أحرق نفسه من أجل الرضيع في فلسطين!

أحرق نفسه من أجل الرضيع في فلسطين!

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٢ أغسطس ٢٠١٥

 عبد الغني قطايا

عاد من عمله بعد معاناةٍ معتادةٍ مع وسائل النقل العام، ولكن هذه المرّة أنساه الطقس الحارّ كلّ ما يقاسيه. فقد كان جسده يلتهب، مع أنّ العرق الذي بلّل ثيابه كان يكفي لإطفاء نار جهنّم.

حسنًا، لم يعد يكترث إلى رائحة النفايات في الشارع ولا حتّى إلى صعود مئةٍ وثلاث وعشرين درجة كي يصل إلى بيته؛ لم يكن يرى أمامه إلّا قارورة مياهٍ باردةٍ ومروحة. ألقى بجسده المتهدّم على الأريكة التي لم تعبّر له عن رأيها منذ أكثر من عشرين عامًا، وأدار المروحة صوبه كما اشتهى، فقرّر أن يأخذ قسطًا من الراحة قبل أن يغسل جسده بمياهٍ تكاد لا تفرق بملوحتها عن عرقه شيئًا.

تناول قارورة المياه الفاترة بيَدٍ رفعها نحو فمه وجهاز التحكّم بيدٍ أخرى وجّهها نحو التلفاز كي يشغّله، وإذ بهذا الأخير يعمل على المحطّة نفسها التي لا يعمل عقله على سواها. كانَت تبثّ الأخبار، إنّما هذه المرّة عن فلسطين على غير عادة: مستوطنون متطرّفون يحرقون عائلةً بأكملها، وأوّل شهيدٍ منها كان طفلها الرضيع.

شعر بالغضب، وتذكّر نفسه وهو الذي لم يتحمّل لحمُه حرَّ الشمس، فكيف بهذا الرضيع الذي لا يقوى على السير إلّا قليلاً أن يدرأ عنه نارًا لا ترحم؟ بعد ذلك، ألقى برأسه المُثقَل بالكلام والتحاليل السياسية وبيانات التهديد والانتقام خارج سور الشرفة، وأشعل سيجارةً ينفث مع دخانها صرخة آهٍ وحزن.

ومن ثمّ عاد إلى الغرفة التي لو أحسَّت جدرانُها بالحرارة لذابَت خجلاً، فصاحب المولّد أطفأه لعطلٍ طارئٍ بسبب العمل لساعاتٍ طوال متواصلة وانطفأت المروحة. جلس على أريكته يلعن كلَّ شيء، ولكنّه في المقابل أقنع نفسه بضرورة القيام بأمرٍ ما من أجل هذا الرضيع المظلوم، فنام.