تراجع أم تحايل تكتيكي لأردوغان أمام واشنطن

تراجع أم تحايل تكتيكي لأردوغان أمام واشنطن

أخبار عربية ودولية

السبت، ١ أغسطس ٢٠١٥

سارعت الحكومة التركية للإعلان عن وصولها لاتفاق مع الجانب الأميركي لإقامة "منطقة خالية من قوات داعش" في الشمال السوري، مطلقة العنان لتفسيراتها أبعاد ما يعنيه من "انتصار" لسياستها المطالبة بإنشاء مناطق حظر للطيران السوري هناك.
 الإدارة الأميركية، وعلى لسان جملة من كبار لمسؤولين، التزمت التفسير بأن المقصود هو ازاحة قوات "الدولة الإسلامية" وتهديداتها من تلك المنطقة، ليس إلاّ وزير الخارجية التركي، مولود جاووش اوغلو، ذهب الى تفسير الإتفاق الثنائي بالقول "بعد تطهير المنطقة من قوات داعش، ستفرض المناطق الآمنة تلقائيا".
أردوغان أيضاً أوضح "التزام تركيا بضمان أمن تلك المناطق .." دون الخوض في التفاصيل التي لا تتعدى نطاق "معاونة قوى المعارضة بشنّ غارات جوية وربما القيام بعمليات تتصدرها القوات الخاصة".
سلسلة التصريحات الأميركية لم تذهب أبعد من حشد دعم تركيا لملاحقة قوات داعش،إانطلاقا من قاعدة "انجرليك" التركية القريبة. بل سعى عدد من المسؤولين الأميركيين الإشارة لعدم "تطابق" رؤى الطرفين، لا سيما عدم ارتياح اوباما للغارات الجوية التركية ضد مواقع حزب العمال الكردستاني "الذي يتصدى بفعالية لتمدد داعش".
 التعويل الأميركي على انخراط كافة القوى الكردية في سوريا والعراق إلى جانبها لم يعد قيد التكهّن والتحليل، بل ترى أنهم "شركاء ذو فائدة كبيرة في مواجهة داعش."
حماس تركيا لإنشاء "مناطق حظر للطيران" السوري يمتد إلى بدايات الازمة السورية، وفشلت مرارا ًفي استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بهذا الخصوص، وتوترت علاقاتها مع واشنطن التي أوضحت انها غير معنية بإنشاء منطقة تحتاج الى حماية جوية اميركية على مدار الساعة، مما يعني تعميق الانخراط الاميركي المباشر في الأزمة السورية بدل استمرار المراهنة على استنفاذ طاقات الوكلاء المحليين، أفرادا ومؤسسات وحكومات.
الجانب الأميركي لا يزال قلق من قدرة تركيا الإلتزام بالخطوط المقررة والمتفق عليها بينهما، وما يستدعيه تصعيد أنقرة من حملتها العسكرية، المستهدفة مناطق التواجد الكردي على اراضيها، من كوابح وتدابير جديدة.

واشنطن لا زالت "تعوّل" على استبدال قوات "داعش" بقوات المعارضة السورية التي شرعت  في تدريبها وتسليحها، تحت لواء "الجيش السوري الحر،" منذ زمن بعيد.
أوصى البيت الأبيض لأحد "مسؤوليه الكبار" توضيح جوانب الاتفاق الثنائي للاعلاميين بالقول "اتفقنا على الجلوس سويا والبحث في سبل قد نستطيع تسخيرها لتنظيم مقاتلي المعارضة المعتدلة بتنسيق معنا (اميركا) ودول التحالف لتنظيف تلك المنطقة الممتدة من الحدود.
 أما في كيفية تطبيق ذلك والنماذج المستخدمة، فينبغي علينا الجلوس واياهم (تركيا) وننوي القيام بذك في غضون الايام القليلة المقبلة، ونتطلع قدما لتلك المشاورات."
تباين الرؤى
المسألة الكردية تبقى الهاجس الدائم للمؤسسات التركية
المسألة الكردية تبقى الهاجس الدائم للمؤسسات التركية
المسألة الكردية بكافة أبعادها تبقى الهاجس الدائم للمؤسسات التركية الحاكمة، بصرف النظر عن طبيعة الحزب الحاكم، واجماعها على عدم السماح لأي تواجد كردي تتوفر له بعض نواحي الاستقلالية والكيانية.
تبلور الظروف الإقليمية، خاصة بعد الإحتلال الأميركي للعراق، حفّز اردوغان على التوصل لاتفاق وترتيب وتسهيلات مع اقليم كردستان العراق، الذي تربطه علاقات وثيقة للغاية مع الاستراتيجية الاميركية في المنطقة، طمعاً في قطع الطريق على خصوم الأخير –حزب العمال وآخرين- لانشاء كيان مماثل، سواء في سورية او تركيا.
يشار إلى ان العلاقة الأميركية، لا سيما في بعدها الإستخباراتي والعسكري، مع قادة اقليم كردستان العراق، بالتزامن مع الدعم "الإسرائيلي،" تعود إلى زمن الثورة العراقية وقضائها على الحكم الملكي في بغداد، في عقد الخمسينيات من القرن الماضي.
معركة "داعش" للإستيلاء على عين العرب – كوباني عززت مشاعر غضب الأكراد من الحكومة التركية لتخلّفها عن تقديم العون لمقاتليهم ومؤازريهم من المناطق الكردية الاخرى.
 بل سعت انقرة إلى مزيد الحشد العسكري لقواتها تحضيرا لاندلاع القتال مع قوات حزب العمال الكردستاني، على الرغم من توقيع الرئيس اردوغان "اتفاقية" سلام في نهاية شهر شباط / فبراير الماضي، عرفت باتفاقية دولماباتشي، تضمن نقاطا عشرة حددت الاولويات التي ينبغي اتباعها للمضي في مفاوضات سلمية بين الجانبين.
استشاط اردوغان وحزبه الحاكم غضبا من تقدم "حزب الشعوب الديموقراطي" في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، وخسارة حزب العداله لاغلبيته المطلقة، وبالتالي مخططاته لتنصيب أردوغان رئيساً دون قيود او كوابح.
دشن اردوغان تراجعه عن الاتفاقية بوصف حزب الشعوب الديموقراطي بأنه ليس الا  امتداد لحزب العمال الكردستاني، مطلقا العنان لتصريحاته المتشددة بأن تركيا "لن تقبل انشاء دولة كردية في الاراضي السورية المحاذية، ابدا".
يذكر أن تحولات ظرفية دعت تركيا لاعادة النظر باولوياتها السياسية في الاقليم، منذ بداية العام الجاري، لا سيما الانجازات الميدانية المتسارعة لتنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي افصح بصريح العبارة عن نيته انشاء "خلافة اسلامية خالصة،" مقرها اسطنبول.

عقب التفجير الانتحاري الذي نفذّه داعشي تركي في مدينة سروج، الأسبوع الماضي، اضحى اردوغان يواجه تهديدات ثلاثة: الدولة السورية، الأكراد ممثلين بحزب العمال، والآن "داعش" الذي عزم على التوجه لاستعادة عين العرب – كوباني.
التفجير الذي راح ضحيته نحو 30 فرداً حفز اردوغان على تعديل اولوياته والتعاون مع واشنطن لمحاربة "داعش،" وشن سلاح الجو التركي سلسلة غارات جوية ضد مواقع متعددة في المناطق الحدودية.

الموقف الاميركي الرسمي حافظ على توازنه بتأكيد دعمه لتركيا "في الدفاع عن النفس،" دون اضفاء غطاء سياسي شامل على الغارات التركية ضد المناطق الكردية.

 وجاء في سلسلة بيانات وتصريحات رسمية ان واشنطن "تدعم تركيا بالكامل في الدفاع عن النفس .. وحثها التزام الحكمة في تنفيذ العمليات".
وارفقت واشنطن موقفها المعلن بتصريحات رسمية "غير منسوبة" لكنها واضحة وصريحة تبتعد فيها عن انقرة بانها "لا تؤيد انشاء مناطق آمنة،" او "منطقة حظر للطيران" في الشمال السوري، كما تروجّ انقرة.
وجاء على لسان احد كبار المسؤولين قوله ان ادارة الرئيس اوباما "لا تنوي تحديد المناطق .. نحن نتعقّب قوات "الدولة الاسلامية" اينما وجدناهم".
واضاف "عند انجاز مهمة خطة الطيران، سترون نتائج كثيرة،" في إشارة واضحة لغارات سلاح الجو الاميركي ضد مواقع وتحصينات داعش، انطلاقا من قاعدة انجيرليك الجوية، باستخدام طائرات مقاتلة واخرى بدون طيار.
في هذا الصدد، "اكد" المسؤول الاميركي الرفيع ان الغارات الاميركية المقبلة ستؤديها طائرات الدرونز، في اغلب الاحيان، نظرا لرغبة الإدارة الأميركية بعدم تعرّض طائراتها المقاتلة لمواجهة جوية مع المقاتلات السورية "خارج مدينة حلب او مناطق اخرى بالقرب من الحدود المشتركة بين البلدين".
ايضا، واشنطن ليست غافلة عن العلاقة الوثيقة التي تربط انقرة بتنظيم الدولة الاسلامية وتوفيرها كافة لتسهيلات  لتسليح ودخول الارهابيين الى سوريا عبر اراضيها.اشار تقرير نشرته اسبوعية "نيوزويك،" نهية العام الماضي، ان الغارة الاميركية التي اسفرت عن مقتل احد قياديي التنظيم الكبار، ابو سياف، والاستيلاء على معلومات ووثائق غاية في الاهمية حول طبيعة التنظيم، جندا وتمويلا، اوضح "بما يقبل الشك عمق العلاقة التي تربط داعش بتركيا" واجهزتها الاستخبارية.

وأوردت الأسبوعية على لسان أحد اعضاء الفارين من تنظيم "داعش" قوله ان الجيش التركي كان يغضّ الطرف عن كافة تحركات رجالات التنظيم.
وأوضح ان "قادة التنظيم ابلغونا أنه لا يتعيّن علينا القلق من اي شيء نظراً لعلاقة التعاون التام مع الجانب التركي .. لقد شاهدت الجيش التركي وحليفه (داعش) معاً خلال الهجوم الذي شنه على الأكراد داخل سوريا."بالمحصلة،
جاءت اندفاعة اردوغان للدخول في مرحلة غير محددة الآفاق من شأنها استنزاف طاقات اجهزته العسكرية والاستخباراتية مجددا، الأمر الذي يحفزه الى تصعيد اعتماده على دعم وتأييد الولايات المتحدة.
داعش تجاوزَ المقبول اميركيا
داعش بالنسبة للادارة الاميركية "يعاني من الخسائر" في العراق وسوريا، كما اوضح مؤخرا مبعوث الرئيس اوباما لشؤون مكافحة الارهاب، جون آلان؛ بخلاف تقارير الاجهزة الاستخباراتية ممثلة بوكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الاستخبارات الدفاعية واجهزة رديفة أخرى.
أوضح تقرير لوكالة "اسوشيتدبرس – أ ب،"  في 30 تموز/ يوليو الجاري، أن الولايات المتحدة أنفقت "بضع عشرات المليارات" من الدولارات لتقويض "داعش" الذي رغم "خسارته لنحو 10،000 مقاتل، فإن التنظيم لا يشكو من الضعف في المرحلة الراهنة أو بمقدار أسوأ مما كان عليه العام الماضي وتعرّضه لغارات اميركية مكثفة".
واضاف التقرير، الذي تداولته أبرز الوسائل الاعلامية، أن تقييم اجهزة الاستخبارات لداعش انه "في حالة جمود استراتيجي .. ولا يزال يتمتع بتمويل جيد ويستطيع تعويض النقص البشري في صفوفه سريعا ورفدها بجهاديين اجانب،"بل استطاع التنظيم "التمدد لمناطق ودول أخرى مثل ليبيا وشبه جزيرة سيناء وافغانستان".
"وجاء على لسان "مسؤول عسكري رفيع" ان جهود مواجهة داعش "لم تسفر عن تقويض ملموس في جسمه البشري،" ولا يزال يحتفظ بعدد كبير من المقاتلين يتراوح تعدادهم بين 20،000 الى 30،000 وهي "ذات التقديرات التي صدرت قبل عام في شهر آب/ اعسطس الماضي".
مصادر دخل التنظيم جلّها من الاتجار بالنفط المسروق من الآبار السورية، تقدر بنحو 500 مليون دولار سنويا، وفق مساعد وزير المالية الأميركية، دانيال غلاسر.
 يضاف الى ذلك "نحو مليار دولار نقدا استولى عليها التنظيم من المصارف والبنوك التي وقعت تحت سيطرته." وأوضح غلاسر ان "التنظيم ينعم بثروة مالية كبيرة .. تخوّله صرف رواتب ومستحقات شهرية لعناصره تصل الى 360 مليون دولار سنويا".
تركيا أيضا تستفيد من النفط السوري المسروق، وقدمت جملة تسهيلات ميدانية لتنظيم "داعش" وفرّت له إنشاء وجود كبير ملموس على اراضيها، وعقب التطورات الاخيرة في مدينة سروج اضحت تركيا تعاني من ازمة خلقتها واوجدتها بنفسها،  ويعسّر اجراءاتها للحد من نفوذه ويضاعف في الآن عينه من خشيتها اقدام التنظيم على شن هجمات انتقامية ضدها.
تركيا وردود الفعل الاميركية
بايجاز شديد، تتمحور السياسة التركية في الإقليم حول عمودي الأكراد وصمود الدولة السورية الذي أفشل مخططات تركيا وحلفائها من الدول الخليجية الممولة ودول حلف الناتو ايضا. ازمتها المتجددة دفعت بها لتقديم مزيد من التنازلات للجانب الاميركي، ابرزها التخلي عن شرط عدم السماح لواشنطن استخدام قاعدة انجيرليك، وامتدادا قواعد وانشاءات عسكرية اخرى على اراضيها.انخراط تركيا في الصراع المنباشر مع سوريا، دولة وشعبا ومؤسسات، اتاح الفرصة للاكراد السوريين التمتع بمزيد من صلاحيات الحكم الذاتي – وليس للاستقلال، بيد ان تداعياته وانعكاساته على الاكراد في الطرف الاخر من الحدود داخل تركيا يشكل قلق دائم ومتواصل لانقرة.
انخراط تركيا وحلفائها الخليجيين، بالدرجة الأساسية، في صراع صفري مع سوريا تحت عنوان "اي كان بديلاً عن (الرئيس) الأسد" وفّر الفرصة اللازمة لتنظيم"الدولة الإسلامية" اقامة وجود مادي وملموس ذات هيبة حقيقية اضحى يهدد تركيا نفسها.
المأزق الذي وجدت تركيا نفسها فيه، نتيجة سياسات ملتوية وقراءات خاطئة، في التعامل مع تنظيم "داعش" والأكراد معا وضعها رهن الدعم الأميركي الذي شجع "نموذج البارزاني" في العراق وحفزّه على التقدم نحو اراضي تواجد الاكراد الاخرى.

واشنطن تستفيد من اقليم كردستان في مجالات متعددة، سيما وهي تعتبره "قوة عسكرية يمكنها الإعتماد عليها،" وقتما تشاء توظيفه في قضايا الاقليم.
بالمقابل، رصدت واشنطن فشل تركيا وحلفاءها في "تسويق" قوى المعارضة السورية المعتدلة وحفزها للتمسك ببدائل أخرى، أبرزها التشكيلات الكردية غير المناهضة لسياساتها.
عادت واشنطن لتكرار موقفها الجليّ من اقليم كردستان العراق على لسان "مسؤول سياسي رفيع،" مطلّع الأسبوع، قائلاً بوضوح لافت "ما استطيع البوح به اننا عملنا بشكل وثيق جدا مع قوات البيشميركة الكردية، التي تشمل بالطبع حزب كردستان الديموقراطي والاتحاد الوطني لكردستان، ومجموعات اخرى تنشط في شمالي العراق والذين عملنا معهم لعدة سنوات خلت. كذلك عملنا مع اكراد سوريا بالطبع في شمالي البلاد جنبا الى جنب تشكيلات الجيش السوري الحر، احيانا، والذين اثبتوا فعاليتهم القتالية ضد داعش. كما ان تلك العلاقة ستستمر نظراً لأن جهودنا المشتركة محورها الحاق الهزيمة بداعش، الهدف المشترك بيننا، وكذلك مع تركيا".

يتضح لكلّ من يراقب التطورات التركية عن كثب اليد العليا لواشنطن لما تمتلكه من اوراق ضغط ضد تركيا تحديداً، الأمر الذي يعزز مصداقية تصريحات لمسؤولين الأميركيين لناحية "عدم التوصل لاتفاق نهائي" مع انقرة، مع الإقرار ان نصوص الاتفاق الجديد غير متاحة للتداول الاعلامي، مما يدل على بقاء عدد من الجوانب قيد البحث ولم يتم التوصل لحل نهائي بشأنها.
نستطيع القول ان تصريحات المسؤولين الأميركيين المشددة على "حق تركيا بالدفاع عن النفس،" ضد هجمات حزب العمال الكردستاني، يفهم منها أيضاً اصرار واشنطن على طلب ضمانات تركية بعدم التعرض لمواقع الاكراد داخل سوريا.بل الذهاب الى ابعد من ذلك بتحذير حزب العدالة والتنمية من الاقدام على اجراء انتخابات مبكرة "ترمي للحد من نفوذ الأكراد في البرلمان التركي،" واعتبار ذلك عنصر مفجر لقواعد الاتفاق الذي تم التوصل إليه بالخطوط الأولية.
يشير بعض المراقبين الى امكانية لجوء واشنطن للضغط على حزب العمال الكردستاني والحد من نشاطاته داخل اراضي شمالي العراق، والاحتفاظ بتواجده هناك، والتوسط أيضا لوقف الهجمات ضد القوات التركية انطلاقا من معسكراته في الاراضي العراقية.
السؤال الجوهري يبقى قائما حول مدى "استعداد" تركيا العمل وفق قواعد الاشتباك التي حددتها واشنطن، مع ادراك انقرة التام حدود قدراتها للتعامل بفعالية مع تهديدات داعش بمفردها. بالمقابل، طلب الدعم الاميركي بصرف النظر عن نطاقه وطبيعته يستدعي تقديم انقرة تنازلات معينة في المسألة الكردية. وربما لن تجد انقرة جوابا شافيا، في محصلة الأمر، ان كان مصدر الخطر الاكبر لها مصدره الأكراد ام داعش.
اطلاق سراح الجاسوس جوناثان بولارد ترضية لنتنياهو
انفرجت أسارير اللوبي "الإسرائيلي" لاعلان مصلحة السجون الأميركية موافقتها على اطلاق سراح الجاسوس جوناثان بولارد، في شهر تشرين2/ نوفمبر المقبل، بعد أن أمضى 30 عاما من عقوبة السجن مدى الحياة.
 
أجمع الساسة والمراقبين على ترابط توقيت الاعلان بالاتفاق النووي مع ايران، كبادرة أميركية حسنة نحو نتنياهو واحتواء جهوده للضغط على الكونغرس برفض الاتفاق.لم ينفك قادة الكيان عن مطالبة الرؤساء الاميركيين جميعا باطلاق سراح بولارد، والذين اصغوا لتوصيات الاجهزة الاستخبارية في اجماعها بعدم اطلاق سراحه نظرا "للضرر الذي سيلحقه ذلك بالأمن القومي" الأميركي؛ وايصال رسالة قوية لحلفاء واشنطن بعزمها على ردع اي محاولة تجسس عليها داخل اراضيها.
من مفارقات السياسة الأميركية انضمام وزير الدفاع الاسبق، دونالد رامسفيلد، إلى اصوات المعارضين للإفراج عن الجاسوس.
يشار ايضا الى شد نتنياهو الرحال لزيارة بولارد في سجنه بعد خروجه من رئاسة الحكومة في عقد التسعينيات من القرن الماضي. كما توسل نتنياهو رسميا للسلطات الأميركية، 2011، لاطلاق سراحه. القضاء الأميركي رفض عريضة الإستجداء وابقى على بولارد وراء القضبان.

الترتيبات الأميركية اشترطت بقاء بولارد داخل الأراضي الأميركية لمدة خمس سنوات، بعد اطلاق سراحه؛ اجراء لا يحتمل التعويل كثيرا عليه، وربما ينوي اوباما احالة المسألة للرئيس الاميركي المقبل للبت بها والافراج عنه نهائيا.

جريمة بولارد: شغل جوناثان بولارد منصبا رفيعا كمحلل في جهاز الاستخبارات البحرية، مما اتاح له الاطلاع على معلومات عسكرية بالغة السرية والحساسية تتعلق باهداف عسكرية سوفياتية وضعت تحت المراقبة الاميركية، سربها بولارد لمشغليه في الاستخبارات "الاسرائيلية." يعتقد ان "اسرائيل" ابلغت موسكو بتلك التفاصيل.

كذلك استطاع بولارد الحصول على أحدث نموذج "لتدوين ذبذبات اشارات الراديو،" المفصلة التي امتدت دليل من 10 أجزاء يذكّر فيه بتفصيل مكثف شبكة التجسس الإلكترونية الأميركية على امتداد العالم.

عند انكشاف أمر بولارد، اقدم مكتب التحقيقات الفيدرالي على القاء القبض عليه وزوجته اللذين توجها للسفارة "الإسرائيلية" في واشنطن بطلب حق اللجوء السياسي.
 وقوبل الزوجين برفض حرس السفارة، وسرعان ما القى مكتب التحقيقات القبض على الزوجين بولارد فور خروجهما من ارض السفارة، مشغليهم "تحت الغطاء الديبلوماسي" تم تسفيرهم على الفور.
كوفيء بولارد على تجسسه بمبلغ شهري قيمته 2،500 دولار، وفق تقرير خاص اصدرته وكالة الاستخبارات المركزية في ذلك الخصوص.
عشق بولارد للمال حفزّه لعرض خدماته على عدد من الدول الاجنبية، احداها كانت باكستان، عبر وسيط ثالث. ايضا اوضحت السلطات المعنية في استراليا عن عثورها على وثائق اميركية سرية في حوزة احد ضباطها مصدرها جوناثان بولارد.

كما افادت الاجراءات القضائية آنذاك عن اتصالات اجراها بولارد مع وكالة استخبارات جنوب افريقيا. لائحة الاتهامات الموجهة له حينئذ اشارت الى اتصالات اجراها بولارد مع وسطاء لتسويق خدماته مدفوعة الاجر لدى "ايران والارجنتين وتايوان،" وجهات اخرى.
عند الافراج عنه، سيكون بوسع بولارد الإفصاح لمشغليه في الموساد عن مزيد من الأمور السرية، سيما وأن المصادر والوسائل الأميركية المستخدمة في عقد الثمانينيات من القرن الماضي لا تزال ذات قيمة وفعالية بالنسبة "لاسرائيل،" او اي طرف آخر قد تختاره الاخيرة لمشاركته المعلومات القيمة.