مراحل ما بعد الاتفاق النووي: رابحون.. وخاسرون

مراحل ما بعد الاتفاق النووي: رابحون.. وخاسرون

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٤ أغسطس ٢٠١٥

على نار هادئة، تطبخ السياسة الإيرانية مشاريعها المستقبلية. فاتفاق 14 تموز النووي، بات في حكم المنجز ـ حتى الآن ـ بانتظار التوقيع عليه، خصوصاً أنَّ أحداً لن يتمكَّن من تغيير أيّ من البنود المدرجة ضمن «البرنامج العام لأطر العمل المشترك»، كما أنَّه لا يحقّ لأيّ دولة أن تُدخل تعديلات على ما تمّ الاتّفاق عليه، لذا، يمكن أن تكون النتيجة بقبوله أو رفضه.
هذا الإعلان النووي وصل إلى الكونغرس الأميركي للتصويت عليه خلال 60 يوماً بعد التوقيع في فيينا. وفي الحالة الأميركية، يحقّ للرئيس باراك أوباما استخدام الفيتو لتمريره في حال رفَضَه الكونغرس، بينما تختلف المعادلة في إيران، إذ لا وجود لفيتو على الإعلان النووي، ومن المستبعد أن يتدخَّل المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية آية الله السيد علي خامنئي لإيقافه.
وكان خامنئي قد اكتفى بالدعوة إلى توخّي الحذر، من دون أيّ مؤشر على قبوله أو رفضه للاتفاق. الكرة باتت الآن في ملعب المجلس الأعلى للأمن القومي الذي يضم ممثلين عن كل القوى السياسية والعسكرية والأمنية والحكومية في البلاد، وهو الذي ستكون له الكلمة الفصل في الحكم على الاتفاق، ووصفه بالجيد أو السيئ.
هنا يأتي الحديث عن دور مجلس الشورى الإيراني، بعدما قدَّم وزير الخارجية محمد جواد ظريف ترجمة نص الاتفاق إلى البرلمان لمناقشته، ليفتح بذلك سجالاً حول قانونية إقراره في المجلس من عدمه.
أمَّا رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي، فقال إنَّ الاتفاق لا يخضع لقانون المعاهدات الذي تنصّ عليه المادة 77 من الدستور الإيراني، وبالتالي يحقّ لمجلس الشورى إبداء الرأي، ولكن من دون إلزام الحكومة بقبوله أو رفضه. هذه العبارات، أثارت جدلاً في البرلمان الإيراني الذي يرى في الاتفاق تطابقاً مع قانون المعاهدات والاتفاقات الدولية، وبالتالي فإنَّ قبوله أو رفضه يُعدّ من صلاحيات مجلس الشورى.
التفسيرات والاجتهادات القانونية، سيحسمها مجلس صيانة الدستور ـ المعني بمراقبة تطبيق القوانين في إيران ـ وهو الذي سيحدِّد إنْ كانت مواد الدستور تنطبق على الاتفاق النووي، لإقراره في البرلمان.
محلياً، لا وجود لشرخ حقيقيّ حول الاتفاق النووي، فالجميع متَّفق على أنَّه حقَّق إنجازاً، ويتفهم بالتالي ما قاله وزير الخارجية ظريف: إنَّ التفاوض يعني خسارة شيء مقابل الحصول على آخر. يضاف إليه، كلام الرئيس حسن روحاني الذي قال إنَّ المفاوضات تشبه مباراة كرة قدم حقَّقت فيها إيران ثلاثة أهداف وتلقت شِباكها هدفين.
هناك قراءات مختلفة لبنود الاتفاق أفرزت العديد من التساؤلات والشبهات لدى بعض الأطراف السياسية التي تركِّز حصراً على ثغرات في الاتفاق لم تحلّ، كموضوع رفع العقوبات التام عن التسلح أو قضية التحويلات المالية «سويفت»، وبعض المسائل المرتبطة بتعليق العقوبات أو إلغائها.
أما ملف البروتوكول الإضافي الذي يسمح بتفتيش مفاجئ للمنشآت النووية ضمن إطار التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، سيمرّ من دون شكّ على البرلمان الذي يحقّ له أن يقرّ هذه الاتفاقية أو يرفضها، لأنَّها تتضمَّن أبعاداً قانونية، إلى جانب أنها ملزمة لإيران، وفق آليات عمل «غير تفاوضية».
فالجمهورية الإسلامية انسحبت من هذه المعاهدة رداً على فرض عقوبات عليها بعد إعادة تشغيلها لمنشأة «نتانز» بعيد وصول الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد إلى الحكم في العام 2005، ونزع الأختام واستئناف أنشطة تخصيب اليورانيوم. وأعلنت طهران أنَّها لن تعود إلى هذا البروتوكول المضاف إلى معاهدة الحدّ من الانتشار النووي، إلَّا في حال تمّ رفع العقوبات عنها وعاد ملفّها إلى أدراج الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد إخراجه من مجلس الأمن الدولي.
اليوم، وبعد قرار رفع الحظر عن إيران، لا مانع من العودة إلى توقيع البروتوكول، غير أنَّ الإصرار الغربي على تفتيش المنشآت العسكرية الإيرانية ـ في حال الاشتباه فيها ـ أدخل المسألة في أتون الشك والتردد، خصوصاً أنَّ إيران لن تقبل بتفتيش منشآتها العسكرية والصاروخية تحت أيّ ذريعة، باعتبار أنَّ التفتيش يُعدّ انتهاكاً للأمن والسيادة الوطنيين. وبحسب التعبير الإيراني: «هذا الموضوع لن تقبل فيه أيّ دولة ذات سيادة «. أضف إلى ذلك، اشتراط موافقة طهران المسبقة على جنسيات المفتشين الدوليين لدواعٍ أمنية، بعد انعدام الثقة بعمل الوكالة واتهامها بالتجسّس ونقل معلومات إلى جهات معادية لإيران.
مشوار طويل ينتظر الاتفاق النووي. فمراحل التنفيذ ستكون أشدّ صعوبة من مراحل التفاوض. مرحلةٌ سيطغى عليها الحذر بسبب انعدام الثقة بين واشنطن وطهران، فالجميع يريد نتيجة واحدة: أن لا يقال، في نهاية المطاف، أنَّه كان الخاسر.