بين طموحات بوتين وانقلاب «العربي»: هل حقاً نحن في زمن المعجزات؟

بين طموحات بوتين وانقلاب «العربي»: هل حقاً نحن في زمن المعجزات؟

أخبار عربية ودولية

السبت، ٤ يوليو ٢٠١٥

في مَطلع العام 2012، وفي خطاب له من على مدرج جامعة دمشق قال الرئيس الأسد مخاطِباً الشعب السوري الغاضب حينها من تآمر الجامعة العربية عليه: (إذا قام شخص بالهجوم علينا بسكين ونحن ندافع، فنحن لا نصارع السكين، نحن نصارع الشخص، السكين مجرد أداة، فصراعنا ليس مع هؤلاء، صراعنا مع من يقف خلفهم).
خرج «نبيل العربي» مكسور الجناح يتسول موعداً مع «المسؤولين السوريين»، لم يخرج هذه المرة كما كان يفعل متظللاً بـ«دشداشة» «حمد بن جاسم»، ليهدد ويتوعّد ويحدِّد مهلاً لانتقال السلطة في سورية. قرَّر فجأة أن يتجاهل غزواته المتتالية إلى مجلس الأمن باسم «المستعربين» لاستجلاب العدوان «المباشر» على سورية، على شاكلة تلك التي استجلبتها جامعته إلى ليبيا، ليعلن استعداده للقاء الوزير وليد المعلم.
«إن لم تستحِ فاصنع ما شئت»، عبارة تنطبق تماماً على انقلاب «العربي» الأخير، وهو المتورط بحفلات الدم التي تحدث في سورية، لكن لا عجب وهو الديبلوماسي القادم أساساً من المدرسة السياسية التي أنتجت لنا «كامب ديفيد» المشؤوم.
ربما أن السيد «نبيل العربي» عاش كما غيره عبر السنوات الماضية وَهْمَ الضرب بخنجر مشيخات النفط، الذي هو بالنهاية خنجر الغدر الذي أهدر دماء الأبرياء، وهو منذ سنوات يعيش كغيره وَهْمَ إسقاط سورية. لعل هذا الأمر دفعه ليتجاهل ماكان يقوله الرئيس الأسد في خطاباته المتكررة حول ما يتعلق بالنظرة السوريّة لوضع ما يُسمى الجامعة العربية، بالتأكيد لا يتسع المجال هنا لذكرها لكن المرور على القليل منها يبدو مفيداً.
لكن هذا الأمر يبقى في الشكل، أما في المضمون فلا يمكننا فصل كلام العربي عن السياق العام لما يجري في المنطقة. فهو لم يهدد يوماً إلا بإيعازٍ، فهل من عاقل سيتخيل أنه يدعو للحوار من بنات أفكاره؟!
بالتأكيد بدت سورية حتى الآن غير مستعجلة للرد على دعوته، تحديداً أن من يفهم الديبلوماسية المتجمدة التي تتعاطى من خلالها السياسة السورية سيعي تماماً أن دعوات العربي في أفضل ما يمكن أن تلقاه مستقبلاً من القيادة السورية هي انتظار مبادرة من الجامعة العربية لإلغاء جميع القرارات المتعلقة بسورية، بما فيها العقوبات الاقتصادية، بعدها فليُفتح باب الحديث عن لقاء مع هذا المسؤول أو ذاك، وبمعنى آخر:
ليرحل الذين تآمروا على الدماء العربية، وجعلوها سلعة مرتبطة بطموحات «طويلي العمر»، عندها نجلس ونناقش مستقبل الجامعة العربية، فالرئيس الأسد قال يوماً إن (تعليق عضوية سورية هو تعليق لعروبة الجامعة)، لكننا على المستوى الشعبي لانرى أبداً أن عودة سورية للجامعة هي عودةٌ لعروبة تلك الجامعة وفيها من فيها من متآمرين. هذا الأمر يتطلب الكثير من العمل كي لاتعود هذه المنظمة ـ كما كانت ـ أداةً لتوطيد حكم المشيخات من منطلق ما يسمونها (وقف الحملات التحريضية بين الأشقاء)، وكأننا عندما نقول إن الوهابية والتطرف تزاوجا فأنجبا داعش بفكرها الإجرامي نمارسُ التحريض ولا نوصِّف الواقع، فإن كنتم تخجلون من واقعكم فعليكم تغييره، لا أن تشدّوا المنطقة بكاملها نحو هذا الواقع.
كذلك الأمر لا يمكن لنا فصل هذا الكلام عن الزيارة التي قام بها الوزير المعلم إلى موسكو.
يوماً ما قلنا إن المعلم لا يزين كلامه بميزان الذهب، بل الأدق أن موازين الذهب تأخذ معايرتها من كلام المعلم، فهل حقاً أن الزيارة كانت زيارة «المعجزات» غير القابلة للتحقق؟ أم إنها زيارة النتائج المنطقية لمعجزات هي بالأساس تحققت وقُضي الأمر؟!
في النظرة الدينية، تبدو «المعجزة» كنوعٍ من الإثبات الذي يُظهره الخالِق على من شاء من عباده، عساهم يتعظون «أولي الألباب». أما النظرة المادية للمعجزة فهي تبدو أقرب لمفهوم (الأمر غير المتوقع)، أو اجتماع الصدف. بين هذا وذاك نستطيع القول إن للمعجزة دلائل مهمة تنطلق من فرضية ضعف قوانا المادية، لكننا مدركون أننا نمتلك قوى روحية لاتتعب. بين هذه التوصيفات الثلاث نتساءل:
تُرى عن أي المعجزات تحدث «المعلم»، وهل حقاً أن هناك معجزات ستتحقق؟
في السياسة عندما تتحدث عن «معجزةٍ» قد يبدو أن علينا جمع المفاهيم الثلاثة معاً، لنخرج بنتيجةٍ ايجابيةٍ، لكن هذا الأمر افتراضي فعندما قال المعلم إن بوتين «صنع المعجزات» في روسيا، فلأنّ صناعة المعجزة هنا استندت إلى شيء أساسي وهو وجود الأرضية التي تهيئ هذه المعجزة، بمعنى آخر؛ روسيا هي وريثة الاتحاد السوفييتي بما كان يمثل من ثقلٍ اقتصادي وبشري وحتى «أيديولوجي»، لذلك تبدو الفكرة هنا أقرب لاجتماع المفهوم الثالث مع الثاني.
أما في الحالة المرتبطة بتشكيل تحالفٍ لمكافحة الإرهاب، من دولٍ ومشيخاتٍ أغلبها داعم للإرهاب، فهذا الأمر قد لا يبدو في واقع الحال معجزةً، لكن المعجزة الحقيقية هي بتلك القوى التي حولت هؤلاء من أشخاص قادرين على تربية الأفاعي وإطلاقها، إلى أشخاص لن يستطيعوا بعد اليوم لجم حتى صِلال الأفاعي التي باتت ترتد إليهم. المعجزة ليست بالهلع الذي بات يعيشه هؤلاء، بل المعجزة هي بمن صمد ليحولهم من «ضباعٍ شرسةٍ» إلى «أرانب» تبحث عن الملاذ الآمن، وبمعنى آخر؛ إنه الميدان الذي قرَّر كل شيء، وهو ما قاله المعلم بأننا أشبه بمباراة كرة قدم ونحن في وقت الاستراحة، فمتى سيبدأ الشوط الثاني المعروف بأنّه شوط المدربين؟
قلنا منذ أسبوعين إن صمود كل من حلب والحسكة والجنوب ضروري لتحقيق خلط الأوراق في المنطقة. صمدت تلك المدن، بل يمكننا القول إن القيادة السورية وضعت ثقلها الكامل لإنجاز هذا الصمود لاعتباراتٍ عديدة، منها أن أمر صمودها لم يعد مرتبطاً باستغاثة الأعراب فحسب، لكنه تزامن باستغاثات «العدالة والتنمية» في تركيا. مما لاشك فيه أن قيادات العدالة والتنمية اعتادت على تصريحات أشبه بالمصائب، (تبدأ كبيرة ثم تتلاشى)، يبدؤون بتسريبات هنا وهناك بأن خطط التدخل في سورية واحتلال جزء من أراضيها باتت جاهزة، فتلجمهم تصريحات البيت الأبيض بأن لا ضرورة لإنشاء مناطق عازلة، لينتهوا بأن التدخل سيكون عند الضرورة.
بالتأكيد لن يشرحوا لنا ما هي هذه الضرورة، لكن مايمكننا قوله إن فكرة الحلف قابلة للتحقق، لأنها ببساطةٍ أشبه بالسلم الذي سيُنزِل الجميع عن الشجرة السورية بذريعة «لايوجد مهزوم» والجميع سيحارب الإرهاب، لكن هل القصة انتهت هنا؟!
ليس الأمر كذلك، هناك هدفان قادمان لا بد أن تمر عليهما الفوضى لكي يكتمل السيناريو.
بالتأكيد ليس بريئاً تصاعد الوجود الداعشي في ليبيا الجارة ذات الحدود الطويلة مع الجزائر، أما مايجري في مصر فهو مرشحٌ للمزيد من التصاعد تحديداً أن القيادة المصرية الحالية ما زالت وبعد كل حدث إرهابي تتجاهل أمرين أساسيين:
الأول أنها تحارب داعش وليس مجموعات مشتتة، أما الثاني وهو الأخطر أن القيادة تتهم الاخوان المسلمين بكل ما يجري، لكن هذا الأمر ذو حدين لأننا في مصر أمام حقيقة مهمة يتجاهلها الجميع؛ أن الاخوان المسلمين وصلوا للسلطة بأصوات الناخبين المصريين هذا يعني أن حجم التأييد لهم ليس بقليلٍ، إذا ما أخذنا بالحسبان أن عدد سكان القاهرة فقط يزيد على عدد سكان سورية. بالتالي ليكفوا عن عبارة (مصر ليست سورية)، بل بعيداً عن العواطف فإن مصر أخطر من سورية إذا ما انفجر بها الوضع وامتد نحو «غزة» ليتم تعويم فكرة الخلافة الداعشية بديلاً لـ«القضية الفلسطينية»، هل فهمنا الآن لماذا يصر بوتين على تحقيق المعجزات، ببساطةٍ لأن جحافل «الخليفة» لن توفر أحداً، فهل حقاً أنه زمن المعجزات؟
ربما الأدق أننا في زمنٍ يستطيع كلُّ منا أن يصنع معجزاته بالطريقة التي يراها مناسبة، ليست المشكلة أبداً أن يتعب الجسد، المهم أن تبقى الروح قادرة على ابتكار المعجزة في الوقت الذي ظن فيها الجميع- كما أورد عاموس جلعاد ـ بأن سورية انتهت؟ ليست سورية التي انتهت، فطائر الفينيق قادرٌ دائماً أن ينهض من بين الرماد، عندها عليكم أن تسألوا نبيل العربي:
إن عدت وقرأت كلام الرئيس الأسد، ستمر إلى عبارةٍ وردت في حديثه لقناةٍ عربيةٍ بأن (قرار العودة للجامعة هو قرارٌ شعبي ربما قد يمر عبر استفتاء)، هذا الأمر كان قد أكدّه أيضاً السيد «وليد المعلم» في إحدى مؤتمراته الصحفية، عندما قال (لن نتخذ أي قرار دون العودة للشعب فالشعب هو بوصلتنا).
كلمة استفتاء تعني بالنهاية صندوقاً انتخابياً. على «نبيل العربي» أن يفكر منذ اللحظة كيف سيشرحها لحلفائه في مشيخات النفط، وهم لايعرفون كلمة صندوق إلا للخضار والفواكه، أو «قوارير الويسكي الاسكتلندي»، حسب ويكيليكس.