملك سلمان المرتقبة.

المعارضة السورية بأشكالها المختلفة أيضاً تهرول إلى روسيا، الجميع بات يتلمس الحلول من خلال موسكو ويُبدي بعضهم ترحيباً متحفظاً- كالأردن المتردد مثلاً والذي لا يزال يطمح لإنشاء منطقة آمنة منتظراً تفويض دولي تبدو ظروفه حتى الآن متعسرة- وترحيباً صريحاً لآخرين فيما يخص مبادرة الرئيس بوتين لتشكيل حلف مشترك لمحاربة الإرهاب كما هو حال مصر التي ترى بأن أمنها القومي مرتبط بالحفاظ على بقاء سورية دولة متماسكة، وهذا تبدى من خلال عدم إنقطاع الإتصالات الإستخباراتية والأمنية بين البلدين والحديث عن إقتراب عودة السفير المصري إلى سورية، وإن كان لا يزال تأييدها خجولاً ومقيداً بسبب العلاقات التي تربطها بالسعودية.

فيما يُحكى عن دور الوسيط الذي تحاول لعبه الإمارات من خلال ولي عهد أبو ظبي بهدف إعادة التعامل مع النظام السوري، ليُضاف اليوم إختراق جديد لسلسلة الإختراقات التي تسعى لإيجاد حل للأزمة السورية وذلك من خلال إعلان واشنطن عن بدء المبعوث الأميركي الخاص الجديد إلى سورية مايكل راتني، عن بدء زياراته إلى موسكو والرياض وجينيف...

فيما تبقى تركيا خارج الدائرة ومعها كلٍ من قطر والسعودية، الرياض التي تبحث لنفسها عن نفوذ داخل سورية لتحجز لها دورًا في حل الأزمة، لا تملك من رهان سوى الضغط من خلال وابل قذائف جماعاتها المتواجدة على بعض أطراف العاصمة دمشق، والإعتماد على التعاون التركي-السعودي المشترك، وأردوغان الذي ينتظر غطاءً أمميًا وأطلسيًا لمشروع منطقته العازلة، لتعود أميركا البارحة وتؤكد على عدم وجود إتفاق بين واشنطن وتركيا لإنشاء أية منطقة عازلة أو حظر جوي، وقالت أنها تتطلع لمشاركة سلاح الجو التركي ضمن تحالفها ضد داعش.

واشنطن التي على ما يبدو تريد جر أردوغان الى حرب ضد داعش لإنتشال ورقة الإبتزاز هذه من يده، دون إعطائه أية ضمانات من إرتدادها للداخل التركي أو ضمانات لعدم إنشاء إقليم كردي على الحدود التركية-السورية، كانت قد أوضحت منذ أسابيع بشكلٍ "غير مباشر" أن على تركيا الإنضمام إليها دون شروط، أو فإنّ تورطها في سورية سيكون بشكلٍ منفرد، حيث قالت واشنطن: "شمال سورية لا يندرج تحت بند منطقة عازلة أو حظر جوي نظراً لأن طائرات التحالف هي الوحيدة التي تعمل في تلك المنطقة".

وكان قرار نزع بطاريات الباتريوت من تركيا وإنهاء مهمتها منذ أسبوع بمثابة رسالة تقويض لمطامع أردوغان المنفردة، حيث أتى تصريح صحيفة لو فيغارو الفرنسية ليوضح مخطط واشنطن عبر قولها: "أنه وبالتعاون مع السعودية وقطر والأردن وفرنسا وبريطانيا، ستطلق تركيا وأميركا هجوماً جوياً واسعاً لطرد داعش من مستطيل بطول 80 كلم على طول الحدود السورية-التركية، وفي عمليةٍ تهدف أيضاً لتقديم دعم جوي للمتمردين".

لعلّ هذا التضارب في المصالح ووقوع أردوغان بين فكي كماشة، يدفع به في النهاية لأحضان مبادرة الرئيس بوتين.. أو علينا أن ننتظر إتمام التفاهم الأميركي-الروسي والذي سيفضي بالتالي إلى فض نزاعات المنطقة بما فيها أزمة سورية...

التقارب الأميركي-الروسي الأخير يُعكر صفوه حل مشكلة الدرع الصاروخية الأطلسية، التي تم نشرها في دول البلطيق، والتي ربطت واشنطن موضوع تصحيحها حينها، بإتمام الملف النووي الإيراني. في المقابل وبخطوةٍ مماثلة، توجه منذ يومين وفد إيراني لزيارة موسكو والإتفاق على موعد لتسليم صواريخ إس 300، وبهذا تصبح إيران وكيلاً في المنطقة عن حلف شنغهاي، ليأتي تصريح البنتاغون معرباً عن قلقه من نشر منظومة الصواريخ هذه في إيران.

حل مشكلة الدرع الصاروخية بين واشنطن وموسكو، من شأنه أن يساهم في حل كل قضايا الشرق الأوسط، وفي مقدمتها الأزمة السورية، دون أن تتوقع واشنطن أي تغيير في موقف موسكو من سورية، وهذه كانت رسالة من روسية عند تسليمها سورية منذ أيام مقاتلات من طراز ميغ31، وكذلك تصريح الوزير لافروف خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه بوزير الخارجية السعودي في روسيا، والذي أكد من خلاله على موقف روسيا الثابت، حيث قال في معرض رده على تصريح الوزير الجبير، أن موسكو تعارض دعوة البعض لرحيل الأسد، وأن هذا القرار يعود للشعب السوري فقط.
الروسي اليوم يلعب من منطلق القوة ويملك أكبر عدد من أوراقها في يده، لقد إستطاع إقناع أصدقاء أميركا بأن روسيا حليف جيد وذلك من خلال موقفها الثابت والداعم لسورية، كما استطاع التواصل مع كافة أشكال المعارضة السورية، علّ هذه الأوراق بالإضافة إلى نتائج تصويت الكونغرس المرتقبة في شهر تشرين الأول بشأن الإتفاق النووي، وقلق واشنطن من تفرد روسيا بزعامة مشروع محاربة الإرهاب، تحسم هذه المشكلة العالقة بين القطبين، وتحسم معها أزمات المنطقة العالقة.

الأحداث السياسية تسير برعاية التحركات العسكرية، والتي برغم تقدم الجيش العربي السوري على مختلف الجبهات، ما زالت تتصف بالبطء نظراً لطبيعة الحرب غير التقليدية، إلا أن سورية تتحلى بدور المفاوض الشرس لأنها تعلم أن الوقت بات في صالحها، وأن الإدارة الأميركية برغم تمسكها برفض مشاركة سورية في حلف مشترك ضد الإرهاب، لن تلجأ للخيار العسكري لتغيير النظام السوري، وهذا ما أكدته البارحة على لسان الناطق كيربي والذي قال إنّ الإدارة الأميركية تدفع بإتجاه التغيير السياسي في سورية دون اللجوء لعمل عسكري، لافتاً إلى أن ضربات التحالف تستهدف داعش فقط، وهما قضيتان مختلفتان.

إذاً، الجميع يراهن على الوقت الآن، وخاصةً الإدارة الأميركية التي تعاني من فشلٍ ذريع في إستراتيجيتها إتجاه سورية، ولعلنا نرى نتائج لهذه الإتصالات في الأفق القريب.