رخصة الاحتلال للقتل: عائلة دوابشة

رخصة الاحتلال للقتل: عائلة دوابشة

أخبار عربية ودولية

السبت، ١ أغسطس ٢٠١٥

سارعت إسرائيل إلى استنكار الجريمة التي اقترفها المستوطنون اليهود بحق عائلة الدوابشة في مدينة نابلس، أمس، والتي أدت إلى استشهاد الطفل علي دوابشة حرقاً، بعدما استشعرت أن المسألة ستتعاظم بشكل كبير. وهرع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للاتصال بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولعيادة أفراد عائلة الدوابشة الجرحى الذين نجوا من حريق منزلهم، في مستشفى تل هاشومير وسط إسرائيل، في محاولة لتقليص الأضرار. ومع ذلك يبدو أن الاستنكار الإسرائيلي ومحاولات التهدئة لن تنجح في منع التصعيد المقبل ليس فقط ميدانياً، وإنما أيضا في الحلبة الدولية.
ولم يمنع الموقف الاسرائيلي السلطة والفصائل الفلسطينية من تصعيد اللهجة. وبينما أعلن عباس أن السلطة الفلسطينية ستقدم، اليوم، ملف استشهاد دوابشة أمام المحكمة الجنائية الدولية، توعدت المقاومة الفلسطينية، بينها كتائب القسام والجهاد الاسلامي، وفصائل أخرى بالرد على الجريمة. ولاقت الجريمة استنكاراً واسعاً على المستوى الدولي بينها واشنطن. (تفاصيل صفحة11)
ومن البديهي أن الجهد الإسرائيلي لتقليص الأضرار يقفز عن واقع أن الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة نتنياهو ليست فقط مسؤولة عن الجمود في العملية السياسية مع الفلسطينيين، وإنما عن تراكم أسباب الانفجار المقبل بسبب ضغوطها ومواقفها الاستيطانية. ويرى كثيرون أن عملية حرق البيت الفلسطيني وقتل الطفل علي دوابشة لم تفاجئ أحداً في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي كانت تعرف أن حدثاً مثل هذا هو مسألة وقت لا أكثر.
وليس حادث قرية دوما هو الأول من نوعه، وهذا ما دفع معلّقين للقول إن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لم تتفاجأ. بل ذهبت صحيفة «هآرتس» للقول إن جهاز «الشاباك» يلحظ منذ عامين تردد نمط إحراق البيوت قبل الفجر بهدف حرق أهلها وهم نائمون. وسبق ووقع حادث الحرق الأول في قرية سنجل في شهر تشرين ثاني العام 2013، كما وقع حادث آخر قرب الخليل في العام 2014. ولم تعتقل الشرطة الإسرائيلية أحدا ولم توجه لوائح اتهام لأحد.
وكشف كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، أنّ المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة نفّذوا أحد عشر ألف اعتداء على أهداف فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة منذ العام 2004. وشملت تلك الهجمات تخريب وتدمير ممتلكات فلسطينية وإحراق سيارات ودور عبادة مسيحية وإسلامية وإتلاف أو اقتلاع أشجار زيتون. وبحسب منظمة «يش دين» الإسرائيليّة، فإنّ 85.3 في المئة من الشكاوى التي تقدم بها فلسطينيون ضد مستوطنين تم حفظها، وأن 7.4 في المئة فقط من الشكاوى أدّت إلى توجيه اتهام، بينما الثلث فقط أفضى إلى إدانة.
فاليمين الحاكم في إسرائيل، بما أبداه من تسامح تجاه المستوطنين وأفعالهم الإجرامية في الضفة الغربية، شجع العناصر الأكثر تشددا بين المستوطنين اليهود على التمادي. وما ظاهرة منظمة «شارة سعر» اليهودية المتطرفة التي تعمل على التنكيل بالفلسطينيين خارج الأطر الرسمية للقمع من دون أن تجد أي معارضة أو ملاحقة جدية، إلا جزء من أدوات السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين. وليست صدفة أن عشرات وربما مئات جرائم القتل والتعذيب والتنكيل والإحراق للسيارات والبيوت والشجر «عجزت» أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عن ملاحقة مرتكبيها. وعنى ذلك للكثير من المتشددين وجود ترخيص متواصل للتنكيل والقمع والحرق وصولا إلى القتل طالما أن الضحية هو فلسطيني.
وفي كل حال وعدا عن الاستنكار الواسع من جانب القيادات الإسرائيلية الرسمية كان هناك حتى من بين أعضاء الكنيست من أعضاء الائتلاف الحكومي من برر حرق الرضيع الفلسطيني بوضع العملية في إطار الثأر والانتقام. وكانت أقصى ردود فعل المسؤولين الإسرائيليين من وصف ما جرى بأنه عمل إرهابي. وهذا ما تشدّق به ليس فقط بنيامين نتنياهو والرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين وإنما أيضا ما قاله وزير الدفاع موشي يعلون. وزجّ الجيش الإسرائيلي بعدة كتائب من المشاة إلى منطقة نابلس بدعوة ضبط مقترفي الجريمة ولكن الجميع يعلم أن هذه الحشود كانت تحسبا للصدامات والاحتجاجات المتوقعة من الجانب الفلسطيني.
ومن شبه المؤكد أن الاتهام لن يوجه لأحد من الإسرائيليين على هذه الجريمة، خصوصا أن المنظمات التي يعمل في إطارها المتشددون اليهود هي كيانات داخل أحزاب الائتلاف أو على مقربة منها.
وقد أعلنت الشرطة الإسرائيلية و «الشاباك» أنهما بدءا التحقيقات في الجريمة. وقال مفتش عام الشرطة إن «كل قيادة الشرطة موجودة في مكان الحدث. وسوف نستخدم كل الوسائل المتوفرة والوحدات وستتولى وحدة الجرائم القومية التحقيق وسنبذل كل جهد من أجل ضبط القتلة». كما أن منسق الأنشطة الإسرائيلية في المناطق المحتلة الجنرال يؤآف مردخاي أكد «أننا سنجد المذنبين ونعاملهم بشدة القانون».
وقد عقد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غادي آيزنكوت اجتماعا أمنيا طارئا لتقويم الموقف في الضفة الغربية. وحضر الاجتماع إلى جانب قيادات الجيش رئيس «الشاباك» يورام كوهين. وأمر آيزنكوت باتخاذ سلسلة إجراءات احترازية في الضفة الغربية بهدف كبح أي تدهور محتمل ومن أجل تقليص الاحتكاكات والحفاظ على الاستقرار في المنطقة. غير أن معظم الإجراءات العسكرية الإسرائيلية كانت موجهة ضد الفلسطينيين ومن بينها تقييد وصول المصلّين إلى المسجد الأقصى بأعمار تزيد عن الـ50 عاما.
عموما يستعد الجيش الإسرائيلي للانتشار بتعزيزات كبيرة بعد رفع حالة التأهب تحسبا لصدامات تتسع في الضفة الغربية. وعدا عن الكتائب الأربع التي تم إرسالها لتعزيز القوات، أوقف الجيش تدريبات لوائين قتاليين هما «الناحال» و «جفعاتي» وطلب منهما الاستعداد للانضمام إلى القوات العاملة في الضفة. وتنطلق استعدادات الجيش من فرضية أن حادث حرق عائلة الدوابشة سيشعل المنطقة ويكثف الصدامات في نقاط الاحتكاك الدائمة كقلنديا وبلعين ونعلين ومناطق أخرى. ومع ذلك فإن السيناريو الإسرائيلي الأسوأ يتحدث عن صدامات تتسع في القدس الشرقية عموما وفي الحرم القدسي خصوصا. وقال الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي الجنرال موطي ألموز «إننا في حالة تأهب ونستعد أيضا للأيام المقبلة من منطلق رغبة في الحفاظ على الاستقرار الأمني في يهودا والسامرة».
تجدر الإشارة إلى أنه إلى جانب الرضيع الشهيد نقل إلى مستشفى تل هشومير قرب تل أبيب والدة الرضيع وشقيقه ابن الأربع سنوات في حالة خطيرة، في حين تم نقل والد الأطفال في حالة خطيرة جدا إلى مستشفى سوروكا في بئر السبع. وأفادت التقارير الطبية أن الأم مصابة بحروق من الدرجة الثالثة في 90 في المئة من جسمها، وهناك خطر على حياتها في حين أن طفلها ابن الرابعة مصاب بحروق من الدرجة الثانية في 60 في المئة من جسمه. وواقع حال الأب ليس أفضل لأن هناك خطراً على حياته إذ يعاني من حروق في 80 في المئة من جسمه. والثلاثة في الانعاش المركّز بعد تخديرهم وهم يتنفسون عبر أجهزة اصطناعية.